كنت أشعر بديدان القرف ترقص في رأسي، كلما وجدت أحداً يصف صالح بهذا الوصف (صمام أمان اليمن)، لكن ماذا سيكون بوسعي حين أقرأ هذا العنوان الصحفي (جمال بن عمر.. ك«صمام دولي» يسد منافذ القلق اليمني)، بالله عليكم ماذا سيكون بوسعي غير البكاء؟؟. يبدو لي شعور أحد منا بالامتنان تجاه ما يقوم به (جمال بن عمر) أو ما تفعله الدول الراعية للمبادرة الخليجية "لأجلنا"، أو تجاه الكم الهائل من "الحنان" الذي يحيطنا به المجتمع الدولي، يبدو لي هذا الشعور كما لو كان يجب علينا أن نكون ممتنين لضعفنا الذي جعلنا بحاجة إلى كل ذلك. صحيح أن أمريكا ترعى تنفيذ المبادرة الخليجية ونقل السلطة في اليمن، لكنها أيضاً ترعى قطعان (طائرات بلا طيار) في عشب سماءنا (المكلومة زرقته). صحيح أن المبادرة الخليجية جنبتنا الانفجار العسكري والحرب، لكن اليمن أصبحت ساحة حرب مفتوحة، إنها حرب لا تخصنا لكننا وقودها، إنها أشبه ب"مصارعة ثيران" في حلبةٍ أرضيتها أجسادنا الهشة وأحلامنا الناعسة. لقد تم اختراق اليمن (كما لو كانت حساب في الفيس بوك) هذا هو الحاصل الآن، صار قرار اليمن في يد غيرها أكثر مما هو في يد أبنائها... كيف يمكننا تفسير ذلك بالله عليكم؟؟ هل يبدو أطراف الوفاق وأصحاب القرار في اليمن، أغبياء إلى الدرجة التي تحولت المبادرة الخليجية لديهم إلى نص (مقدس)، ينغلقون عليه أو يغلقون على أنفسهم داخله، ولا يفهمون ولا يعنيهم سوى تنفيذه ولا علاقة لهم بما خارجه أو بما لم ينص عليه مهما كان جوهريا ومصيرياً، يعني "ما فيش داعي للقلق" طالما أن نص المبادرة السماوية لم يتضمن بنداً يشير بشكل صريح إلى أن "اليمن دولة ذات سيادة". أقترح أن يتم تضمين ذلك في المبادرة، أقترح طبعة جديدة منها "منقحة ومزيدة" تتضمن ذلك البند، ومن ثم توزع على هادي ووزراء الوفاق "ليذاكروها" من جديد، "شكلهم مش ناويين يفهموا" إن اليمن بلد ذات سيادة ما لم يرد ذلك في الملزمة "اللي نزلها" الدكتور "متعب بن مزعل آل رقود" وأقرها مجلس الكلية الدولي، وطبعها صاحب الكشك، وطبع الطلاب "وجيههم" بشرائها ومذاكرتها. وطبع الدكتور "وجهه" وانطبع في أذهان الطلاب أن الاختبار مهما كان "ما بايخرجش من الملزمة" حتى ل "قضاء الحاجة" أو "يشم هوا". لقد نسخت المبادرة الخليجية الدستور اليمني، فصارت هي قدرنا المحتوم لمدة سنتين، ومن أجل ذلك فقد تضمنت كل شيء، ولم تترك آليتها التنفيذية شاردةً ولا واردةً إلا أحصتها، "طيب نفذوها يا جماعة، نفذوها والتزموا بها حرفياً" نفذوها لكن لا تنسوا إن اليمن دولة ذات سيادة، إلا إذا كنتم تحتاجون لأن يكون ذلك موجوداً في المبادرة فلا بأس أن تضيفوه، أفعلوا ما استطعتم من أجل إضافته، ما دام يضمن لنا (سيادة اليمن واستقلاليته)، وهذا ليس كلاماً ساخراً، كما أنه ليس نظرياً، بقدر ما له صلة قوية ومباشرة بالواقع السياسي الحاصل الآن. لا تكونوا مثل صالح فيخسف بكم الأرض، لقد كان الكرسي (بالنسبة لصالح) هو الأيديولوجيا الوحيدة، وغاية مبتغاه وكل ما عداه عابر وثانوي، لقد ترك صالح البلاد نهباً في أيدي المتنفذين والقوى القبلية والعسكرية مقابل تركه على سدة الحكم، إلى درجة أن الوضع أصبح أشبه بالنظام الإقطاعي... كتب شاعر شعبي اسمه "المسمري" قصيدة صور فيها الفوضى والسياب والاختلال في البلاد وكان يختم كل مقطع (رباعي) منها بهذه اللازمة "يحفظ الله علي موبه لقصر الرياسة". صحفي مصري في نهاية التسعينات – على ما أظن – قال ذلك بطريقة أخرى: "لسان حال الرئيس اليمني علي صالح يقول: "افعلوا ما شئتم واتركوني على كرسي الحكم". كانت تلك سياسة صالح فيما يتعلق بالقوى الداخلية، فهل ستكون هي سياسة "الوفاقيين" فيما يتعلق بالقوى الخارجية؟ وهل سوف "يوبه" الوفاقيون لكراسيهم بينما تعم الفوضى في البلاد، وتنتهك سيادة اليمن بين الحين والآخر؟ وهل سيكون لسان حال التوافقيين هو ذاته لسان حال صالح: "افعلوا ما شئتم واتركونا على كرسي الحكم!!"؟؟