على أرصفة عاصمة متهالكة يسكنها مشهد متوتر، أو بالأصح شبه مضطرب كأحد أعراض ما قبل التحول التأريخي بين واقعية الفعل السياسي بين رئيس جديد مسنود يدعما داخليا وخارجيا وردات الفعل للمخلوع الذي نصب نفسه "زعيما" لحزبه المؤتمر، معززاً بمقدرات مالية وتحالفات جهوية تعيق المؤتمر من الوفاء بالتزاماته كطرف في المبادرة الخليجية، ومن مصلحة المؤتمر-لو كان حزبا- وضع حد لهذه التحركات المريبة كون "المرحلة الانتقالية الثانية" تستدعي إثبات قدرته كحزب سياسي بعيد عن وصاية صالح ووصاية أبنائه- بصفتهما عامل توتر سياسي وعسكري-، وهنا بات إبعادهم عن المشهد بشكل كلي مطلب الجميع، وأولهم المؤتمر... وحده الرئيس السابق علي صالح ونظامه العائلي لا يدركون أنهم أصبحوا تأريخا ولن يغيروا في مجرى الأحداث السياسية المتوالية شيئاً يعيد الأمور إلى سابق عهده الاستبدادي، مهما امتلك من قدرات قد تربك المشهد العام، وتعرقل الدور المنتظر للرئيس عبد ربه هادي وحكومة الوفاق الوطني التي يتهدد انسجامها تبعات تحركات صالح وإعلامه العائلي والمؤتمري -في اغلب الأحيان- الذي شرع في تصوير صالح كنظام ظل يعتزم انتزاع دور مواز ل"الزعيم" على حساب عبد ربه هادي المطالب بإثبات قدرته وجدارته بمنصب رئيس الرئيس... عملياً، دخلت البلد المرحلة الانتقالية الثانية بانتخاب عبد ربه هادي رئيسا للجمهورية في ال 21 فبراير الفائت، في انتخابات رئاسية مبكرة، أزاح فيها الشعب صالح من السلطة بشكل نهائي بعد شهور من إسقاط شرعيته بفعل ثوري سلمي مستمر حتى اللحظة، ومنح غالبية اليمنيين ثقتهم لنائبة هادي كمرشح توافقي لقيادة البلد في المرحلة القادمة، تستدعي من جميع القوى الوطنية الفاعلة، وأولهما أحزاب المشترك وحزب المؤتمر-لو كان حزبا وطنيا وليس حزبا عائلياً- دعم الرئيس الجديد في تحمل مسؤولياته الوطنية الكبيرة الملقاة على عاتقه، ومواجهة التحديات التي تعترض طريقه، كما يفترض من جميع القوى الوطنية مساعدة هادي في تخليص نفسه وشعبة من شبح صالح وردم المستنقعات التي اغرق البلد في أوحالها طيلة 33 عاما من حكمه الإستبدادي القائم على الحروب والأزمات.. وقريباً من واقع الوفاق الذي تتهدده أجندة صالح وجناحه العائلي الكبير في حزب المؤتمر اللا شعبي، يشتغل صالح وفريقه السياسي والإعلامي على إثارة الخلاف في حالة وفاق هشة هدفها عزل الرئيس عن أحزاب اللقاء المشترك وقوى الثورة، وإيصاله إلى نقطة اللا عودة في علاقته الطبيعية بالقوى السياسية ومكونات الثورة، وبما يسهل اختزالها في قمم حزب المؤتمر اللا شعبي، الذي يسعى صالح لترتيبه من جديد وفقا لأجندته الانتقامية من حالة الوفاق الوطني التي تمر بها البلاد، واجتماع صالح بجناح التوريث وممثليهم في الحكومة المقالة دليل على توجه غامض ومريب لصالح الذي لازال يرأس حزب المؤتمر، ويسعى من خلاله لإعادة إنتاج وجوده السياسي بعد مغادرة دار الرئاسة، وهذا ما يثير مخاوف بقية الأطراف الوطنية المشاركة في دعم وتأييد هادي كمرشح للوفاق الوطني وليس رئيسا عن الحزب الحاكم... ومن القضايا المثارة في الأسبوع الفائت، الذي شهد حدثا استثنائياً وغير مسبوق تمثل في تنصيب الرئيس الجديد عبدربه هادي في حفل أدى فيها