«كلية الإعلام، هل تقصد ذلك المبنى الأثري المهترئ»، هكذا يتحدث إليك أحد طلاب جامعة صنعاء حينما تطلب منه أن يدلك على الطريق إلى كلية الإعلام. حتى في إدراكه «العتيق» ، لم تكتسب كلية الإعلام وجوداً مستقلاً أو شهرة وهي التي من داخلها اندلعت أولى شرارات الثورة الطلابية، وعوضاً عن أن تكون معلماً يستدل به، لمّا تزل في حاجة إلى نقاط ارتكاز لكشف موقعها. يلوح المبنى بطابقيه الاثنان في وسط طريق تجرجر ساقين بطيئتين، حفرة بعد حفرة، موعودة بالإسفلت منذ سنوات؛ مؤكدة الأخبار التي انتشرت في الآونة الأخيرة، بأن مبنى الكلية يحتضر وقد يسقط في أي لحظة على رؤوس الطلاب.
تضم كلية الإعلام معظم الطلاب اليمنيين الذين يأتون من مختلف المحافظات، يتخصصون في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة.
يشكو الطلاب من الازدحام في القاعات والتي تعد بأصابع اليدين، بينما لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لكل منها نصف العدد. إضافة إلى شحة في الكادر التعليمي الذي تلجاً عمادة الكلية تارة بالاستنجاد بكلية اللغات، وتارة أخرى بكلية التربية.
يبدي الطلاب استيائهم من «حشرهم» أحياناً في قاعات صغيرة يعتبرونها إحدى الوسائل لكي يشعر الطالب ب«الذل والبهذلة»، كما يقولون. فيما تجد نفسك تبحث عن (ملف القبول) الذي سُلم لشؤون الطلاب، لكنه اختفى بإهمال غير آبهين بما قد يعانيه الطلاب بعد ضياع ملفاتهم.
محمد حميد طالب درس العام المنصرم سنة أولى وتفاجئ في نهاية العام الدراسي أنه ليس مسجل، وأن رقم قيده قد بيع لطالب آخر، حيث يقول أنه درس السنة الماضية بناءً على اختبار القبول وحصل على قيد رقم 180، إلا أنه تفاجئ أثناء طلبه للبطاقة الجامعة نهاية العام، بأنه غير مسجلاً في الكلية.
وأشار إلى أن عمادة الكلية وعدته بحل سريع لمشكلته مع زميل له آخر يدعى أديب المسوري، الذي ضاعت وثائقه الرسمية، واضطر بعدها لإحضار بدل فاقد حتى لا يضيع عليه عام دراسي.
مبنى متهالك وقاعات محدودة واستديوهات مغلفة يكتب الدكتور عبدالرحمن الشامي عميد كلية الإعلام في صفحته على الفيس بوك قائلاً «الجامعة مكان للتعليم، يعني لتعليم أبنائنا وبناتنا، وليست طرفا في صراع من أي نوع حتى يتم الاعتداء على مرافقها المتواضعة المتهالكة. أقول هذا الكلام بعد أن تعرضت غرفة التفتيش –أو بالأصح "حفرة التفتيش"- الخاصة بخطوط هواتف الكلية مساء أمس للإحراق المتعمد. كل من يعرف أو زار مبنى كليتنا تأخذه به وبنا الشفقة والرحمة، ومن ثم فمبنانا بحاجة لمن يد إليه يد العون والمساعدة، وليس إلى من يخرب مرافقه المتهالكة جدا. حسبنا الله ونعم الوكيل».
يتحدث الشامي عن ما تعانيه الكلية وهو الذي عُين قبل أشهر قليلة عميداً للكلية محاولاً أن يُصلح ما أفسدته الأيام التي خلت، مع تجاهل مستمر من رئاسة الجامعة للوضع الذي تعيشه الكلية، وكأنه متعمداً إبقائها بذلك الحال.
يقول العميد الشامي ل«المصدر أونلاين» إن وجود مبنى جديد هي أولى الأولويات التي ينبغي الاهتمام بها، فالمبني الحالي لم يعد صالحا بالمرة ولا يليق بكلية الإعلام التي تمثل واجهة أي جامعة توجد فيها كلية إعلام، وللأسف ليس هناك ما يلوح في الأفق ما يبشر بإقامة مبنى جديد، فقد سمعت من رئيس الجامعة الحالي بأن طلب الجامعة بتوفير مبنى جديد للكلية لم يتم تلبيته في إطار ما يعرف بالمسار السريع للتنمية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، حيث تم إحالة الطلب الخاص بهذا المبني إلى ميزانية الدولة، في حين فازت كلية الهندسة ببناء ملحق لمبناها الحالي بالإضافة إلى مبنى لكلية العلوم ووضعهم أفضل منا كثيرا.
