تخوض القوات الأمريكية حرباً مكلفة على محوري أفغانستانوباكستان بعد تنامي نشاط جماعة طالبان وعناصر القاعدة هناك. وتذهب مصادر أمريكية إلى أن هذه الحرب تحقق نتائج إيجابية بفعل الضغط الهائل الذي تمارسه واشنطن على القاعدة من خلال الغارات الجوية لطائرات من دون طيار تنطلق من باكستانوأفغانستان وتكثفت منذ تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما مهامه في يناير الماضي.
وبحسب المصادر الأمريكية فقد دفعت تلك الهجمات بعض عناصر تنظيم القاعدة إلى مغادرة الأراضي الأفغانية والباكستانية إلى عدة دول منها الصومال واليمن. ونظرا للتطورات المتصاعدة التي تشهدها اليمن خلال الآونة الأخيرة، فالبلاد تحولت بهذا المعنى إلى منطقة مواجهة قاعدية أيضا بصرف الأنظار عن التوجه الأمريكي الجديد باستهداف التنظيم والتركيز عليه في الشريط الحدودي من باكستان ومناطق القبائل والمناطق الأفغانية التي عادت إليها طالبان.
ورغم إجراءات التنسيق والتعاون التي تقوم بها الإدارة الأمريكية مع من تعتبرهم الحلفاء في الحرب ضد الإرهاب، إلا أن تلك الإجراءات لم تمنع تنظيم القاعدة من مواصلة الصعود والاستفادة من حالة الفوضى العارمة التي تعمم المنطقة. وكما في أفغانستانوباكستان اللتين تشهدان تناميا ملحوظا لنشاط القاعدة والتيارات الفكرية المتناغمة معها، فإن المحاولات التي يقوم بها تنظيم ما يسمى "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" حولت اليمن في نظر الكثيرين إلى أحد الملاذات الآمنة للقاعدة.
ومن المعروف أن التنظيم جاء كثمرة اندماج فرعي القاعدة في السعودية واليمن في وقت سابق من هذا العام بزعامة اليمني ناصر الوحيشي ونائبه السعودي سعيد الشهري. وهي خطوة، دفعت رئيس المخابرات الأمريكية إلى القول إن اليمن أخذ يعود إلى الظهور بوصفه ساحة جهادية وقاعدة إقليمية محتملة لعمليات القاعدة.
غير أن التطورات اللاحقة تجاوزت هذه المقولة بكثير، إذ ومنذ ذلك الوقت جرت عدة محاولات ومواجهات أبرزها العملية التي انطلقت من داخل الأراضي اليمنية وكادت أن تؤدي بحياة الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي للشئون الأمنية.
وفي الأسبوعين الماضيين، كشفت الصحافة السعودية عن عملية أخرى في منطقة جازان وقد أسفرت عن مقتل اثنين من عناصر القاعدة وأحد رجال الأمن بعد محاولة الاثنين التسلل إلى داخل الأراضي السعودية من اليمن، وقالت المصادر السعودية أن العملية التي تم إحباطها، قد كشفت أيضا عن خطة إرهابية مدمرة كان التنظيم يعتزم تنفيذها ضد مصالح حيوية في المملكة.
وتأتي هذه المحاولات وسط تحذيرات عدة من استغلال القاعدة للحالة اليمنية خاصة مع استمرار حرب صعدة السادسة وتفشي النزعات الانفصالية في الجنوب وتردي الحالة الاقتصادية. الأمر الذي يدعو واشنطن للشعور بالقلق في كلا الحالتين، سواء فيما يجري بالساحتين الأفغانية والباكستانية أو اليمن، ولذلك، قررت زيادة المساعدات لباكستان ثلاثة أضعاف على ما كان عليه الوضع في السابق.
كما أدرجت التعاون مع اليمن ضمن المساعدات الأمريكية الجديدة للأعوام 2009-2010م حيث رفعت واشنطن سقف دعمها لليمن بشكل غير مسبوق ليصل إلى 121 مليون دولار بزيادة نوعية تصل إلى 90 مليون دولار عن السابق.
لكن جزء من الإشكالية التي تعانيها واشنطن، هي الشكوك والارتياب من تعاطي من تسميهم حلفائها في مكافحة الإرهاب. وكما في حالة الحكومتين الأفغانية والباكستانية خصوصا، يردد خبراء أمريكيون بأن صنعاء لا تأخذ خطر القاعدة بالقدر الكافي من الاهتمام.
ويقول الخبير المختص بشئون اليمن جورج جونسن إن "الحكومة اليمنية أكثر اهتماما بقتال الحوثيين في صنعاء والانفصاليين في الجنوب وأن تنظيم القاعدة يأتي ثالثا بفارق بعيد.. فالحكومة اليمنية لا تعتبر القاعدة مشكلة يمنية بل مشكلة خارجية."
وإذا كان هناك وجه تشابه كبير بين مناورات صنعاء وإسلام أباد أثناء طلب المساعدات الأمريكية الخاصة بالملف المسمى مكافحة الإرهاب، فان وجه الشبه الأكثر أهمية بين اليمن وأفغانستان، بالنسبة لدرجة اهتمام الإدارة الأمريكية وشعورها المتعاظم بالقلق، ليس الطبيعة الجغرافية والبيئية للبلدين فحسب، بل الأخطر في نظرها هو التهديد الذي يشكله تواجد عناصر القاعدة والتيارات الفكرية المتناغمة معها، للترسانة النووية الباكستانية، واليمن معروفة بأنها الحديقة الخلفية لمصادر الطاقة الأهم في العالم. [email protected]