حين تتجعّد الروح وتفقد الكثير من النداوة والبشاشة والبشر؛ احمل نفسك إلى إب. حين يمتد داخلك الجفاف ويحاصرك الجدب من كل اتجاه اتجه الى إب. حين تذوي أشواقك ويضمر شغفك للحياة ويطالعك الأفق جهماً قاسياً عبوساً متوعداً بما هو أكثر قتامة وأشدّ جهامة فامضِ الى إب. حين يستبد بك الحنين الى العذوبة والرقة والرهافة فسافر الى إب. تغسلني إب على الدوام، انفلتُ إليها من قبضة اليباس، أغطس بكلي في روحها الفيّاضة بالحب. مطرٌ هي الوجوه والبسمات والكلمات والنظرات، مطرٌ هم الأصدقاء. تهطل داخلي هذه المدينة بغزارة، تغمرني فيها الحياة .
كل ما فيَّ يهتزّ ويرتعش ويخصب ويعشب من جديد. تُورق في دمي قصائد عشق وَوَلَه. أعودُ منها مترعاً، كلي اخضرار، أقطرُ حباً وأهمي هياماً، تنهض في أعماقي المتصحرة القاحلة بساتين وحقول مترامية، وتنبسط سهول وسهوب تتراقص في مداها الفتنة.
هي إب عطاياها ممدودة في كل المواسم، جميلة كل الفصول، سخاءٌ في الطبيعة والطبع. بنت السماء حاضرة لا تعرف الغياب، غزيرةٌ، لها مذْ كانت أخلاق المطر.
كثيرة الشغف تعرف كيف تحتفي بالحياة والجمال, تعرف كيف تسكب روحها فيك وكيف تحثُّ فؤادك أبداً للإياب.
مقيل د. أحمد ياسين أفق أثير تلتقي فيه إب البهية الدافئة اللطيفة المسيّسة والشاعرة، هو منتدى دائم يمثل اليوم بعضاً من روح وشخصية المدينة، فيه لقلب إب خفقان العافية، لطالما عالج قلبي ومنحني روّاده الكثير من المحبة الشافية.
في الفعالية التي نظمها التجمع اليمني للإصلاح بإب حول الإصلاح ودوره في الثورة الشبابية السلمية والقضايا الوطنية، وإسهاماته على مستوى الحوار شاركت فيها الأستاذ العزيز شوقي القاضي والأستاذ أمين الرجوي رئيس الدائرة السياسية بإصلاح إب الحديث عن دور الإصلاح.
لم يكن تغنياً بالذات أو مباهاة بالحضور ولا كان من أجل تقديم إثباتات وشواهد على الدور؛ وإنما كان حديثاً يعيد إحياء المعنى ويذكّر بأهمية استمرار الروح وحماية التضحيات. كان حديثاً يستعيد تأمل الأصلاح في قلب هذا المخاض الهائل الصعب ضمن الروح الوطنية الجامعة والمشتركة التى يعتبر الإصلاح حفاظه عليها من أهم أدواره.
25 دقيقة في جوٍّ مفعمٍ بروح الثورة لم تكن كافية بالنسبة لي للوقوف على القليل من التفاصيل المتعلقة بالدور الإصلاحي الكبير في هذه الثورة المجيدة التى اكتشف شعبنا فيها قواه الحقيقية الحاضنة للتغيير. هذه الثورة التى مثلت مختبراً لعظمة الروح الإصلاحية بفدائيتها وعطاءاتها وحركيتها وجاهزيتها وقدراتها التنظيمية والتعبوية الهائلة، وانضباطها الصارم وقدرتها على التناغم والتعايش والنضال المشترك والتزامها وشعورها بمسؤوليتها الوطنية في إنجاح الثورة، والدفع بها نحو الأمام وترفعها عن الانحشار في دائرة الصغائر والقشور، ووعيها العالي بحساسية المرحلة وأهمية تحشيد الطاقة لمواجهة كل الإجهاضات والمشاريع التى تعمل لتقويض الثورة وكسر معانيها في النفوس ومحاولات تبخيس الأدوار وتخريب الذاكرة. كان الحضور الحاشد والنوعي ملهماً وباعثاً على الزهو، بدَتْ فيه إب خضراء الروح تتقدم كل المدائن بشغفها وتواصلها وحماستها المتقدة.
هذه المرة أزورها رفقة العزيز أنس الشميري وصحبة الصديق الرائع عصام علوان، ومع عباس قائد رحلتنا الخبير والماهر، كتلة من الهدوء والصمت كراهب في طريق الروح مستغرق في طقس تأملي ممتد.
أول استخدام سيئ لسلطته كأميرٍ أجبرنا أنس على الانطلاق من صنعاء فجراً على سهر وضجر، لكنه لم يلبث أن عوّض علينا باتخاذ طريق بعدان للوصول الى إب تشدّه ذكرياتٌ خضرٌ مبعثرةٌ على جانبي هذا الطريق الذي لطالما سلكه رفقة المطر والضباب الحنون الدي مايزال يلفّ القلب ويتكاثف في الذاكرة.
الشلالات التى جفّت مازالت تتدفق في روحه، يحدثك عن كل شلال مرّ به وسكن قلبه، أحاديث مبللة رقراقة ذكرى حية لفرح منساب يعود بك إلى كل الأمكنة الآسرة التى ارتمى عليها الجسد بافتتان ملتصقاً بالتراب البليل، ملتفاً بأغصان الزروع المخضلّة بالندى ملامساً عذرية الأرض الرطبة في فضاءٍ صافٍ مفتوحٍ على جمال لا يحدّ، هناك حيث استوقفه صباح برائحة الخبز في إحدى قرى بعدان، فمضى مخدراً خلف تلك الرائحة فارضاً نفسه ضيفاً على ذلك الدار العابق بخبز الروح.