وأضاف «احتياجنا أكثر إلحاحا من حاجتهم، مما يشير فعلا إلى وجود نظرة يؤسفني وصفها ب"الدونية" تجاه تخصص الإعلام، وعدم جدارته حتى بمني يتوفر فيه مواصفات المبنى التعليمي في القرن الواحد والعشرين، في حين أن الجميع يتحدثون عن الإعلام وأهميته في تنمية مجتمعنا اليمني إلى ما هنالك من هذا الكلام الاستهلاكي والمستهلك لا أكثر، فنحن نريد اهتماما حقيقيا من صناع القرار ومن يملكون المال أو توجيه مسارات إنفاقه في بلادنا- نريد منهم اهتماما حقيقيا بالإعلام، ويأتي في المقام الأول بدعم الجهة القائمة على مخرجاته، وهي كلية الإعلام».
وعن التطبيق العملي قال الدكتور الشامي إنه يمثل أبرز نقاط ضعف الكلية وهناك محاولات عديدة للتغلب على هذا الضعف، لكن قلة الإمكانيات المادية وعدم توفر المتطلبات اللازمة (المادية والبشرية) لذلك تعوق كثيرا تحريك المسار بهذا الجانب.
وتابع « ما يؤسف له أن يصبح الروتين الإداري بالجامعة ممثلة بالقيادات الوسطية هي العائق الأبرز نحو تحقيق أي تقدم بهذا الخصوص، وعلى غرار القوى المضادة التي تعمل في الوقت الراهن على إعاقة مسار التغيير الإيجابي في بلادنا عامة، نلمس بأن هناك قوى مضادة تعمل كل ما بوسعها لإعاقة عملية تطوير الجامعة بما في ذلك كليتنا».
ويشكو الطالب علي مجاهد من انعدام التطبيق في الكلية أثناء دراسة سنوات التخصص الاثنتين، حيث يقول أنه لم يتمكن منذ دخوله الكلية وحتى الآن وهو طالب سنة رابعة من استخدام أي جهاز أو كاميرا في الكلية، نظراً لانعدامها، أو لعدم السماح لهم بالتطبيق.
في الكلية يوجد استديو إذاعي وآخر تلفزيوني، لكنهما مغلقان على الدوام ومن النادر فتحهما، وهو ما يتحدث عنه طلاب تخرجوا من الكلية ولم تسمح لهم ال4 سنوات التي درسوها من الدخول إلى تلك الاستديوهات والاستفادة مما يوجد بداخلها.
توافق سلوى الشرجبي زميلها علي في رأيه، لكنها كانت أكثر حدة في حديثها حين قالت «لا يوجد في الأساس كلية الإعلام، يوجد مبنى مهترئ، حتى أصبحنا نخاف عند الصعود إلى الدور الثاني من السقوط بسبب الدرج المكسر».
وتضيف «هناك استهتار متعمد في طريقة تدريسنا وتعليمنا، كأننا لم نأتي لنتعلم ونأخذ حق من حقوقنا، فهم يشعروننا بأن هذه الكلية ملكية خاصة وعلينا القبول والرضوخ بما فيها».
درجات متدنية ومنهج قديم لأنك طالب في كلية الإعلام فمن الطبيعي أن تجد نفسك تدرس منهجاً قد عفا عليه الزمن، وهو منهج مصري كان يدرس في نهاية القرن الماضي، لكن معظم الكادر التعليمي في الكلية لا يعتمدون إلا عليه.
يقول طلاب ل«المصدر أونلاين»: معاناتنا لا تتوقف، مناهجنا قديمة وبحاجة لإعادة النظر بها، كون معظمها تتحدث عن شيء ماضي وقد انتهى زمنه، او عن تفاصيل ليست موجودة في حياتنا العملية باليمن.
تبدي الطالبة تغريد بهيدر تساؤلها قائلة «هل أنا يمني أم مصري، معظم المناهج تتحدث عن الصحف والقنوات المصرية، أريد دكاترة يعلمونا الحاضر الموجود في اليمن، لا أن يكتفوا بملازم وكتب يحضرونها معهم من مصر حينما يذهبون لتحضير رسالة الدكتوراة الخاصة بهم».
وتضيف بهيدر «بجميع التخصصات حتى النظرية منها يتم تخصيص درجات معينة للعملي ، فيما لا يوجد لدينا عملي نهائياً ، فالأسئلة حفظيه وبعض الدكاترة يقرؤون المادة دون شرح ما يجعلنا بعيدين عن واقع مهنتنا كثيراً وعندما نتخرج ونتدرب نضع كل ما تعلمناه جانباً لعدم توفر الخبرة لدينا ولأننا لسنا على تماس مع الواقع وبالتالي فإن كليتنا بحاجة لإعادة هيكلة من جديد مراعاة لواقع مهنتنا بعد التخرج ، وتماشياً مع التطور الحاصل في دول متقدمة».
