يواصل «المصدر أونلاين» نشر الدراسة التي أعدها الباحث إبراهيم شرقية خبير السياسات الخارجية بمعهد بروجينكز وأستاذ وأستاذ النزاعات الدولية بمعهد جورج تاون في قطر لمعهد بروجينكز الدولي للأبحاث والتي تتناول مسار المصالحة الوطنية في اليمن والعوائق التي تعترضها. قضايا المصالحة الوطنية يجب أن تقوم عملية المصالحة الوطنية في حقبة ما بعد صالح بمعالجة القضايا أدناه بوجه خاص، فتجاوزها سيزيد فقط من تعقيد العملية الانتقالية للبلاد.
لقراءة الجزء الأول من الدراسة اضغط هنا 1- مواجهة الماضي التعامل مع الماضي في السياق اليمني أمرٌ هام لمعالجة ثلاث قضايا رئيسية: الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة وغيرها من ذوي النفوذ، ومصير المختفين قسراً، وحقيقة ما حدث في عهد صالح.
لقد أتى صالح أولاً إلى السلطة في الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) في 1978، حيث أدت محاولة الانقلاب التي قام بها الناصريون إلى الموجة الأولي من عمليات الإعدام والاختفاء القسري.[1] في 1990، قامت الجمهورية العربية اليمنية بزعامة صالح بشكل سلمي بالاتحاد مع النظام الاشتراكي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن)، والتي شهدت حرب أهلية دموية في 1986. عندما حاول اليمن الجنوبي الانفصال في 1994 في ظل نزاع على السلطة وتقاسم الثروة، اندلعت حرب بين الشمال والجنوب. وانتهت الحرب بسيطرة الشمال على العاصمة الجنوبية "عدن" في يوليو 1994، مما أدى إلى "الوحدة القسرية" للشمال والجنوب، وهروب قيادات الجنوب السياسية، وجولة أخرى من الاختفاءات القسرية.
بعد ذلك، واجه اليمن تمرداً مستمراً من المتشددين الحوثيين في المحافظات الشمالية، ما ساهم في إشعال فتيل حرب دموية في 2004. كما شهدت البلاد أيضاً حالة نزاع استمر لسنوات عديدة مع الجهاديين المرتبطين "بالقاعدة". في ظل سيطرة صالح على الحكم على مدى 33 عاما (1978- 2011)، فضلاً عن النظام الاشتراكي في الجنوب (1970-1990)، اختفى العديد من أعضاء المعارضة من دون تفسير. حتى فترات السلام والاستقرار النسبي تحت حكم صالح، تم احتجاز السجناء السياسيين لفترات طويلة وتعذيبهم ونفيهم، بينما ظلت أماكن احتجاز الآخرين مجهولة.[2] حملة إرهاب الدولة واختفاءات المعارضين السياسيين ترسخت بعمق في الذاكرة الجمعية لليمنيين.
ليس من الواقعية أن نتوقع تلاشي تلك الذكريات بسهولة كنتيجة لتوقيع المبادرة الخليجية في الرياض. نظرياً على الأقل، التعامل مع الماضي أمرٌ ضروريٌ لتحقيق مصالحة ذات معنى، فضحايا القمع وأسرهم لهم الحق في معرفة الحقيقة- ماذا حدث، ولماذا حدث، ومن المسؤول عنه، لآن معرفة ما حدث في الماضي قد يساعد الضحايا وذويهم على التكيف مع معاناتهم، تلك المكاشفة قد تمكنهم من التقدم للأمام مع الطرف المسؤول عن الانتهاكات.
معرفة حقيقة ما حدث قد تساعد أيضاً على منع وقوع انتهاكات مماثلة مرة أخرى، فالتظاهر بعدم حدوث انتهاكات الماضي أو أن الناس سوف ينسونه هكذا ببساطة والمضي قدماً، سوف يعقد فقط من رثاء الضحايا ويزرع بذور جرائم المستقبل.
