لم يكن هدف الثورة الرئيسي “إسقاط النظام” تكتيكياً، بل هدف استراتيجي بدونه ستكون كل التضحيات الجسيمة بلا معنى. وإذا ما عرفنا النظام الذي أريد إسقاطه في اليمن فسيتمثل بعائلة صالح ومنظومته الفكرية الفاسدة التي تبنتها معه أطراف عسكرية وقبلية وحزبية وساهمت في دعمه وبقائه حتى في قمة الأخطاء. جاءت الثورة لتكون فرصة أخيرة لاستدراك حال وطن يذهب بكله إلى الهاوية، ومعها يكون على الجميع تحديد موقفهم منها والقيم التي تبنتها ومن الطرف الذي تناصبه العداء. فتحت الثورة صفحة جديدة مع الجميع، وهو ما يجب أن يُوفي به ، أعطيت اليمن الفرصة الأخيرة، والتراجع عن منح هذه الفرصة إضرار بمقاصد الثورة. كان موقف كل من لبوا نداء الثورة بمثابة إبداء حسن النية لمرحلة قادمة تتلوها خطوات لابد أن ينفذها الواعدون من أجل مستقبل اليمن الذي ننشده جميعا. نعم، قدمت القوى التي انضمت إلى الثورة وعوداً؛ حيث تبنت كل أهداف الثورة الاستراتيجية التي لا يمكن أن تتحول إلى مجرد تكتيكات، ولن أشكك بنوايا أحد منهم سواء من الأحزاب أو الشخصيات العسكرية أو القبلية. لقد كانت لحظة الثورة قادرة على التأثير والإلهام وأكبر من كل محاولات تسجيل موقف بغرض أهداف شخصية، فكان دافعهم حقيقي وصادق فالجميع يشعر بالظلم وبحاجة إلى رد الاعتبار لذواتهم، ولأن لحظة الثورة أكبر من أية خطة لجهة أو شخص، فقد كانت عصية على التوقعات، لكن لا يمكن التنبؤ باستمرار صدق النوايا في جميع مراحل الثورة المختلفة، وما الذي كان يفكر به البعض في بعض الأوقات؟. أعلنت القبيلة أنها مؤمنة بالدولة المدنية، وأنها اصطًّفت إلى جانب النظام والقانون، واعترف الشيخ صادق الأحمر - باعتباره أحد كبار مشائخ اليمن – ومعروف أن قبيلة حاشد كانت الحليف الأكبر للنظام السابق، اعترف بلسانه بأنه ارتكب أخطاء، وهو على استعداد لأن يكون جزءاً من المرحلة القادمة في التغيير، مؤكدا بأن لا هو ولا إخوته يطمعون في السلطة. وفي الجانب الآخر أعلن اللواء علي محسن الأحمر أنه لن يخذل الثورة، وأكد في أكثر من خطاب بأنه تعب من الحكم والمسؤولية، وأنه على استعداد لأن يبتعد في أية لحظة واليوم حال صدر قرار من الرئيس هادي، وأعلن في موقف شجاع أنه سوف يقف أمام القضاء. كما أعلنت قوى أخرى وشخصيات التزامها بأهداف الثورة، لقد ارتكبت هذه القوى أخطاء كبيرة على مدى السنوات الماضية بسكوتها ومشاركتها في سياسات نظام دمرت البلد في كل اتجاه، ولم تكن تحظى برضا من الشعب فذاكرة المواطن اليمني تجاههم ليست جيدة، كما إن على عبد الله صالح عزز في الفترة الأخيرة في تكوين ذاكرة شعبية سيئة عنهم ببث الشائعات وإلقاء اللوم عليهم. مع ذلك ولأن الثورة أعطت فرصة أخيرة للجميع، لا أعتقد أن هؤلاء قدّموا وعوداً لمجرد المناورة، فهي وعود حقيقية، ولا يقبل أحد التنازل عنها، وعليهم أن ينفذوها الآن ودون تأخير، كقناعة تامة وكاملة منهم. وسيكون ابتعادهم عن طريقتهم السابقة في التدخل ضداً للدولة المدنية بأية وسيلة، وتحويله إلى دعم حقيقي ومساندة للتغيير، دليل يحفظه التاريخ على موقفهم دون أي تشويه. الأحزاب السياسية المنظمة للثورة هي أيضا وقعت اتفاقاً ضمنياً مع الشعب بكافة فئاته، كتبه الشهداء بالدم؛ بدعم دولة الحرية والعدل والمساواة. سيخون الأمانة وينقض عهده من يعد بالاصطفاف لصالح الوطن والشعب والابتعاد عن المصالح الشخصية، ويحاول التراجع عنها الآن؛ بحجة التضحيات التي قدمها - كما يردد البعض - فالحديث عن تضحيات في إطار واجبنا المقدس تجاه الوطن، ومع تضحيات تفوق قدمها شباب الثورة الذين قتلوا وهم بدون حراسة وبدون قوة ودون أن يطلبوا ثمناً، هو النقص بعينه. التضحية من أجل الوطن واجب لا يصح ان يطلب ثمنا يقابله، فمن يطلب من أمه ثمناً لا يستحق أماً..!