(1) قبيل تشكيل حكومة الوفاق الوطني في ديسمبر كان الشارع اليمني يتساءل عن (المدبر) الذي سيتولى حقيبة الكهرباء، ويبدو أن أحزاب المشترك كانت تعتقد أن حزب المؤتمر لن يفرط بوزارة الإعلام مهما كان الثمن، ولديها حق في ذلك، ولهذا وضعتها في القائمة الأولى جوار الكهرباء لكن المؤتمر وبحكم تجربته في السلطة يدرك أن الكهرباء ستكون معيار أدائه في الحكومة، وأن المنظومة الكهربائية في اليمن متهالكة ومنهارة وستمثل ثقب الأوزون الذي سيلتهم جهود الطرف السياسي الذي ستأتي من نصيبه، فهرب المؤتمر إلى القائمة الثانية وضحى بوزارة الإعلام رغم أهميتها بالنسبة له، وسيظل يبكي عليها زمناً طويلاً، وما شكواه الأخيرة من خطاب الإعلام الرسمي بسر.
(2) حينها شعرت المعارضة أنها وقعت في الفخ واجتهدت وأسندت وزارة الكهرباء للدكتور صالح سميع لسببين الأول: هو إدراكها أن محطة مأرب الغازية تغدي البلد بالطاقة بنحو 40% تقريباً وإعادتها إلى الخدمة كفيل بإنهاء الانطفاءات الكهربائية وتحقيق نصر سياسي والأمر يتطلب التفاهم مع قبائل مأرب لمنع الاعتداءات على الأبراج، والسبب الثاني متعلق بالأول وهو أن سميع شخص قوي وكفوء وغير محسوب على حزب معين حتى لا تستغل القضية سياسياً وعمل محافظاً لمحافظة مأرب، ولا شك أن علاقات جيدة تربطه بعدد من مشائخها وستضع حداً للاستهدافات المتكررة على المحطة الغازية، وبالتالي إنارة البلاد والعباد وإخراجهم من ظلمات نظام علي عبدالله صالح، وقد قبل سميع بالمهمة الصعبة ولم يكن يعرف التطورات الغريبة في قبائل مأرب خلال السنوات الأخيرة إذ لم تعد تلك القبائل التي عايشها في التسعينات والتي كان دائماً يصفها بأطيب الناس حيث تغيرت بعض القبائل وأصبح اسمها مرادفاً لكلمة قاطع طريق أو ناهب وسارق وكل عبارات الانحطاط صارت التوصيف الأدق لعدد من قبائل مأرب خصوصاً تلك الواقعة على خط صنعاء، وقد عمل الرئيس صالح على تغذية هذا الانحطاط وشجعهم على التخلي عن قيم وأخلاق وشهامة القبائل اليمنية المتعارف عليها مقابل حفنة من الدولارات!!
ولم يكن يتوقع سميع أن بعض القبائل قد تنكرت له ولم يبق فيها العيش والملح وصار شغلها الشاغل هو الفيد والابتزاز، ويبدو أنه وصل معها إلى طريق مسدود وهو ما يتضح من تقريره الأخير المقدم إلى رئاسة الوزراء التي اطلعت عليه الأسبوع الماضي ووصفت أعمال تخريب خطوط نقل الطاقة الكهربائية بالحرابة وكلفت وزارتي الدفاع والداخلية بتأمينها بما يكفل إدخال محطة مأرب الغازية في الخدمة، ووجهت أيضاً الجهات المعنية اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة ضد من يثبت قيامه بارتكاب هذا الفعل المشين بحق الوطن والشعب حد تعبيرها، وواضح أن سلاح القوة هو الخيار الرسمي القادم لوضع نهاية لاستهداف محطة مأرب الغازية حيث لا يعقل أن تمتد الانطفاءات الكهربائية لشهور قادمة.
(3) العام الماضي تعرض أحد أقربائي لسرقة سيارته في مفرق هيلان بمأرب على يد سراق بيت العامري في مديرية صرواح، فتحركت معه إلى مأرب وعندما وصلنا إدارة أمن المحافظة وجدنا الضابط المناوب يحدثنا عن سرقات يومية تتم في ذلك المفرق، وأن زملاء له تعرضوا لسرقات مشابهة ودفعوا فدية لإخراجها ولا داعي للتعويل على الجهات الأمنية، وكانت نصيحته بالتوجه إلى المشائخ لإخراجها، وقد تواصلنا مع عدد من مشائخ مأرب (إصلاحيين ومؤتمريين ومستقلين) وكلهم مشكورين أبدوا تفاعلهم وتواصل بعضهم بالسارق الذي يضم في حوشه عشرات السيارات المسروقة فلم ينكر الجريمة وأصر أنها سيارة تابعة للحكومة مما يعني أحقيته بها حيث أن نهب ممتلكات الدولة حلال زلال في شريعته، وأصبحت ثقافة لدى بعض القبائل للأسف، وعندما أثبتنا بالأوراق الرسمية أنها ملك لموطن عادي مسكين ولا يقرب للدولة بصلة اشترط السارق العامري مبلغا ماليا مقابل تسليمها (بدل سرقة) ومشائخنا الكرام أجمعوا على ضرورة دفع مبلغ للحصول على السيارة وللضرورة أحكام، وبعد شد وجذب ووساطات وشهرين من المفاوضات دفعنا خمسمائة ألف ريال وحصلنا على سيارتنا التي لا تتجاوز قيمتها مليوني ريال وقد عبث بها السارق أيما عبث..
ومن العجائب أن متعاوناً معنا ذهب إلى والد السارق لإقناعه بالضغط على ولده لتسليمها وقبل أن يبدأ معه الحديث كان أبوه يتحدث عن نجله السارق وبإعجاب "والله ابني أحمر عين ربك فتح عليه البارحة سرق قاطرة مليانه" فاضطر الخبير للعودة من حيث أتى، وكل المشائخ الذين تواصلنا معهم كانوا يقولون لنا إن هذه ليست من أعرافهم وقيمهم وأن هؤلاء لا يمثلون القبيلة ومدفوعين من قيادات في المؤتمر لممارسة تلك السلوكيات السيئة، وهذا صحيح لكن لا نفهم لماذا لا تقوم تلك القبائل بمحاربتهم، ثم هل ستسكت القبيلة في حال قتل هذا السارق على يد أحد ضحاياه وتشكره لأنه خلصهم من عبء عليهم أم أنها ستحشد للثأر لابنها البار؟!
(4) الشاهد من القصة أننا استغرقنا وقتاً طويلاً ودفعنا مبلغاً مهولاً لاسترجاع سيارة مواطن ولكم أن تتصورا كم تحتاج حكومة باسندوة من المال والوقت لمنع عدة قبائل من التعرض لأبراج الكهرباء مما يعني ضرورة استخدام القوة لأن الشعب قد تضرر كثيراً جراء انقطاع الكهرباء، وإذا لم يكن هذا الخيار ممكنا فما على وزارة الداخلية إلا اعتقال أبناء تلك القبائل المتواجدين في العاصمة ومعاملتهم بالمثل ومن ثم إطلاق سراحهم مقابل تعهد شيوخهم بعدم استهداف المحطة الغازية، وكل تلك الإجراءات تتم بالتزامن مع قطع التيار الكهربائي عن محافظة مأرب كي يشعروا بمعاناة إخوانهم في المحافظات الأخرى ويكونوا عامل ضغط على جيرانهم، ومن باب الضرورات تبيح المحظورات، لأن كثيراً من قبائل مأرب مع الثورة الشعبية وعلى قدر عالٍ من الوطنية والمسؤولية لكن السيئة تعم كما يقال، وإذا عجزت الحكومة عن ذلك فأضعف الإيمان أن يقدم الدكتور سميع استقالته من الوزارة لأنه ببساطة لن ينجح إذا لم تعمل المحطة الغازية والتي لن تعمل في ظل استهداف القبائل لها، والقبائل لن تكف عن استهدافها إذا لم تر العين الحمراء..
وعلى أحزاب المشترك أن ترشح وزيراً من محافظة مأرب لتولي حقيبة الكهرباء على مذهب يحيى الراعي (قبيلي يندع قبيلي والدولة تفرع) فمعروف عن قطاع الطرق في مأرب أنهم لا يتعرضون إطلاقاً لأبناء المحافظة خوفاً من الثأر وبالتالي لن يتجرأوا على استهداف المحطة الغازية احتراماً لقبيلة الوزير، وهذه الطريقة استخدمها الرئيس صالح في حرب الحصبة عندما أسند حماية عدد من الوزارات لبعض المشائخ، وأن نعين وزيراً من مأرب خير من أن نبقى في الظلام، وستكون أول حكومة يمنية تضم وزيراً من مأرب.