في القرآن الكريم والحديث النبوي نجد هذا الإلحاح على إنكار امتداح الذات والعجب والاغترار بالنعمة والعمل، وهو دليل على نزوع إنساني أصيل للتمركز ورؤية الذات والنظر إليها بتبجيل وتعظيم، كثيراً ما يصل حد التضخم والانتفاش والتطاوس والغرور والكبر وغمط الآخرين والانتقاص منهم والتعامل معهم باحتقار ودونية وصلف وتعالٍ. لذا يستهدف الخطاب الديني تشذيب هذا النزوع وكبحه، يقول لنا: فلا تزكّوا أنفسكم ولا تدّعوا الخيرية ولا تتفاخروا بكل ماهو عرضي وثانوي.
ودعوا خيريتكم تتحدث عن نفسها، دعوا صدقكم يفصح عن نفسه، تواضعوا يرفع الله قدركم أكثر، لا تقطعوا الطريق على أنفسكم لتحقيق الكمالات بادعاء الكمال المطلق لأن نقصكم الدائم هو آيتكم في طلب الازدياد، هو شرط وجودكم الحي الموّار يبقيكم في حالة توتر وقلق تدفعكم للبحث عن الامتلاء، إنّ الشعور بالكمال المطلق لدى الإنسان يعني موته التام.
إنكار الذات نفي لما هو عرضي وزائل وسطحي وممرض، وإثبات لما هو جوهري وباقٍ ولكل ما هو أصيل ونبيل وراسخ لكل ما يجسد الحضور الخالص.
الله هو الكمال المطلق ويتجلّى فينا كماله سبحانه بقدر اتصالنا به، وحياتنا به هي تمام الوجود المكتفي بذاته الغنى عما سواه القوي والعزيز به.