لست متأكداً إن كان علي عبدالله صالح قد قرأ كتاب ماكيافيللي «الأمير» الذي قدم فيه نصائحه الصريحة لكل حاكم لكي يحتفظ بالقوة والسيطرة على شعبه. ومع ذلك فأغلب ظني أنه لم يقرأه؛ فالرجل شبه أمي ويجد صعوبة في القراءة كما هو معروف عنه، وقد عرف عنه أن يفضل أن يتلقى المعلومات عن طريق السماع. الرائد علي عبدالله صالح الذي صعد فجأة إلى سدة الرئاسية عام 1978 متخطياً الصفوف ليستمر حكمه ثلث قرن، ما زالت تساؤلات الاستغراب مثارة إلى اليوم، فقد كان هناك مؤهلون لقيادة البلاد حينذاك ليسوا قليلاً تم تنحيتهم، فيما أفسح الطريق لهذا الضابط الصغير رتبة وسناً وتأهيلاً وكفاءة. تردد اسم علي عبدالله صالح بقوة في الشارع اليمني إثر عملية اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977 حيث شارك الرائد صالح في جريمة الاغتيال مع المقدم أحمد الغشمي الذي تولى الرئاسة بعد اغتيال الحمدي، والذي قضى هو الآخر في عبوة ناسفة في مكتبه تضاربت الروايات حول من كان وراء العملية، فقد قيل حينها إن حقيبة مخففة حملها مبعوث للرئيس سالمين في الشطر الجنوبي إلى الغشمي، كما قيل إن عبوة ناسفة زرعت تحت مكتبه تفجرت أثناء وجود مبعوث الشطر الجنوبي معه. أسرع الرائد صالح الذي كان قائدًا للواء تعز إلى صنعاء، وجرى تعيينه عضواً في مجلس رئاسة الجمهورية الانتقالي، ليجري تنصيبه بعد أقل من شهر على مقتل الغشمي رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة (بعد أن تمت ترقيته إلى رتبة مقدم) وتفيد المعلومات أن صالح دون سواه من الضباط لم يتخرج من كلية عسكرية، ودخل السلك العسكري جندياً ومنح رتبة شاويش، وتوالت ترقيته الشرفية حتى أعلى رتبة عسكرية وهي المشير. وهنا يكون الرجوع إلى علم النفس مفيداً لفهم شخصية علي عبدالله صالح، وكيفية وصوله إلى أن يحكم اليمن، فوفقاً لأهل الاختصاص في علم النفس، الذين حاولوا دراسة شخصية صالح، انتهوا إلى أنه «شخصية سيكوباتية»، حيث تعد هذه أسوأ الشخصيات وأخطرها على الإطلاق فالسيكوباتي لا يحمل كثيراً داخل مكونات نفسه من الدين والضمير والأخلاق أو العرق لذلك فإنه يكون في حالة من الميل المستمر نحو الغرائز، ولا يتورع عن ممارسة بعض السلوكيات الإجرامية التي يكون أهم ملامحها الكذب والمراوغة والتحايل وعدم الصراحة والاستغلال، وعلي عبدالله صالح هو من نوع السيكوباتي العدواني المتقلب الانفعال، الذي يتسم زيادة إلى ما سبق بأنه قد يدوس على أي شيء في سبيل تحقيق ما يريد، بما في ذلك القتل، ولا تهمه مصائب الآخرين أبداً ما دام بعيداً عنها، وله ذكاء خاص يتحايل به، لذلك فإن مثل هذه الشخصية يمكنها أن تنجح في الوصول إلى المناصب الكبيرة نظراً لانتهازيتها وذكائها الذي لا يعبأ بأي خلق، ولا يتورع عن أي عمل يوصله لما يريد.
