لا تخلو أي أحداث سياسية أو اقتصادية منذ قديم الأزل من عامل الاعلام الذي يتواجد فيها بمختلف أشكاله وتبعاً لتطور المرحلة التي تنشئ فيها هذه الأحداث أو تلك، ومع تقدم الزمن وتطور أدواته ظهرت العديد من مدارس الإعلام والصحافة ليصدربعدها تباعا عدداً من مواثيق الشرف والمعايير المهنة التي تحدد الأطر التي يصاغ وينقل فيها الخبر ومع إختلاف المدارس الصحفية إلا أن العامل المشترك الأساسي بينها هو الحيادية والموضوعية والتجرد من الرأي الشخصي والإنتماء الحزبي أو الفكري أو الأسري بل وكافة أنواع الإنتماءات والإبتعاد عن العصبية والتحيز أثناء نقل الوقائع ليتم عليه إدراج العمل الإعلامي في خانة "المهنية". لكن ما نجده اليوم في الإعلام العربي عموماً والإعلام اليمني على وجه الخصوص يكاد يطلق عليه مجازاً "العهر الإعلامي" والذي نأى بنفسه عن الحيادية والتحقق ليلقي بكل أدواته في حضن التعصب والتحيز والأسلوب غير الأخلاقي وغير المهني في تناول شؤون هذا البلد المثخن بالجراح أصلاً. وقائع كثيرة منذ اندلاع الثورة اليمنية فيما يسمى ب "الربيع العربي" تم تناولها بكثير من التعصب والذي وبلا شك لا يكون ضحية هذا النوع من الضخ العصبوي وغير الموضوعي سوى المواطن البسيط الذي ليس لديه المقدرة على التحقق من مصادر الخبر أو تحليله أو مطابقته مع جهة أخرى. لا يستطيع أحد منا أن ينكر أن لكل إعلام أجندته الخاصة مهما أكد حياديته المطلقة وأن لكل قناة ولاء معين وتابوهات معينة ومن هذا كبريات المؤسسات الإعلامية التي سقطت مؤخراً سقوطاً أخلاقياً ومهنياً صدم جمهور عريض من جمهورها آمن بها لسنوات عديدة كقناتي الجزيرة والعربية وغيرها من القنوات، إلا أنه وبالعودة للمشهد اليمني وإعلامه فإن الإفتقار يصل إلى حد صياغة الخبر الكاذب حتى بل والإستخفاف بعقلية المتلقي إلى أبعد الحدود. الشواهد كثيرة إلا أني أتناول هنا خبر اليوم وهو سقوط طائرة حربية فوق مبان سكنية في واحد من الشوارع التي تمثل عصباً مهماً في العاصمة صنعاء. خبر مؤسف أدمت له قلوبنا جميعاً وما يهمنا كمتلقيين أن تنقل لنا المعلومات الأساسية التي لابد أن يحويها أي خب، ما هو الحدث الذي وقع في الأساس و أين ومن ومتى وكيف وقع، بعدها تأتي المرحلة التحليلية التي توضح لنا الأسباب وعلى من تقع المسؤلية وكيفية تجنب ذلك مستقبلاً وكنتائج لهذه المرحلتين نستطيع أن نجد قرارات معينة تقوم بها الجهات المعنية بعد إكتمال وإتضاح الصورة إلا أن ما حدث مع المتلقي اليمني انحنى عن المسار الطبيعي ليصب في مجرى شحن النفوس ضد بعضها وإلقاء الإتهامات حزافا دونما أدلة متجاوزين بذلك الحد الإنساني الأدنى في إحترام هذه الجثث المتفحمة وفاجعة أهلها والتي تاجر بها الإعلام بمختلف توجهاته. قناتا اليمن اليوم وآزال تفننتا أثناء لقاءاتهما الميدانية مع شهود العيان في التركيز على حكومة الوفاق وتحميلها المسؤلية ورائحة الموت خلف هؤلاء الشهود في الصورة ما زالت تملأ المكان.
وكأن هذه الطائرت البائسة تم شراؤها خلال هذين العامين بل إن مراسل قناة اليمن اليوم إتهم كل المتواجدين بمن أسماهم بمعتصمي ساحة التغيير الذي صادف وقوع الحادثىة المروعة بقربها بأنهم تجردوا من الإنسانية وعرقلوا سير سيارات الإسعاف رغم إتفاقي معه تماماً على حشرية المارة إلا أن إختزال الموقف في هكذا تعبير أمر غير موضوعي البته وكأنه في حال حدث أي حادثة مشابهه في التحرير مثلا لكان الناس ومن إرتفاع مستوى وعيهم سيفسحون المجال ولن يشمروا السواعد ويهرولوا إلى مكان الحادث كم يحدث في أي بقعه في اليمن. قناة السعيدة ركزت في شريطها الإخباري بأن الطيار من منطقة بني بهلول وكأنه الجزء الأهم من تفاصيل الخبر، أما قناة اليمن الفضائية وهي القناة الرسمية والتي يقول شعارها "قناة اليمن قناة كل اليمنيين" فإكتفت بالخبر العاجل دونما نقل الحدث في وتحليله في ساعتها.
أما قناتي سهيل ويمن شباب المواليتين لحكومة الوفاق وحزب الإصلاح تحديداً فقد ظلت شاشتهما تبثان برامج معادة من اليوم الذي قبله بعد بث لقطات ونقل معلومات عن قناة الجزيرة مباشر. يتبقى هنا قناة المسيرة "الحوثية" والتي إكتفت ساعتها بخبر أسفل الشاشة أثناء عرضها لمسلسل تاريخي! هنا علينا أن نقلق بل ونبالغ في القلق كون الإنسان اليمني يأتي على ذيل قائمة متابعة وسائل الإعلام اليمنية في لحظة وقوع الحدث وعندما يتم تناول الحدث بالتحليل فإنه يوضع سواءً أكان جثةً هامدة أم متلقي على مائدة المهاترات والتجاذبات السياسية وتصفية الحسابات وتقاذف الإتهامات وعليه فإن أقل ما توصف به هذه القنوات بأنها قنوات فئوية بعيدة عن المهنية قنوات لم تنشئ لخدمة المواطن البسيط الذي من حقه أن يحُترم عقله من خلال هذه الشاشات على الأقل بعد أن فقد إنسانيته وكرامته على الأرض.