إب , أغنية المطر , محظية الصيف , إليها يؤوب مشتاقاً بهداياه وعطاياه الغزار , أفقها مهوى الغيم , مسرحُ الأمزان , مهرجانٌ ماطرٌ , لا تخلف فيه السماء الهطول . إب , سحبٌ ضامئةٌ إلى الأرض , ومدينةٌ إختارت مكانها كي تمارس إصطياد السحب . هي إبُ .. لك فيها ما تحبُ , ولي فيها سماوات من محبه , وحقولٌ من ودادٍ , لي فيها أحبابٌ يمطرون في كل المواسم . هم بعضُ روح إب الندية , بعضُ روح إب الخضراء , لطالما تخطفوا دهشتي الموزعة بين السفوح . إب مدينةٌ يصنعُ شخصيتها المطر , يمنحها الهوية . في كرنفال الخصب من كل عام , توزع إب محبتها على المدائن , دعوات ليست كالدعوات , دعوات للإخضرار , تدعونا إلى أفق آخر مختلف , نحاور فيه الجمال والنداوة والبهاء لنقيم علاقة حميمية مع الأرض مع الطبيعة الآسرة , لنستنطق خطاباتها المزهرة المخضلة بالندى . وحدها إب تدعونا لكي نكون أكثر جمالاً ومحبة , هناك حيثُ نكتشف كم نحن أحياء وكم في إب من وعود حياة مخبئة لم تكتشف بعد . في العام المنصرم أقلتني إليها سحابة عشق كي أشهد مهرجانها السياحي السنوي والذي تنظمه قيادة المحافظة كتقليد سنوي شفيف , كان المطر رفيقي على طول الطريق . في أعالي سمارة , لأب ألف رسولٍ ورسول يؤدون واجب الضيافة . " في الزهر ألفُ قصيدةٍ يوحي بها ... لونٌ فتسرح بالقلوب وترتعي وسناً يروعك من ثنايا برعم ... كشروق وجهً في جوانب برقعِ " "سُمارة "أول الحجاب في بلاط المليكة إب , إنها إب لا يخطئ أنفاسها القلب . مازلت مسكوناً بعبق المقيل في ضيافة المحافظ القاضي الأستاذ أحمد عبد الله الحجري , رفقة عديد من الزملاء الصحفيين , كانت القلوب خضراء , وكانت إب كلامنا الأخضر , لا أنسى تعليقات ذكية وملاحظات مهمة من بعض الزملاء , كإستغراب الزميل عبد الله الحرازي من أسماء كثير من الفنادق التي لا تعبر عن خصوصية إب , إلتفاتات كثيرة صبت في إتجاه أهمية إيجاد نوع من الإتساق والموائمة في الأسماء والمسميات. كنت ممن أكد على أن إب ما تزال أرضاً سياحية عذراء , وأنها لم تخدم بالشكل المطلوب , وأن إمكاناتها الجمالية أكبر بكثير من الجهد المقدم , قلت نحن لا نتحدث عن إب هي من يتحدث عنا , هذا الجمال وهذا الخصب يقدم نفسه ويقدمنا , نحن نتحدث عن دهشتنا البسيطة وبكلامٍ ربما أبسط مما تقتضيه الدهشة , قلت إب لم تنجز تعبيرها بعد , لأن المكان الملهم الخصب يحتاج إلى عقول وخيالات أكثر خصوبة , أكدت على أهمية إغراء الأدباء والفنانين الكبار بالسفر إلى إب كي يكتبوها ويرسموها بما تستحق , ومن على ربوةٍ بعيدةٍ آسره تهادى صوتُ عاشقٍ صب ببيتٍ يسكن الذاكرة : وقفةٌ في ذراكِ يا إب تغني .... عن كمانٍ وعن نديمٍ وحسنِ أستدعى الحديث ضجر ما بعد المغرب , إحساسٌ لطالما دهم العابرين , أعتبرته إمتيازاً لإب , مدن أوربية عديدة لها مزاج إب الوادع ,الميال للمبيت وللسكون المبكر , لهذا يشعرُ العابر بالوحشة , وربما ببعضٍ من الكآبة , إب مدينة تنعس باكراً لا تسهر طويلاً كتلك المدائن الصخابة التي لا تنام . تذكرت غدائي بمشورة في الفضاء المفتوح مع الأولاد ذات سفر , حيثُ خشيتُ أن نغدو وليمة للنسور المحومه , كم هو جميل المكان , كم هي جميلةٌ الإطلالة , غير أننا لا نحب الأمكنة التي تعاملنا كعابري سبيل , أنت في العادة تحب المكان الذي يفسح لك مجالاً لكي تقيم علاقة معه وتسجل على صدره ذكرى حميمة , تحب المكان الذي يحتضنك بحب ويربّت عليك ويغريك بالإسترخاء وربما بمقامٍ يطول . لم أكتب بعد دهشتي يا إب , ما زلتِ نصاً في القلب , نصاً أخضر كقلبك , كوجهك الجميل , ما زلت في صدري سحائب عشق لم تهطل بعد وطقوس كتابة راعده .