(1) جميل أن يدافع الدكتور/ عيدورس النقيب – في مقال له- عن الأستاذ محمد باسندوة في مواجهة تعريض القيادي المؤتمري الشيخ/ الشايف له بأنه ليس يمنياً.. لكن غير الجميل أن يحاول (النقيب) أن يجير ما حدث على خلفية ثنائية الشمال/ الجنوب والفوارق بينهما التي يقاتل الحراكيون السلميون والحربيون بكل بفصائلهم على فرضها في الوعي الشعبي اليمني.. فالتعريض بصومالية باسندوة لا علاقة له بمظاهر المدنية والثقافة والرقي والاستقامة التي يراد الإيحاء بوجودها في جزء من اليمن وعدم وجودها في الجزء الآخر.. فمن حيث المبدأ فحتى في أرقى المجتمعات ثقافة ومدنية توجد مثل هذه الامراض الاجتماعية والنعرات النتنة، ولا نظن أن أحداً قد نسي التشكيك في مصداقية مسيحية الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بأنه (مسلم).. بل والتشكيك بصحة انتمائه الأمريكي – مثل باسندوة تماما- وأنه لم يولد في الولايات المتحدة! هذا طبعاً خلافاً للاتهامات بأنه (أسود) أو (زنجي) التي لا شك أن ملايين العنصريين الأمريكيين؛ الذين يعيشون في مجتمع راق ومتمدن؛ قد هالهم أن يصل أسود إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، فأثاروها ورددوها فيما بينهم أو بثوها في شبكة الإنترنت حيث يمكن قول كل شيء تستراً وراء أسماء وهمية! ولعل (النقيب) سمع عن الزعيم العنصري الفرنسي الراحل (لوبون) الذي شكك في أحقية تمثيل المنتخب الفرنسي الحاصل على كأس العالم الفرنسي لفرنسا؛ بسبب أن معظم اللاعبين سود ومن أصول أفريقية وعربية.. وطالب يومها بتأمل صورهم قائلاً: هل هؤلاء فرنسيون! ولو سنحت الفرصة للبعض للاطلاع على الاهتمامات الثقافية والفنية لقيادات الدولة الألمانية النازية فسوف يكتشف أنهم – بدءا من هتلر نفسه- مولعون بالفلسفة والموسيقى الراقية ودراسات التاريخ والفنون بشكل عام.. لكن كل ذلك لا يعني أنهم أسسوا دولة أو مجتمعا متحضرا ومتمدنا، بل كانوا وبالا على شعبهم والعالم حولهم!
(2) المسألة في سلوك (الشايف) العنجهي تجاه باسندوة ليست ثقافة ولا مدنية.. وها هي أرقى المجتمعات في الأرض – دول أوروبا الغربية وحتى الشرقية التي كانت ماركسية- تعاني من ظاهرة كراهية الأجانب وخاصة العرب والمسلمين والأفارقة حتى ولو كانوا مواطنين أباً عن جد.. ومن السهل جداً في بلد متمدن راقٍ مثل ألمانيا أن يحرق العنصريون المثقفون المدنيون منزلاً تسكنه عائلة تركية بدم بارد! وحتى كون الشايف (قبيلي) لا يفسر هذا التصرف المعيب فكم من أبناء القبائل من يسمو بنفسه عن ذلك.. وكم ممن لا ينتمون لقبيلة أو يتشامخون عليها بأنهم مدنيون مثقفون يمارسون ما هو أسوأ من فعل الشايف! ولو كان الدكتور (النقيب) يريد تشخيصاً سليماً وعلاجاً نافعاً لتصرفات أمثال الشايف للجأ إلى الصيدلية الإسلامية ليستخرج منها دواء لمرض (أنا خير منه) و(يا بن السوداء) أو لمظاهر الكبر والعنجهية الإبليسية التي تجعل البعض يظن نفسه أفضل من الآخرين لمجرد أنه من منطقة أو قبيلة أو مذهب أو سلالة ما حتى ولو كان مخزنا للسلبيات النفسية والسلوكية.. فتشخيص المرض على هدى هذه الطريقة الربانية سوف يكشف أنها مظاهر تنطبق على كثيرين: شمالا وجنوبا في اليمن.. لا يعفى منها مثقفون وشعراء صدعوا رؤوسنا بالحديث عن المدنية وهي منهم براء، ولا فقهاء مثل رموز العنصرية المذهبية اليمنية أو أشباه الأميين مثل جنود السيد الحوثي في صعدة أو بلاطجة الحراك [مجموعة من هؤلاء الأخيرين اقتحموا الخميس الماضي لقاء لتدشين ائتلاف جديد لبعض أبناء الجنوب في ساحة التغيير في صنعاء، وكان ملفتا تشكيكهم في جنوبية الحاضرين، وارتفعت تهديداتهم: أخرجوا بطاقاتكم.. كل من يؤمن بالوحدة ليس جنوبيا.. أنتم شماليين من تعز ومن أصحاب جارالله عمر!]