على وقع أهازيج شعبية صاخبة، دخل آلاف من أنصار الحراك الجنوبي إلى ساحة العروض في خور مكسر بمدينة عدن قادمين من الضالع وردفان مساء أمس السبت قبل ساعات قليلة من بدء احتفال ضخم يجري التجهيز له لإحياء يوم 13 يناير الذي حوله مواطنو المحافظات الجنوبية من ذكرى حزينة إلى مناسبة للابتهاج والصفح عما شهده ذلك اليوم قبل 27 عاما. وأنشد الحشد بصوت موحد «والله ورب العرش ما نركع. حتى تعودي يا عدن دولة» فيما كان أفراده يطأون الساحة التي هيئت للاحتفال وارتفع فيها علم يمتد عشرات الأمتار للدولة الجنوبية التي ألغتها اتفاقية الوحدة عام 1990.
وقبل ساعات قليلة من ذلك كان موكب مؤلف من آلاف الأشخاص قد وصل إلى مدينة عدن ويضم قوافل لمحتفلين من لحجوأبين وشبوة والصبيحة ويافع وكرش وباقي المحافظات الجنوبية.
ولم يؤثر إطلاق نار من قوة عسكرية كانت تخدم في نقطة عسكرية قرب معسكر العند على مسير القافلة على الرغم من إصابة شخص فيها يدعى حسين أحمد علي قال رفاق له إنه أصيب بجرح طفيف في الرأس.
وتجري تجهيزات فنية بنفس الوتيرة التي تجري بها الاستعدادات الشعبية والسياسية لإحياء هذا اليوم التاريخي، فقد أقام شبان ومتطوعون مشاغل خياطة لحياكة أعلام الدولة الجنوبية السابقة وتوزيعها على المشتركين في الحفل إضافة إلى تجهيز شعارات ويافطات، بدأت ساحة العروض تكتسي بها قبل انطلاق الاحتفال.
وارتفعت أعلام الدولة الجنوبية السابقة في شوارع عدن وأحيائها.
كذلك تعكف النساء في المنازل المؤيدة للحراك الجنوبي في عدن على تحضير الأطعمة للقادمين من المحافظات الأخرى.
سياسياً، قال حيدر أبوبكر العطاس رئيس أول حكومة عقب الوحدة إن التصالح والتسامح لم يعد مجرد ذكرى للاحتفال «لكنة بات محطة تاريخية أعادت الاعتبار للجنوب أرضاً وانساناً وأصبح (..) الأساس الذي يعزز وحدة أبناء الجنوب وشراكتهم فى صنع حاضرهم ومستقبلهم وأساس انتصاراتهم».
وأضاف العطاس وهو أحد قادة المعارضة الجنوبية المقيمين في الخارج ان «تكريس مفهوم التصالح والتسامح هو واجب ديني وأخلاقي وسلوك إنساني وحضاري راقٍ».
وقال يخاطب مواطني الجنوب «إن صمودكم وتضحياتكم وإيمانكم المطلق بعدالة قضيتكم وشرعيتها يؤكد للعالم كل يوم أننا شعب حي وقوي الإرادة والعزيمة وأننا قادرون على أن نحول بعض الكبوات الى وثبات حقيقية والى انتصارات وأننا بإيماننا العميق بقضيتنا قادرون على أن نبدل أحزاننا الى أفراح ونصحح من خلالها مسار التاريخ».
ومضى العطاس يقول في خطاب وجهه للمواطنين في الجنوب «إنه من الحكمة والمصلحة أن ينحاز الجميع لمشروع التصالح والتسامح الشامل للمراحل الثلاث من تاريخ شعبنا المعاصر ويعمل الجميع على تعزيزه وترسيخه ليصبح منهج حياة فلا نتوقف عند الماضي وننطلق من الحاضر في اتجاه المستقبل، بعيداً عن اجترار الماضي ومتاعبه ومنغصاته».
من جهته قال رئيس مكتب حزب الإصلاح بمحافظة حضرموت محسن باصرة إن الجنوب بحاجة ماسة إلى تطبيق مبدأ التصالح والتسامح معلناً تأييده لهذا المبدأ.
وفي السياق، قال الشيخ القبلي طارق الفضلي الذي تراجعت شعبيته في الجنوب إنه سيشارك في مهرجان التصالح والتسامح في مدينة عدن.
وترك الفضلي خيبة أمل كبيرة لدى أنصار الحراك حين أعلن دعمه لجماعة أنصار الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة في محافظة أبين في العام الماضي بعد أعوام من تأييده للحراك قادماً من حزب المؤتمر الشعبي العام.
بالتزامن مع المهرجان المقرر تنظيمه اليوم في عدن، سينظم مهرجان مماثل في مدينة المكلا مشتملاً على مسيرات صباحية ومسائية لأنصار الحراك. وقد توافد أنصار للحراك الجنوبي على المكلا قادمين من مناطق جنوبية مختلفة للاشتراك في مهرجان التصالح والتسامح، بينهم ناشطون من ردفان والمهرة.
ظل يوم 13 يناير من كل عام ذكرى محزنة لأدمى صراع مرً على المواطنين في الجنوب عبر تاريخهم الحديث لكن منذ 2006 تحول إلى يوم للتسامح والتصالح حين نظمت جمعية ردفان الاجتماعية الخيرية في مدينة عدن لقاء عاماً بغية تحويل هذا اليوم إلى نقطة للمصالحة وتجاوز آثار هذه المحنة.
وأغضبت تلك المبادرة من جمعية ردفان السلطات النظامية حينذاك فداهمت مقر الجمعية وألغت ترخيصها ثم مالبث الحراك الجنوبي أن انطلق في العام التالي وشرع في إحياء يوم 13 يناير بمظاهرات ومهرجانات كبيرة.
ويأمل أنصار الحراك الجنوبي أن يكون إحياء هذا اليوم نوعياً في ذكراه السنوية الحالية بواسطة حفل ضخم في مدينة عدن على غرار مهرجان ضخم نظمه الحراك العام الماضي في الذكرى السنوية للاستقلال الوطني.
نشأ صراع يناير 1986 من اختلاف بين جناحين في الدولة الجنوبية السابقة والحزب الاشتراكي الحاكم لها، جناح تزعمه أمين عام الحزب حينذاك علي ناصر محمد كان مؤيداً لسياسة الانفتاح وجناح تزعمه أمين الحزب الأسبق العائد من موسكو عبدالفتاح إسماعيل كان متمسكاً بالاشتراكية العلمية الصارمة لإدارة الدولة.
وسرعان ما تطور الاختلاف الحزبي إلى استقطاب مناطقي حاد، فاحتشدت مناطق أبين وشبوة خلف علي ناصر ووقفت الضالع وردفان إلى جانب الجناح الذي تزعمه عبدالفتاح بسبب أن قادة آخرين في هذا الجناح كانوا ينتمون إلى المناطق الأخيرة.
وبلغ الصراع ذروته يوم 13 يناير عام 1986 حين تفجر في شكل تصفيات جماعية لمسؤولين في الدولة والحزب وقتال شوارع عنيف أدى إلى مقتل بضعة آلاف من المدنيين والعسكريين.