اليمين الدستورية أمام أعضاء مجلسي النواب والشورى بحضور أممي ودولي وعربي نهار السبت الفائت، دشن صالح وفريقه المناوئ لهادى والمجلس لقوى ومكونات الثورة، بافتعال أزمة على خلفية رفض أحزاب المشترك ورئيس حكومة الوفاق حضور حفل توديع صالح الإثنين الفائت كون "بدعة سياسية" تعمد صالح وبقايا نظامه على تسويقها كحفل لتنصيب الرئيس الجديد، ما تسبب في افتعال كتلة المؤتمر لخلاف بين حكومة الوفاق برئاسة باسندوة و البرلمان في اليوم التالي لتنصيب هادي.. بدوره طالب مكتب رئيس الوزراء مجلس النواب "النأي بنفسه عن الميل أو التحيز إلى جهة دون أخرى باعتباره سلطة تشريعية مستقلة، وأن يظل بعيدا عن المماحكات والاجتهادات الإجرائية التي قد تحدث هنا أو هناك من وقت لآخر" في رداً على خبر ورد في وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" عن طلب البرلمان من باسندوة بإعتذار عن حضوره حفل استقبال الرئيس هادي و توديع صالح الذي أقيم بدار الرئاسة الاثنين الماضي بالعاصمة صنعاء. كما أكد مكتب باسندوة حضور رئيس حكومة الوفاق حفل تنصيب الرئيس هادي في البرلمان الذي حضره باسندوة وقيادات في المشترك وكتلتهم البرلمانية " ما تم في مجلس النواب يوم السبت الموافق 25 فبراير 2012م حيث أدى الأخ الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي اليمين الدستورية بحضور الجميع"، كما أوضح البيان موقف رئيس الحكومة من حفل دار الرئاسة: أن ما جرى في دار الرئاسة يوم الاثنين الموافق 27 فبراير الجاري لا يعدو عن كونه حفل استقبال وتوديع لا يحتم حضور الجميع. من جهة أخرى، تشهد العاصمة صنعاء تحركات دولية ومحلية، تتمحور تلك التحركات على قضيتين وهما، تعيين محافظين ووكلاء ومدراء امن في المحافظات بشكل توافقي وهيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية، ويتوقع نجاح الرئيس الجديد وأطراف المبادرة الخليجية المؤتمر والمشترك في إقرار خطة التغيير في السلطة المحلية، ويرتبط نجاح الخطة التوافقية الطموحة بمدى جدية الأطراف في إنجاح ر خطة التغييرات التوافقية، وبالذات في المحافظة الملتهبة التي تشهد توترات وانفلاتاً أمنياً مخيفا لأكثر من عام. وفي الأيام المقبلة، يتوقع الرئيس الجديد وحكومة الوفاق اتخاذ جملة قرارات جريئة تمهد لإحداث التغيير الشامل وترتيب أولويات المرحلة الإنتقالية المقبلة التي تتواءم مع الخطة التنفيذية للمبادرة الخليجية ووفقا للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وبحسب تأكيدات الأطراف المحلية للمبادرة ورعاتها الإقليميين والدوليين، تتجه الأنظار توحيد الجيش المنقسم بين جيش وطني مؤيد للثورة وجيش موازٍ يقوده أبناء صالح ممثلا بالحرس الجمهوري والأمن المركزي وجهاز الأمن القومي، كما أن إعادة خطة توحيد الجيشان في جيش واحد وهيكلته على أسس علمية ووطنية لن تتم قبل إقالة أبناء صالح من جهة في المقابل يتوقع أن يستقيل قائد الجيش المؤيد للثورة اللواء على محسن، تمهيدا لتنفيذ خطة توحيد وهيكلة الجيش على أسس وطنية وتأهيله وفقا للمعايير العلمية المتقدمة برعاية دولية يدفعها حرصها على امن وسلامة اليمن خوفا من تدهور الأوضاع من أي تصعيد عسكري في حال ظل الجيش