هذه الشخصية السيكوباتية -وفقاً لعلم النفس- يصعب التعرف عليها بسهولة وصاحبها عذب الكلام، يعطي وعوداً ولا يفي بما وعد غالباً، عندما تقابله ربما تنبهر بلطفه وقدرته على استيعاب من أمامه، وبمرونته في التعامل، وشهامته الظاهرية المؤقتة، ووعوده البراقة، ولكن حين تتعامل معه لفترة كافية تجد حياته شديدة الاضطراب، ومليئة بتجارب الفشل والتخبط والأفعال غير الأخلاقية، ويرى الأطباء أن المجرمين والبلطجية هما نتاج هذه الشخصية السيكوباتية. هذه إذن شخصية صالح قبل أن يحكم وأثناء حكمه وبعد قلعه.. ولكن هل استفاد من نصائح ماكيافيللي أيضاً! لقد وصف المؤرخون كتاب «الأمير» بأنه كتاب الطغاة، كثير منهم قيل إنهم كانوا ينامون وتحت رؤوسهم نسخة من هذا الكتاب، مثل هتلر وستالين وموسوليني، والطغاة العرب أيضاً. ولعل صالح استمع كثيراً لنصالح ماكيافيللي. فمن نصائحه التي تضمنها كتابه: «أنه لكي ينجح، عليه أن يتنصل تماماً من المبادئ الأخلاقية، وأن يعتمد فقط على القوة والخداع، ويجب أن لا يؤمن الحاكم بشيء إذا أدى ذلك إلى تعويق قدرته وسيطرته على الناس». لقد طرد ماكيافيللي الأخلاق من السياسة، وطرد مع الأخلاق الدين أيضاً فالسياسي عنده لا أخلاق له ولا دين، وإنما هو رجل يريد أن يصل إلى السلطة من أي طريق وبأية وسيلة. السيكوباتي علي عبدالله صالح حسبه أنه طبق نصائح ماكيافيللي قبل أن يقفز إلى كرسي الحكم، وخلال فترة حكمه التي امتدت ثلث قرن، ولا زال بعد قلعه يمارس جرائمه إلى اليوم. لا، بل طبق أكثر من النصائح التي أوردها كتاب الطغاة.. ما زالت غرائزه هي التي تحركه.. له من طبع الضباع الجبن والغدر.. فالمقلوع ما زال يتزعم إيذاء اليمن. بدا كالضبع الجريح وهو يتحدث أمام لفيف من بلاطجته، في المسجد الذي يحمل اسمه، أحاله إلى مسجد ضرار. كأني باتفاق التسوية السياسية الذي هو طرف فيه لا وجود لها لديه، أو كأنه يريد أن يفسره لصالحه فحسب.. يتعامى عن أن هذه التسوية هي نتاج الثورة الشبابية الشعبية ضد نظام حكمه الاستبدادي الفاسد. مقابل قلعه منحته التسوية حصانة قضائية خلال فترة حكمه، حصانة لا يحاسب فيه عما ارتكب من جرائم حتى 21 فبراير 2012. تنحٍ وحصانة مقابل أن لا يمارس أي نشاط سياسي بعد ذلك، وتوافق وطني أساسه التغيير، وليس بقاء من ارتكبوا جرائم ضد المحتجين والمتظاهرين سلمياً، فما زال مرتكبو جرائم القتل والتعذيب وجرائم الفساد في طغيانهم يعمهون. السيكوباتي علي عبدالله صالح يصف الثوار الذين اقتلعته ثورتهم بأنهم «بلاطجة».. إنه يسقط سلوكه على الآخرين، يفضحه الإسقاط النفسي، مثلما تفضحه سيكوباتيته التي لم يشفَ منها. يعتبر تنحيته من الحكم مؤامرة خارجية، وفي الوقت نفسه يدعو إلى الالتفاف حول الشرعية الدستورية، التي يمثلها اليوم الرئيس عبد ربه منصور هادي. إنه التناقض الوجداني المريض، فلا تستقيم المؤامرة والخيانة مع شرعية جديدة لم تعدله.. وهذا التناقض ألفناه منه منذ تسلط على شعبنا، في خطاباته وسلوكه، إنه يقول الشيء ونقيضه في الوقت نفسه ومثله ممارساته. ماكيافلَّية الذين أتوا به ليحكم اليمن كانت وفق قاعدة انتهازية تقول: «الناس الأقذار للعمليات القذرة». وما زال بعد أن تم قلعه من الحكم يمارس عملياته القذرة.. وإذا ما أغفلنا الحديث هنا عن جرائمه التي ارتكبها قبل أن يحكم بدءاً من اغتيال الحمدي، لأن الشعب قد بانت له جرائم هذا الطاغية. يبقى أن نشير إلى ما يرتكبه من عمليات قذرة بعد قلعه، وهي لم تغب عن وعي شعبنا، فلسان حاله يردد اليوم عن كل ما يجري من مشاكل وفوضى وإعاقات لمسار التغيير والبناء: ابحث عن المقلوع.. فالمقلوع ما زال يتزعم إيذاء اليمن. ولأن الشخص يميل إلى من يشبهه كما يقول علم النفس، فقد مال إليه أشباهه ومال إليهم منذ وقت مبكر. ما زال السيكوباتي صالح بعد قلعه مع أزلامه يؤذون اليمن، فبلاطجته يمارسون عمليات الاعتداء على خطوط الكهرباء، وعلى أنابيب النفط، وقطع الألياف الضوئية، وبلاطجته المسلحون هم وراد الفوضى الأمنية، وقطع الطرقات، وبلاطجته هم الذين يمارسون جرائم التضليل الإعلامي في القنوات والصحف والانترنت ونهب مال الشعب لينفق على بلاطجته في ممارسة جرائمهم المستمرة. على مدى ثلث قرن لم تعرف اليمن غير خريف المقلوع علي عبدالله صالح والذي كان خريف آثام وتخلف.. تساقطت أوراق خريفه، وحتماً ستزول كلها ما بقيت تؤذي اليمن.. انكشفت كل ألاعيبه ودسائسه ومؤامراته.. ذكاء السيكوباتي علي عبدالله صالح يخونه وهو يحاول أداء رقصته الأخيرة بعد أن قلعه الربيع اليمني. خريفه انتهى، وأطل ربيع اليمن، وحتماً سيزهو ربيعنا الدائم ويؤتي ثماره حياة كريمة ومنتجة لليمن الجديد لكل اليمنيين، وقد تحرروا من ربق الطغيان.. أخشى أن تكون النهاية التي أريدت له وفق التسوية السياسية لم تعد تستهويه، وأنه ينساق وراء ما يصوره له ذكاؤه السيكوباتي. كأني به يريد نهاية أخرى.. النهاية التي يستحقها!