حتى الحديث عن رمضان أيام زمان يشعرنا بالدفيء وبنكهة خاصة يكفي أن تلقي سمعك إلى مؤذن القرية البسيط وقراءة القرآن للأطفال والضجيج المنساب من مسجدك الصغير لتشعر بذلك الارتباط الروحي والوجداني الذي نفتقده الآن ونبحث عنه عبثاً في جدران مساجدنا وأزقة حارتنا. اذكر في مقتبل العمر كيف كنا نتجمع نحن أطفال الحارة لنرمي الأبصار ونحبس الأنفاس إلى جبل صبر المطل على مدينتي تعز ونردد "دفع دفع يا على حمود مرتك جاوع تشتي شفوت" فيستجيب ذلك المدفع العتيق فيسكب دموعه فرحاً ويصرخ فينا ونرد الصرخة ونركض إلى منازلنا بقليل من شفوت وتمر وماء ولذعة السحاوق، آه كأني أشتم تلك المائدة. حتى التلفاز لم يسرق أو يحاول أن يسلبنا تلك الروح، كان بالأبيض والأسود، تماماً كما كنا نعيش، ليس هناك زحمة ألوان فيطلع علينا بالسهرة وهو المسلسل الوحيد أذكر منه الشهد والدموع او شجرة اللبلاب أو ليالي الحلمية، ولن أنسى حلقات الشعراوي قبل الإفطار بسيطة تلك البرامج ومتواضعة لكنها كانت تلبي حاجاتنا البسيطة أيضاً.
اليوم نعاني من انتفاخ مدني وحتى روحاني مصطنع زحمة الألوان والأطعمة والبرامج تسرق منا الشيء الثمين تماماً كطفل تسرق منه لعبته المفضلة، حتى وقت الإفطار يأتي ونحن في زحمة سير داخل الباصات او السيارات وان التزمت الصمت يغتصب سمعك فضولي يسب جاره أو سياسة أو برنامج حش ينهش كل منا لآخر .
أيها الصائمون سرق منا رمضان، سرق منا طعمه ولونه لنبحث عنه جميعا ونعود إليه سنجده مختبئاً، ومازال ينتظر في جدران قلوبنا في جدران قمر يكبر من هلال نلفه بدموع التوبة والغفران وبثوب الصدق والصيام وحق الجار لنعلنها شجاعة ونعترف على أعتابه ونغتسل من قبحنا علنا نبدأ من جديد.