على حالة الإنقسام الحاد بين القوتين الرئيسيتين في البلد... يتوقع كثير من المهتمين أن تطرق النظام الجديد برئاسة هادي للملف الأخطر على عملية نقل السلطة وهو إعادة توحيد الجيش وهيكلته التي تبدأ بإقالة أبناء صالح من مناصبهم العسكرية والأمنية، سيفتح باب التصعيد بين الطرفين ما لم تمارس الأممالمتحدة والمجتمع الدولي ضغوط مكثفة تساعده نزع فتيل أي توترا عسكريا مفترضا في الأشهر القادمة... من مصلحة أبناء صالح إشعال فتيله لغايات أنية وبعيدة المدى، وفي مراجعة للمواقف الأخيرة المعلنة لمندوب الأممالمتحدة جمال بن عمر والمجتمع الدولي وفي مقدمتها أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، تؤكد بألا تراجع عن مواقفهم الداعية توجهاتهم الداعمة لخطة إعادة هيكلة الجيش وبنائه على أسس عملية ووطنية يحدد ملامحها أبناء اليمن أنفسهم، وبقدر ما تبعث المهاترات الإعلامية الدائرة على ذمة هيكلة، يبدوا ألا مفر لأبناء صالح من تبعات التغيير الذي جاء بفعل الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي رتبت خطتها وفقا للآلية الأممية المزمنة للمبادرة الخليجية..
وبعد تمسك أحزاب اللقاء المشترك بموقفها الثابت من هيكلة الجيش بداية من إصدار الرئيس هادي قرار بإقالة أبناء صالح من مناصبهم تمهيد لهذه القضية يعد فشل المبادرة في حسمها تهديداً للسلم الأهلي وباعث لمخاوف الجميع، و قد يترتب عليها من فوضى أمنية عارمة فواد حدوثها في البلاد في المستقبل القريب مادام وضع أبناء صالح لم تشمله قرار جريء من الرئيس الجديد والقائد الأعلى للقوات المسلحة عبدربه هادي.. لم يزل الجزم في المواقف في هذه القضية الجوهرية التي ثار الشعب ضدها مجرد تكهنات، لكن معطيات كثيرة تشير إلى أن إقالة أبناء صالح- لو حدثت- ستكون معجزة للرئيس الجديد وحكومة الوفاق لتجاوز مخاطر بقاء منظومة نظام صالح في مفاصل مؤسسات الدولة وبالذات العسكرية والأمنية.. وفي موضوع متصل بالتحركات المحلية والدولية التي تشهدها صنعاء في الأيام الأخيرة التي تؤسس لمرحلة ما بعد انتخاب هادي وتنصيبه رئيسا وقائد للقوات المسلحة، يتوقع أن يعقد الرئيس هادي اجتماعاً حاسماً مع قيادة أحزاب المشترك وشركائه لمناقشة أولويات المرحلة القادمة التي يفترض أن يتم بعدها الشروع في عملية هيكلة الجيش والأمن وتأتي بعدها قضية الإعداد للحوار الوطني الشامل، وتتوقع مصادر بخروج الاجتماع بتشكيل لجنة التفسير لتكون مرجعية لطرفين لحل أي خلاف في تفسير المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية. استبق هادي اجتماعه المتوقع بأحزاب المشترك، بإصدار قرارات جمهورية مساء الخميس أبرزها إبعاد قائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء مهدي مقولة من منصبه، في أول خطوة لإعادة هيكلة الجيش المنقسم، وإزاحة القائد الأبرز المتهم بنهب أراضي واسعة في المحافظات الجنوبية.. كما أصدر هادي قراراً جمهوريا قضى بتعيين اللواء سالم علي قطن قائداً للمنطقة العسكرية الجنوبية وقائداً للواء 31 مدرع، خلفاً لمهدي مقولة، وأيضا أصدر هادي قراراً بتعيين المهندس وحيد علي أحمد رشيد محافظاً لمحافظة عدن، ليشغل المنصب الشاغر منذ نحو عام بعد أن