بديل التجاوز عن الماضي –كما عبرت عنه قوانين الحصانة الخليجية- لن يفهم بالضرورة على أنه محاكمة علنية وإعدام لمسؤولي النظام السابق. يمكن أن يكون ما دعاه ديسموند توتو –رئيس لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في جنوب أفريقيا- "الطريق الثالث" بين نوريمبرج وفقد الذاكرة الوطنية حلاً وسطاً على الأرض.[3] تم تأسيس لجان تقصي الحقائق –كما تمت مناقشته في وقت لاحق من هذا البحث – في أكثر من 20 دولة مرت بنفس التجارب. تتفاوت تلك اللجان ما بين "مساعي فاشلة أو على مضد في سريلانكا وهاييتي إلى محاولات أكثر متانة نوعاً ما في السلفادور، تشيلي، وجواتيمالا".[4] الفشل في التعامل على نحو صحيح مع مظالم الماضي غذى حالة من عدم الاستقرار في العملية الانتقالية في اليمن. يتواصل الاستياء والإحساس بالعزلة بين عائلات المختفين والداعمين لقضيتهم وبعضهم رسم على الجدران وجوه أحبائهم المفقودين في كافة أنحاء صنعاء كجزء من حملة احتجاجات 2012. [5] في نفس الوقت، تعتبر مظالم الجنوب –بما في ذلك إقالة الآلاف من مسؤولي جيش اليمن الجنوبي بعد حرب 1994 لتوحيد اليمن- تهديدات رئيسية لوحدة ما بعد صالح. بناءً على التجارب السابقة، لم يزل الكثير من الجنوبيين يصرون على الانفصال عن الحكومة في صنعاء التي لا يثقون بها. التعامل مع الماضي ليس أمراً هيناً، وهذا هو السبب في تجنب أو تجاهل الخوض فيه في كثير من الأحيان. التحدي الأول الذي تواجهه الأطراف هو إيجاد نقطة بداية، أو كيفية تحديد الإطار الزمني لأي تحقيقات. عند توجيه أسئلة لمن تمت مقابلتهم عن آرائهم بشأن نقطة البداية الملائمة للجنة تقصي الحقائق، أفادوا بإجابات تتضمن ما يلي:
الفشل في التعامل على نحو صحيح مع مظالم الماضي غذى حالة من عدم الاستقرار في العملية الانتقالية في اليمن - تقييد تحري الحقائق على ثورة الأحد عشرة شهر التي بدأت في 2011 لجعل الفترة أكثر قابلية للتطبيق. - البدء منذ الحرب الأولى ضد الحوثيين في 2004. تتخذ الحروب الستة مكانها بشكل عام مع الجماعة، وسوف تساعد نقطة البدء تلك على ضمان تواجد الحوثيين كجزء من عملية المصالحة الوطنية. - البدء بحرب 1994 مع الجنوب، حيث كانت الحرب الأكبر منذ استقلال الجنوب مرتبطة بقضية الجنوب في الوقت الحاضر. - البدء بالوحدة الأولى للشمال مع الجنوب في 1990، حيث يميز هذا التاريخ التقاء الجنوب مع الشمال معاً على أسس طوعية. - الرجوع للخلف إلى 1978، عندما أتى على عبد الله صالح إلى السلطة، حيث يستحق اليمنيون معرفة المدى الكامل للجرائم التي يعد صالح مسؤولاً عنها. - البدء بعام 1962، الذي شهد وفاة الإمام أحمد وما نتج من اندلاع حرب أهلية بين "الملكيين" ومن ورائهم العربية السعودية و"الجمهوريين" الذين دعمتهم مصر.
من الواضح أن اليمنيين يعتقدون بآراء شديدة التباين حول النقطة الملائمة لانطلاق عملية تقصي الحقائق. يدرك ياسين سعيد نعمان –رئيس الحزب الاشتراكي في البلاد- تلك الاختلافات في وجهات النظر، ولكنه يشير إلى أن البدء بعام 1990 سيكون الأكثر منطقية مع الأخذ بعين الاعتبار معالجة الانتهاكات الأقدم –على سبيل المثال إعدامات واختفاءات الناصريين سنة 1978- على أساس كل حالة على حدة. ويفسر نعمان ذلك[6] بأن الذهاب إلى ما وراء 1990 يصعب من إدارة العملية. لا يتفق الجميع على أنه يجب على المصالحة الوطنية النبش في الماضي. يقول نائب رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام ياسر العوضي: "يظهر الإرث السياسي اليمني أن المصالحة كانت تبنى على دفن الحقيقة، وليس كشفها. في الماضي، كان هناك طرف منتصر وطرف مهزوم. في هذه المرة، يتساوى كلٌ من الطرفين في كون لا منتصر ولا مهزوم. وهذا يجعل تحرك الطرفين قدماً والنظر للمستقبل لا للماضي أكثر ضرورة".[7] المعارضون لكشف انتهاكات الماضي يخشون من أن معرفة جرائم الماضي ومرتكبيها في مجمتع قبلي مثل اليمن، سوف يؤدي إلى صراع اجتماعي. في الواقع، غالباً ما تدفع قيم الثأر والانتقام القبلية التقليدية لاندلاع الحرب في اليمن.
مع ذلك، فالمشكلة سياسية بجانب كونها اجتماعية. معظم زعماء اليمن الحاليين هم جزء من التاريخ الحقيقي الذي سيتم الكشف عنه. على سبيل المثال، زعيم المعارضة، على محسن الأحمر، قاد عمليات عسكرية ضد الحوثيين في الشمال، واليوم، يطالب الحوثيون بالقبض على الأحمر للمساءلة عن تلك "الحروب الظالمة" كشرط لإتمام المصالحة الوطنية. كذلك فقد كان حزب الإصلاح الإسلامي –الحزب الأكثر نفوذاً في أحزاب اللقاء المشترك- جزءاً من حكومة صالح أثناء حرب 1994 مع الجنوب. بالإضافة إلى أنه خلال الثمانينيات، عمل رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي تحت حكم صالح في جهاز الأمن السياسي سيئ السمعة، والذي يعتقد بأن هذا الجهاز كان مسؤولاً عن تعذيب السجناء السياسيين.