. المفاجأة التي تؤكد خطأ تشخيص حالة (الشايف) وفق طريقة د. النقيب.. أن أول وأشهر وأكثر من وصم (باسندوة) بالصومالية وتجريده من الانتماء لحضرموت ولعدن هو شخصية سياسية واجتماعية جنوبية شهيرة اسمه: نجيب قحطان الشعبي! وهو لم يقل ذلك سراً ولا في لحظة انفعال بل في عدة مقالات نشرها صحفياً وعرضت على شبكة الإنترنت.. وقدم فيها ما يعتقدها مستندات ومعلومات على صحة كلامه أو اتهاماته. وصحيح أن هناك خلافات بين باسندوة ونجيب الشعبي (سمعتها شخصياً من نجيب لأول مرة التقيته فيها في الأيام الأولى للوحدة في مجلس النواب) إلا أن كلامه عن صومالية باسندوة كان ينبغي أن يواجه بنفس المواقف الغاضبة التي لاقاها موقف الشايف وإلا فإن الأمر يصير (كوسة) بالمصري.. أما باليمني فإن الذين سكتوا عن تعريض نجيب بصومالية باسندوة فعلوا ذلك لأمر واحد فقط وهو خوفهم من قلم نجيب.. هذا طبعاً إن أحسنا الظن بإيمانهم بالثقافة والمدنية ولم نقل إنهم يتلاعبون بالمعايير والقيم وفق الاتجاهات الجغرافية؛ فلأن الشايف شمالي وشيخ قبيلة فلا بد من التصدي له و(قدها) فرصة للشرشحة بالشمال والشماليين وتأكيد مدنية الجنوب وثقافته وحضارته. الأمر إذاً بلوى عامة غير مرتبطة بالشمال والجنوب، فاليمن كلها مسكونة بالهواجس المناطقية والقبلية والمذهبية، وفي الشمال والجنوب على حد سواء حدث في يوم ما قتل وذبح على أساس الهوية المناطقية والقبلية، والبطاقة الشخصية، وطريقة نطق الحروف عندما لا تساعد الوثائق الرسمية والملامح على معرفة هوية المستهدف! ولا أدري ما مصير ذلك الملازم الأول الضابط في معسكر استقبال المجندين في معسكر العند عام 1978 الذي كان يسخر من فئة معينة من المجندين بنفس مناطقي قذر وهو ينتقد ما يظنه تباطؤا منهم في تنفيذ التمارين: (يا عيال عدن.. تمسون تأكلون غريبات – نوع من الكعك العدني الشهير- وتصبحون متقدروش تجروا!)!
(3) يبقى تعليق د. عيدروس النقيب – في المقال نفسه- على تصريحات د. عبدالوهاب الديلمي الأخيرة التي جدد فيها نفيه وجود فتوى منسوبة إليه توصم الجنوب بالكفر والجنوبيين بالكافر، وتستبيح أرضهم وأموالهم وأعراضهم، ويجعلها البعض سبباً لحرب 1994م! وبداية؛ فقد ظللنا منذ 1994؛ والنقيب لم يزل في عالم الغيب السياسي؛ نجادل فريق الكذابين الذين فبركوا أكذوبة الفتوى بدءاً من قادة العنصرية المذهبية السلالية ومن معهم من الصحفيين المؤلفة قلوبهم الذين أكلوا وشربوا عندهم قبل أن يغادروا إلى أحضان الزعيم ورحاب المؤتمر الشعبي العام. ومنذ 1994 وحتى الآن تأكد لنا أن الغضب من (الفتوى الأكذوبة) ليس موقفاً وطنياً ولا تعبيراً عن مدنية أو ثقافة ولا غيرة على الجنوب ولا دين الجنوبيين ومذهبهم؛ ولكنه مجرد (خساسة) حزبية ومذهبية عنصرية تريد أن تصنع من أكذوبة حقائق تسند بها أجندتها الحزبية والمذهبية! ما جاء في تصريحات د. الديلمي حول أن النظام الشيوعي السابق في الجنوب عامل الجنوبيين كالعبيد تحول عند مرتزقة الصحافة الأهلية إلى اتهام الجنوبيين بأنهم عبيد.. وهناك فرق بين العبارتين لمن كان له قلب أو ذرة من مصداقية! لكن الآلة الإعلامية الجهنمية التي تدمر المجتمع اليمني انتهزت الفرصة لتسكب مزيداً من البترول على الحرائق! شخصياً؛ تمنيت لو أن د. الديلمي قصر تصريحه على نفي وجود الفتوى ولم يتعرض لشيء آخر بأي تقييم.. لكن في كل الأحوال فأنا أعذر د. الديلمي فالشيخ ظل منذ 1994 يواجه اتهامات ظالمة وكاذبة وقذرة شارك فيها الانفصاليون في الخارج (جماعة الوثيقة وأحمد الحبيشي) والعنصريون المذهبيون من آل الوزير وأمثالهم، ورموز من اليساريين المتطرفين الذين استراحوا لدور العكفة الجدد.. وكلهم أكل وشرب بسبب أكذوبة الفتوى حتى صار الأمر مثل الولعة أو الإدمان.. وظللنا منذ 1994 ونحن نتحدى بالكتابة وفي بعض المنتديات (منتدى عمر الجاوي) أن يظهر أحد هذه الفتوى التي تكفر الجنوب والجنوبيين دون فائدة! ولذلك فإن على الذين غضبوا من كلام الديلمي عن الجنوبيين الذين عوملوا كالعبيد أن يتذكروا أنهم صنعوا أسوأ من ذلك بترديدهم كالببغاوات أكذوبة الفتوى فاستباحوا كرامة إنسان وأسأوا إليه لأغراض قذرة مموهة بالغيرة على الجنوب والجنوبيين.. وفي كل الأحوال فإن كل نظام لا يؤمن بحرية الشعب، ويحكمه حكماً قمعياً استبدادياً ديكتاتورياً باسم الإسلام أو الاشتراكية العلمية أو القومية العربية أو النسب النبوي الشريف.. هذا النظام – مهما كان اسمه- هو نظام يستعبد الشعب، ويعامله كالعبيد، ويسوقه كالأغنام، ويحتقر عقول مواطنيه صباحا ومساء.. والذي لا يفهم ذلك عليه أن يخلع رداء الثورة ويلتحق بصفوف الرئيس السابق ففيها مكان له!