استقال المحافظ السابق وانضم للثورة. ومن قراراته المشجعة على وضع حداً للانفلات الأمني في عدن، أصدر الرئيس هادي أيضاً قراراً بتعيين العميد الركن صادق صالح حيد مديرا لأمن محافظة عدن، خلفاً للعميد غازي أحمد علي، يذكر بأن مدير امن عدن الجديد كان يعمل رئيس لعمليات وزارة الداخلية سابقاً. وفي تأكيداً من قبل شباب الثورة على موقفهم الثاني المنسجم مع أهداف الثورة بعد إزاحتهم لصالح وانتخاب هادي رئيسا للجمهورية، اشترط شباب الثورة الأسبوع الفائت على حكومة الوفاق إقالة أبناء صالح كشرط أساسي لا نقاش فيه للدخول في أي حوار مع الحكومة والدخول في الحوار الوطني التوقع تدشينه برعاية إقليمية ودولية منتصف العام الجاري. وفي شأن متصل بشأن الوضع الفراغ الدستوري الذي تمر به البلد كوضع طبيعي لمرور البلد في فترة انتقالية بفعل سريان العمل في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية المنفذة للانتقال الآمن للسلطة في البلاد، وافق رئيس مجلس النواب يحي الراعي على رفع جلسات المجلس لمدة أسبوعين، داعيا لانتخاب هيئة جديدة لرئاسة المجلس مبرر دعوته غير المسبوقة لرئيس أطول فترة برلمانية بقوله: أدعوا لانتخاب هيئة رئاسة جديدة خلال أسبوعين " مبررا ذلك بأن كراسي الرئاسة قد ملت.. وسوء صدق بحديثه عن ملل أصابه بسبب تردي وضعه الصحي أم بفعل ضغوط الواقع الجديد الذي زادت من قناعة الراعي والكتلة "البركانية" لحزبهم المؤتمر، والتي صدرت إثر جدل حاد بين الراعي و النائب الإصلاحي منصور الزنداني الذي تقدم في جلسة الأربعاء الفائت بطلب رفع الجلسات حتى انتخاب هيئة جديدة للمجلس باعتبار الهيئة الحالية غير شرعية... وكعادته في مداخلتها ومشاركته في جلسات البرلمان، وأعترض سلطان البركاني رئيس كتلة المؤتمر عن اعتذاره الراعي عن مواصلة مهمته في رئاسة البرلمان- أعيد انتخابه رئيسا للبرلمان في فبراير 2010- كما دعا البركاني الراعي بالاستمرار في منصبه بالقول: الحديث عن إنتخابات هيئة الرئاسة ليس وقته الآن، لأن هناك مدد..تمديد.. له وفقاً لكل التزاماته، وأرجو من هيئة الرئاسة الاستمرار وعلى يحي الراعي أن يستمر في الرئاسة.." وبلهجة غير معهودة، رد يحي الراعي على البركاني بقوله: رئيس المجلس يريد الحرية، ما نشتيش.. لا نريد.. الرئاسة". يذكر إشكالية الوضع غير شرعي لهيئة رئاسة البرلمان سيتم حسمها كونها أتت من خارج سياق الآلية التنفيذية المزمنة، يشار إلى أن الهيئة الرئاسية للبرلمان تتكون من رئيس المجلس ونوابه الثلاثة، وتتولى هيئة رئاسة المجلس الإشراف على نشاط المجلس ولجانه، ومعاونة مختلف اللجان في شتى المجالات وهي الجهاز الدائم للمجلس، مسئولة أمامه عن جميع أعماله. وفي الأخير، يدو أن البلاد ستشهد إحداث وقرارات سياسية مصيرية في الأسابيع والأشهر المقبلة، كما تعد بداية امتحان حقيقي للرئيس الجديد وقدرته على انتزاع صلاحياته من المخلوع الذي صار نصب نفسه زعيما للعدم، ويرتبط نجاح هادي بمدى دعمه من القوى المحلية والإقليمية والدولية المشاركة والراعية في عملية انتقال السلطة وخروج البلاد إلى نزهة في شاطئ هادي بعيدا عن مستنقع صالح الذي سيردم لتمر البلاد إلى المستقبل المنشود من قبل الجميع.