تمر البلاد بأزمات هي الأولى من نوعها، وحيث أن الفوضى والتسيب والإهمال المتعمد من قبل الحكومات المتعاقبة، تعد السبب الرئيسي في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه؛ لذا يجب على من كانوا سبب هذه الأزمات والاحتقانات أن يحاولوا إصلاح ما أفسدوه، إذا توافرت لديهم القدرة على الإصلاح. أما إذا كانوا غير مؤهلين، ويفتقدون للقدرة والمهارة لإصلاح ما أفسدوه عليهم أن يتنحّوا، ويفسحوا المجال لمن هم أهل لذلك، فالوضع الذي تمر به البلاد لا يحتمل المزايدات أو المناكفات التي طالما مارسوها في السابق. كل التقارير الدولية، وكذا المؤشرات في الداخل التي تشهدها المحافظات الجنوبية والشمالية، تنذر بما سوف يؤول إليه البلد في المستقبل القريب من سقوط في الهاوية. ولأن السقوط أصبح حتمياً لا مفر منه، في ظل السلطة الراهنة، وجب على كل الشرفاء والمخلصين من أبناء هذا الوطن أن يوحّدوا جهودهم لتجنيب البلاد السقوط والانهيار. لقد ثبت بالتجربة أن الوحدة المعمّدة بالدم فشلت فشلاً ذريعاً في توفير أدنى متطلبات الحياة الكريمة لأبناء الوطن من العامة، فقد استأثرت فئة قليلة بثروات البلاد وخيراتها بدون وجه حق. أضف إلى ذلك احتكارها للمناصب والوظائف، والسعي لتوريثها، ولأن الوحدة المعمدة بالدم قد مُنيت بالفشل، فمن البدهي أن تستبدل هذه الوحدة بأخرى معمّدة بالعدل والمواطنة المتساوية، والقبول بمبدأ الفيدرالية وسيادة الأقاليم، والابتعاد عن المركزية، وتركيز السلطة والثروة بيد أشخاص لا يتعدون أصابع اليد الواحدة. إن تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم: إقليم في الجنوب، وإقليم في الوسط، وآخر في الشمال، وإعطاء صلاحيات واسعة لحكومات هذه الأقاليم هو الحل الوحيد لتجنيب البلاد الانقسام والتشرذم. لم تأتِ الوحدة وليدة طفرة، وإنما أتت نتاج جهود أجيال وزعماء ممن سبقونا، لذا فمن الغبن والضيم أن يجيّر أو يُختزل منجز الوحدة لمصلحة شخص بعينه، يمُنّ علينا بصنيعه ليل نهار. إن مفهوم الوحدة أكبر وأسمى من أن يصنعه رجل واحد، مهما بلغت قوته وسلطته. الشعوب هي من تصنع الوحدة وتحميها وتتعهدها، حتى تستقر وتقف على رجليها، ثم تورِّثها للأجيال الشابة كي تضخّ دماءها الجديدة في جسدها، فتزيدها قوة وصلابة وعنفواناً متجدداً على مر السنين.