وتابعت بالقول «رغم أن التخصص في معظم الكليات أصبح مطلوباً ليتسنى للخريج التعيين وفق اختصاصه ويتمكن من تطوير مهارته وبالتالي العطاء أكثر ، إلا انه لا يزال التخصص الحقيقي الذي يفترض ان يبدأ من سنه ثانية غائباً عن كليتنا ما يجعل الخريج يجهل مهمته الحقيقية».
كادر أكاديمي غير مقبول ! أبدى عدد كبير من الطلاب تذمرهم الشديد تجاه عدد من الدكاترة بسبب سوء التعامل معهم، وتغيبهم عن المحاضرات إضافة إلى إسقاطهم في المواد التي يدرسونها، وسفر بعضهم خارج اليمن.
وقال الطلاب بأنهم يعانون من تعسف عدد من أعضاء هيئة التدريس بالكلية بما لا يليق بمكانتهم كطلاب كلية الإعلام سيكونون في المستقبل إعلاميين ينقلون الحقائق، مبديين قلقهم وتخوفهم من استمرار الرسوب في بعض المواد بسبب ما أسموه ب«مزاجية الدكاترة».
وتحدثت الطالبة سميرة أحمد عن المعاناة مع الدكاترة قائلة «هناك منهم من يأخذ كل وقت المحاضرة في شرح سردي لا نفهم شيء، وآخرون يختصرون محاضرتهم في دقائق سريعة ويغادرونا دون أن يسمحون لنا بالمشاركة أو التفاعل».
وتضيف «أصبحنا مخيرين بين أن نستمع الدكتور حتى نمل من كلامه، أو أن نرضى بالقليل الذي يقوله بعضهم دون أن تصل المعلومة المطلوبة».
لكن عميد الكلية الدكتور عبدالرحمن الشامي أشار إلى أن ذلك يعود للطلاب أنفسهم، قائلاً «من يريد الحصول على مؤهل جامعي عليه العمل باستحقاقات الحصول على هذا المؤهل، والعمل الجاد والمثابرة لتحقيق ذلك، وبوسع أي طالب لديه مشكلة حقيقية التواصل مع أستاذ المادة وغيرهم من إدارة الكلية ذات الصلة بهذا الشأن لحل أي إشكالية تعوق تخرجه، شرط أن يكون قد أدى واجب التحصيل العلمي المنوط به، أما إذا كان هناك أي تجاوز فهناك قنوات للتواصل ينبغي اتباعها».
أما فيما يتعلق بقلة الكادر الأكاديمي قال الشامي إن سببه سفر عدد من أعضاء هيئة التدريس إلى الخارج للتدريس بجامعات عربية، مما أدى إلى إغلاق برنامج الدراسات العليا بالكلية وعواقب أخرى.
وحول استعانة الكلية بدكاترة من كليات أخرى ، أشار الشامي إلى إن الكلية بصدد إعداد "ميثاق شرف إعلامي" للكية يكون ملزما لكل المنتسبين إليها من أساتذة وموظفين وطلاب وعاملين، لكن في حال عدم التزام البعض بمعايير الأداء الأكاديمي فسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية نحو ذلك».
ويتهم خريجون وطلاب مبقون عدد من الدكاترة بالتعمد في إسقاطهم، فيقولون: في حالات كثيرة نتوقع درجات أفضل ونفاجأ بدرجات متدنية وعندما نتقدم بطلب لإعادة تصحيح أوراقنا الامتحانية وندفع 500 ريال لقاء كل مادة، تتم إعادة جمع الدرجات ولا تتم إعادة تصحيح الأوراق.
ويتساءلون : «إذا كان أساتذة بعض المواد يريدون شيئاً محدداً وطريقة معينة في الإجابة عن الأسئلة لماذا لا يخبرونا عما يريدون ؟ أما إذا كانت الأعداد الكبيرة والوقت الضيق لتصحيح الأوراق يلعبان دوراً في عدم توخي الدقة لماذا لا يستعين البعض من أساتذتنا بحملة الماجستير الذين يثقون بهم ليتمكنوا من إعطاء كل طالب حقه ؟ ثم لماذا لا يتم توزيع الطلاب إلى فئات وتخصص درجات معينة للحضور؟».
كل ما يطمح إليه الطالب في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، في وضعها الحالي، أن ينهي دراسته فيها ويغادرها دون حدوث مشاكل خلال سنوات دراسته، كما أنه لا يريد من الشهادة الجامعية إلا الاكتفاء بها ووضعها في ملف يضم إلى جوارها شهادات خبره وcv ليذهب بعدها للبحث عن عمل.