«مدخل خاص بسيارات سكان الحارة»! لأول مرة أشاهد هذه اللوحات أثناء المرور بسائلة صنعاء، وعلى هدير أخبار إذاعة صنعاء كان سائق السيارة يبدي تذمره في مواجهة استفساري عن طبيعة هذه اللوحات ويصفها بالامتيازات العنصرية التي اتسمت بها فترة حكم صالح للبلاد. هدأ صوتنا لصالح مذياع الأخبار وتحديداً على موجز الأخبار العربية والدولية التي كانت بمثابة حديث شبه خالص عن الموت.
وجدت نفسي محاصراً بالموت القادم من المذياع والموت المرسوم على الجدران فيما يعرف بشعار الصرخة.
حين يصرخ أحدهم بالموت أو يستمع لمن يصرخ به وتصم الإذاعة أذنيه بالحديث عنه، ويجده مرسوماً على الجدران وبالخط العريض على صدر ما يمكن وصفه ب«صحف الموت» علينا أن ننتبه لهذا الأمر باعتباره تطبيعاً لليمنيين على تقبل الموت المحقق عبر فوهات السلاح كجزء طبيعي ملازم للحياة اليومية في مختلف أرجاء المعمورة.
لا نستطيع الجزم بمدى قصد مسؤولي تحرير الأخبار في الإذاعة من عدمه لهذا الأمر، لكنهم يومها كانوا يحاصرون اليمنيين بأخبار الموت من مناطق مختلفة من العالم وهو أمر لا يحتاجه اليمني المحاصَر أصلاً بأخبار الموت المحلية.
لم أتابع الاذاعة من يومها، وأتمنى ألا يكون ذلك نهجها كي تنقل لنا في موجزها العالمي أخبار الإنجازات لا الموت فذلك ما يحتاجه اليمني للتخفيف من وطأة أنباء الموت المحلي.
تقضي قواعد الإعلام أن يتم نقل عدد ضحايا الحوادث وفي مستهلها القتلى ثم الجرحى، ومن المفترض أن يصاحب ذلك تصريح للجهات الرسمية المختصة في نطاق الحادث يوضح ملابساته وأبعاده ويزيل الغموض الذي يكتنف أخبار الموت.
لا حاجة لليمنيين في هذه المرحلة من التحول التأريخي المصحوبة بعدم الاستقرار بتضخيم أخبار الموت قدر حاجتهم الى سماع ومشاهدة أخبار الإنجازات اليومية محلية أو عالمية؛ على الأقل في وسائل الإعلام الرسمية التي يدفعون من عرق جبينهم ميزانيتها مطبوعة كانت أم مرئية ومسموعة.
أعتقد أننا اليوم بحاجة ماسة الى اجراء وطني يقضي بالحد من تضخيم أخبار الموت ومنحها المساحات البارزة على صدر وسائل إعلام الموت المرتبطة أساساً أو المقربة ممن يصرخون به كشعار لا مانع لديهم من الموت في سبيله.
قد يكون الربح المادي وراء تتبع أخبار الموت وأحياناً صناعتها وفبركتها من العدم لكن البلاد لا تتحمل ذلك، والعقل الباطن لليمني المحاصر بأخبار الموت قد يجعله ينطلق كلما واجهته مشكلة باتجاه فوهة بندقيته أو سن سكينه التقليدي (الجنبية) متقمصاً دور الجاني المجهول في البحث عن حل سريع.
تحقق صحافة الجريمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية أعلى الأرباح، وتزداد عمليات القتل التي يدفع المواطن الأمريكي حياته ثمنها بشكل اضطرادي كلما ارتفعت وتيرة الإقبال عليها، وجريمة مدرسة «نيوتاون» الأمريكية التي أدت إلى مقتل 26 طفلا إثر إطلاق شاب مسلح الرصاص عليهم في مقاعد مدرستهم دليل واضح على ما تخلفه صحافة الموت في لا وعي المجتمع.