دعا رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن إلى ضرورة عقد اليمن مصالحة تاريخية مع البحر، وحسم المواجهة مع الإرهاب والفساد اللذان يمثلان معوقين كابحين لتنفيذ أي أولويات، خصوصاً الأولويات الاقتصادية التي تعد مدخلاً أساسياً للتغلب على التحديات الاستراتيجية التي تواجه البلاد وتقف عائقاً منيعاً أمام انتقالنا إلى "اليمن الجديد". وأكد حسن في كلمته الافتتاحية لمؤتمر "المائدة المستديرة لتحديد الأولويات الاقتصادية" الذي نظمه منتدى التنمية السياسية بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية يومي 13-14 من ديسمبر الجاري بصنعاء إن تنفيذ تلك الأولويات سيظل بعيداً عن المنال مالم نزيح من أمامها أهم وأخطر معوقين وكابحين لقدرتنا على التعامل الجاد والفاعل معها وغيرها من القضايا الوطنية الهامة، وهما خطري الفساد والإرهاب". وإذ أشار إلى أن تلك الأولويات الاقتصادية ستظل هي الأخرى قاصرة وغير فاعلة ما لم نستطع أن نتفق على غاية استراتيجية نسعى إلى بلوغها من خلال تنفيذ تلك الأولويات". شدد على "حاجتنا لإعادة صياغة تصورنا لذاتنا كيمن وكيمنيين، كجغرافيا وكتاريخ". ودعا في هذا الصدد، إلى ضرورة عقد مصالحة تاريخية مع البحر بعدما استنزفنا اليابسة، لافتاً إلى أن اليمن من الناحية الجغرافية هي دولة بحرية بإمتياز وبكل ما يمثله ذلك من تنوع وثراء في الموارد وسلاسة وطمأنينة في العلاقة مع الجوار والعالم، أما من الناحية التاريخية فاليمن دولة يابسة بالمعنى الحرفي والمجازي لليبوسة سواء الجغرافية أو الثقافية". وقال "لقد استنزفنا اليابسة واستنزفتنا، استنزفنا مواردها الطبيعية وبالمقابل استنزفت هي ثقافتنا وأحاسيسنا، جعلتنا أكثر شبهاً بقساوتها وشحتها، ولم يعد لدينا الكثير من المتاحات في اليابسة، إذ أصبح البحر هو متاحنا الأخير، إننا بحاجة إلى مصالحة تاريخية مع البحر". وتابع "إننا بحاجة إلى تحقيق الانسجام بين واقعنا الجغرافي كدولة بحرية وبين نمط وأسلوب حياتنا وروح ثقافتنا من ناحية ومنهج تعاملنا مع الجوار والعالم من ناحية أخرى". إلى ذلك، قدم علي سيف حسن أثناء المؤتمر ورقة عمل منفصلة عن كلمته الافتتاحية بعنوان "الجغرافيا السياسية لليمن، والفرصة الاقتصادية" ويؤصل فيها لجيوسياسية اليمن الهامة، وكيفية استغلالها لما من شأنه الوصول إلى "اليمن الجديد" الذي ننشده جميعاً ونتغلب على التحديات التي تواجه البلاد. وبدأ ورقته بمقدمة قصيرة حول أهمية استغلال البلدان الفقيرة لموقعها الجيوسياسي، وقال "أن البلدان الفقيرة لا تجد ما يخرجها من حالة الإنعزال عن التفاعلات من حولها وتحصل على حصة من الاقتصاد العالمي سوى استغلالها موقعها الجغرافي، حيث تقدم من خلاله خدماتها لبقية العالم، وتحصل على مكاسب اقتصادية مختلفة مقابل توظيف موقعها الجيوسياسي واستغلاله في توليد الثروة". مشيراً إلى أنه "في ظل تزايد التحديات التي تواجه البلاد، فإن أهمية الجغرافيا السياسية لليمن تبرز بشكل أكبر وتحتم علينا البحث عن مخارج وحلول إبداعية لتجنب ما هو أسوأ". وهنا يبرز السؤال عن: ما هي القوة الاقتصادية الناجمة عن الموقع الجيوسياسي لليمن؟ وهو التساؤل الذي يطرحه علي سيف حسن قبل أن تجيب عليه ورقته. ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال، يتطرق حسن إلى "أن اليمن ودول الجوار وشركائها الدوليين جميعاً بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار في هذه البقعة من الأرض (اليمن) ويدركون جيداً إمكانية اليمن أن يكون مصدراً للفرص، أو للمخاطر، مما يوجب على الجميع أن يساهم في ربط الموقع بالأمن والفرصة الاقتصادية، غير أن ما يلزم اليمن بداية هو توفر إدارة وطنية جمعية واثقة ومقتدرة على تكريس الجغرافيا السياسية لخدمة المصالح الاقتصادية وقادرة على التعامل بثقة واقتدار مع الشركاء". وهنا تجيب الورقة على السؤال الملح المشار إليه آنفاً، وتكشف كذلك عن مفاتيح يمكن من خلالها عقد "المصالحة مع البحر"، ويؤكد حسن في ورقته على "إن المدخل للاستثمار الأكيد لموقع اليمن الاستراتيجي ينطلق من الاعتراف بحالة القطيعة التاريخية بيننا وبين البحر أولاً، وأهمية تجاوز هذه الحالة والتوجه نحو مصالحة تاريخية مع البحر من خلال الربط بين اليابسة والبحر ، بين الموارد والسكان، بين الأمن والاقتصاد، بين الجغرافيا والسياسة، وبين كل تلك العوامل مجتمعة".
ويورد في هذا السياق، 4 خيارات للواقع الجديد، وهي على التوالي :الحل البديل لمضيق هرمز، تأهيل عدن ، الاستثمار السياحي، الشراكة الاستثمارية والتجارية. وجميعها تؤدي إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي لليمن باعتباره أولوية يحظى بوفاق وطني. وبشيء من التفصيل، يشير علي سيف حسن في ورقته إلى أن "استمرار تأكد أهمية موقع اليمن يأتي من خلال تزايد المخاطر بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط من دول الخليج إلى أجزاء مختلفة من العالم، وذلك بسبب تزايد وتيرة الخلاف بين إيران والدول الكبرى بسبب الموضوع النووي واستراتيجيتها في المنطقة، وهذا الأمر يعزز حاجة استراتيجية لمنتجي النفط ومستهلكيه في الخليج والعالم من خلال إيجاد حل لهذه المخاطر، وهنا تحديداً يمثل اليمن الموقع الاستراتيجي الأنسب لتوفير طريق آمن للنفط الخليجي إلى الأسواق العالمية من خلال مد أنابيب عبر الأراضي اليمنية إلى الموانئ اليمنية في البحر العربي والبحر الأحمر، وسيحقق مشروع كهذا عوائد تنموية اليمن في أمس الحاجة". ويضيف "إن كل ما تحتاجه هذه الأطراف مجتمعة أو بمبادرة أحدها هو فقط الإصرار على تبني المشروع باعتباره أساس لمزيد من المشاريع والمصالح المتبادلة، كما أن فكرة ربط اليابسة بالبحر لا تقتصر على مثل هذا المشروع، إنما هناك أيضا مشاريع عملاقة أخرى يمكن أن تنفذ ومنها فكرة مشروع ربط إفريقيا باليمن عبر جسر يصل بين جبوتي واليمن وعلى طرف الجسر تقام مدينة النور في الساحل اليمني وهذا المشروع قادر على اجتذاب رؤوس الأموال والأيدي العاملة وقادر على انجاز أشياء أخرى مهمة لليمن وجيرانه" طبقاً لحسن. كما تتطرق الورقة إلى قضية "تأهيل عدن" حيث تقول أن سواحلها تمثل واجهة اليمن التاريخية والمستقبلية نحو العالم والمنفذ الأكثر تناسباً لدول الخليج العربي نحو إفريقيا ليكون موقعاً استراتيجياً مناسباً ومنافساً لإستضافة المخازن التجارية ومجمعات الصناعات التجميعية للشركات الخليجية والعالمية لإقامة المناطق الحرة لأغراض إعادة التصدير إلى الأسواق الإفريقية ناهيك عن أهمية ميناء عدن في تقديم التموينات للبواخر والسفن وعمل الإصلاحات التي تحتاجها وتقديم غيرها من الخدمات الملاحية التي تعد مينا عدن الأنسب والأفضل من غيرها في المنطقة الواقعة على البحر العربي والمحيط الهندي". وبالإضافة إلى ذلك، تتحدث الورقة عن الاستثمار السياحي الذي يمكن للخليج والعالم أن يلعب دوراً كبيراً في تحويل اليمن من خلاله إلى مقصد للسياحة العالمية، نتيجة المقومات التي تتملكها، وانطلاقاً من هذا تأتي الشراكة التجارية والاستثمارية لليمن مع دول الخليج على وجه التحديد. إذ تؤكد الورقة بأن "الشراكة مع دول الخليج والتي تركز على الجوار الجغرافي والفرص الاقتصادية مدعومة بالحقائق التاريخية والمصيرية, تجعل من اليمن سوقا لجزء مهم من المنتجات الخليجية وبقدر ما تتحسن الأوضاع الاقتصادية لليمن بقدر ما تتاح الفرصة للإنتاج الكبير نظرا لتوفر السوق كما تتوفر لدى اليمن إمكانات وموارد كثيرة غير مستغلة وهو ما ينعكس ايجابيا على اليمن من خلال تسريع عملية النمو الاقتصادي ومواجهة التحديات الأخرى وفي المقابل فإن سوق العمل الخليجي يمثل سوق عمل كبيرة ولعقود طويلة". وتشير إلى نقطة مهمة بشأن امتلاك اليمن فائضا كبيرا من الأيدي العاملة "والتي يمكن أن تحل بصورة تدريجية محل جزء من العمالة الأسيوية في دول الخليج، وبالتالي تحويل جزء من الأموال التي كانت تذهب إلى الدول الأسيوية مقابل أجور العمال والتي تزيد عن 30 مليار دولار سنويا إلى اليمن لتحسين المستوى المعيشي للسكان وتدوير هذه الأموال في الاقتصاد الخليجي مجددا من خلال تمويل الواردات اليمنية من دول المجلس وهو ما يعزز مكاسب الاقتصادات الخليجية من مزايا الشراكة مع الاقتصاد اليمني". وكان مؤتمر "المائدة المستديرة لتحديد الأولويات الاقتصادية، قد أكد في بيانه الختامي على الأهمية القصوى لقضايا الاقتصاد والتنمية باعتبارهما التحدي الأساسي الذي يواجه اليمن والهم الأول للمواطنين اليمنيين .كما أكد على ضرورة أن تعطي الأحزاب السياسية أهميه كافيه لقضايا الاقتصاد والتنمية في برامجها السياسية والانتخابية وخطابها الإعلامي . وشدد على أهمية مشاركة القطاع الخاص في الحوارات الوطنية باعتباره شريك وطني فاعل وأساسي، وكذلك أهمية أن تعطي الحكومة - باعتبارها السلطة التنفيذية- اهتمام كافي في وسائل الإعلام الرسمية لتحقيق وفاق واسع حول الأولويات الاقتصادية. يشار إلى أنه تم في بداية المؤتمر عرض الأوراق الخلفية للقضايا التي حددها منظمو المؤتمر كأولويات اقتصادية تحظى بأهمية ووفاق وطني وهي كالتالي: البطالة، الموقع الجيوسياسي لليمن وتوسيع قاعدة الاستثمارات التنموية، الضرائب، الطاقة الكهربائية، السياحة.
لقراءة النص الكامل لورقة علي سيف حسن حول "الجغرافيا السياسية لليمن.. والفرصة الاقتصادية" اضغط هنا