دائماً مايترافق خلال شهر رمضان، وخصوصاً الثواني الأولى لإعلان الإفطار دوي مدفع رمضان والذي بدونه لايشعر الصائمون بلذة الإفطار حتى لو ارتفعت مكبرات المساجد بالأذان.. لكن مايهمنا هنا هم الأطفال تحديداً، فما إن يسمعوا صوت هذا المدفع العثماني العتيق والذي يسمونه مدفع “علي حمود” وهو يدوي بالانفجار حتى نسمع صوت الأطفال وهم يهتفون بصوتٍ واحدٍ “هييييه” تعبيراً عن سعادتهم بعفوية وتلقائية ليستمر ذلك الهتاف بصورة منتظمة طوال شهر رمضان السؤال هنا: ما الذي يجعل هؤلاء الأطفال يعبرون عن سعادتهم بتلك الصورة أثناء انطلاق قذيفة الإفطار ويفعلون ذلك بنفس القدر عند سماع الأذان من المساجد؟! هذا السؤال قمنا بطرحه على بعض الأطفال فبماذا أجابوا؟..تربينا ونشأنا عليه قبل طرق هذا السؤال على الأطفال كنت قد طرحت نفس التساؤل على أحد الآباء حول سر هتاف أطفال الحارات في المدينة عند سماعهم لمدفع رمضان، فأوضح لي أن هذه الظاهرة من العادات والتقاليد القديمة جداً، حيث لم تكن هناك قبل 50 100 سنة مكبرات صوت في المساجد عند إعلان أذان المغرب إيذاناً بأن يفطر الصائمون فكان الشيء المتعارف عليه منذ عشرات بل مئات السنين هو مدفع رمضان والذي صار رمزاً وعنواناً لرمضان وحصرياً عليه. مضيفاً: عندما كنت طفلاً صغيراً كنت أقوم أنا وبعض من زملائي الأطفال في الحارة قبل انطلاق مدفع رمضان بنصف ساعة بعمل تجمع أشبه بحلقة دائرية وكنا نقوم بالدوران ونحن ننشد بعض الأناشيد الدينية ونلهو ونلعب ونظل كذلك حتى انطلاق مدفع رمضان ساعتها نهتف لاشعورياً هتافاً قوياً تعبيراً عن فرحتنا وسعادتنا بتلك القذيفة المنطلقة من المدفع بذلك الصوت المدوي المتعارف عليه والذي يسمعه كل سكان المدينة وبعض القرى القريبة من المدينة، فمدفع رمضان صار جزءاً من هذا الشهر الفضيل وبدونه لايمكن أن يكون لرمضان طعم أو نكهة لدينا نحن الكبار فما بالك بالأطفال والذي أصبح جزءاً من سعادتهم وطقوسهم اليومية أثناء اللعب في الحارات. مدفع “علي حمود” في البداية التقينا بالطفل “محمد سيف” 12 سنة والذي سألناه ما إذا كان يصغي لمدفع رمضان، وهل يحتفي به كبقية زملائه؟ وما السبب؟ فأجاب بعفوية وطلاقة لسان: أنا أصلاً منتظر رمضان من قبل شهرين بفارغ الصبر من أجل مدفع “علي حمود” سألته.. لماذا أسميته مدفع علي حمود؟ فقال: هكذا عرفناه بهذه التسمية، فقد كنت أسمع الأطفال الأكبر مني قليلاً ينادونه بهذا الاسم خصوصاً عندما كنا نلعب..في الحارة سوياً، كما كان أيضاً أبي يحكي لي حكاية ممتعة عن رمضان وعن مدفع علي حمود وكيف أننا لا يجب أن نفطر إلا إذا دفع المدفع في المغرب حتى لو أذن المؤذن في المسجد كان أبي لا يدعنا نفطر إلا إذا «سمعنا المدفع» حتى أصبحت عادة لدينا نحن الأطفال، حيث نتجمع قبل انطلاق المدفع لنلعب ثم ننشد ونغني الأغنية المشهورة “دفع.. دفع ياعلي حمود.. مرتك جاوع قاهييه اشتموت”.. ونظل هكذا حتى ينطلق المدفع وعندها نشعر بفرحة كبيرة عندما يدفع فنصيح بصوت واحد “هيييه” فرحين بذلك لأن علي حمود استجاب لطلبنا. لن أصوم بدون المدفع !!! أما “سمير سعيد” 10 سنوات فيقول هو الآخر وببراءته الطفولية : رمضان مليح.. كل يوم أسأل أبي وأمي متى شيجي رمضان، علشان أسمع المدفع بالمغرب.. مش عارف ليش المدفع لا نسمعه في بقية شهور السنة.. صوت المدفع وهو يقول “بوووم م م” أحلى شيء عندي.. فرمضان مالش طعم بدون المدفع حق صاحبنا الرجال “علي حمود”: إن شاء الله يكون علي حمود عاده عايش وماماتش لأنني إذا لم أسمع المدفع لن أصوم رمضان. من أجل قتل الشيطان ويعتقد “أيمن محمود -13سنة” بأن مدفع رمضان عندما يطلق قذيفته وقت الإفطار إنما هو من أجل قتل الشيطان، لأن الشيطان – كما قال – يأتي قبل المغرب بدقائق فتكثر نشاطاته ومشاكله التي يسببها للإنسان مثلما كان يسمع من جدته، ولذلك فهو يعبر عن سعادته هو وزملاؤه في الحارة عندما تنطلق قذيفة مدفع الإفطار فهي إعلان بمقتل الشيطان الذي يوسوس للإنسان بارتكاب الجرائم والموبقات وان بقية أبناء الشيطان لا يجرؤون فعل أي شيء بعد ذلك.