على الرغم من الشكوك المستمرة حول الحكمة وقابلية تطبيق تقصي الحقائق، لا ينبغي أن يخجل اليمنيون من محاولة نهج مختلف هذه المرة. الصراع المستمر في اليمن هو نفسه شاهد على أن الجهود السابقة لحل الصراع طويل الأمد، والتي لم تتضمن لجان تقصي حقائق، قد باءت بالفشل. تقصي الحقائق هي نقطة انطلاق لبدء عملية اعتراف واعتذار وصفح والأهم، تطبيق قوانين عدالة انتقالية أوسع. يشير عبد الحكيم هلال –صحفي يمني ومدير تحرير صحيفة المصدر الإلكترونية- إلى إن "الصفح ضروري للمصالحة الوطنية ولكن يجب أن تسبقه الحقيقة والاعترافات".[8] يوضح محمود ناشر أيضاً –ناشط مجتمع مدني من اليمن الجنوبي- الأمر بأن الدولة مدينة لشعبها بشيئين: الحقيقة والإعتذار. ويقول أن النظام "يجب أن يعتذر للشعب اليمني كله... وليس فقط للسجناء السياسيين أو شرائح أخرى من المجتمع. يجب أن تعرف الأمة جمعاء ما حدث، حيث أن المعرفة تعزز حقوق المواطنة بين الناس".[9] من المؤكد أن الاعتراف والاعتذار عن أخطاء الماضي سوف يقطعان شوطاً طويلاً باتجاه بناء الدعم الشعبي للمصالحة الوطنية، ويزيد من ثقة اليمنيين في قيادة البلاد التي خلفت صالح، وتجعل أي تسوية سياسية أكثر مصداقية في أعين الشعب اليمني.
يجب على المؤتمر الشعبي العام أن يقوم بتقييم موضوعي للسياسات والممارسات التي نفذها خلال 33 عاماً في السلطة، وعلى المعارضة أن تكون على استعداد للمشاركة في عملية المصالحة الشاملة 2- التعامل مع النظام القديم بعض الثوار يودون رؤية انتقال ديمقراطي يستبعد رموز النظام السياسي القديم بالكامل، هذا ليس ممكنا في اليمن لعدة أسباب. الأول، تؤكد الطبيعة الحقيقية للتسوية السياسية بوساطة مجلس التعاون الخليجي على تقاسم السلطة بين الأطراف بدلاً من تسوية محصلتها النهائية صفر. الثاني، يظل المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق صالح) مسيطراً على المناصب السياسية الرئيسية، خاصةً في الجيش وأجهزة الأمن، وقد احتفظ بدعم شعبي داخل دوائر انتخابية معينة. الثالث، الحزب الحاكم السابق هو الأكثر دراية بأجهزة الدولة ويحتفظ بما يسمى "الذاكرة المؤسساتية". حيث إن عناصره تحتل أكثر مناصب القطاع العام، فإنهم يعرفون كيف يديرون الخدمات المدنية للبلاد، وهناك حاجة إليهم إذا ما تطلب الأمر استمرار البيروقراطية في أداء وظيفتها. في الوقت الذي نرى فيه أهمية "فرض حظر رموز النظام من ممارسة السياسة لمدة عشر سنوات على الأقل،" يعترف محمود ناشر بأنه "لا يمكن تحقيق التخلص التام من النظام السابق، حيث أن قادة التحول في اليمن بما في ذلك البعض من بين القوى الثورية كانوا جزءاً من هذا النظام".[10]
الإقصاء التام للمؤتمر الشعبي العام، إذاً، ليس بديلاً ممكناً كما أن منح المؤتمر الشعبي العام فرصة للمشاركة في عملية إعادة البناء سوف يجبر الحزب على العمل ضمن النظام بدلاً من العمل خارجه أو ضده. يقترح العوضي أن "الإبقاء على الحزب الحاكم السابق جزءاً مهماً من المشهد السياسي اليمني، سوف يحقق التوازن مع حزب الإصلاح. من دون المؤتمر الشعبي العام، سوف يهيمن الإصلاح على المشهد السياسي ويتحكم بالكامل في مؤسسات الدولة."[11] مع ذلك، وللعب وحتى يتمكن حزب المؤتمر الشعبي العام من المشاركة في عملية التحول الديمقراطي بطريقة بناءة، فإن عليه بالمقام الأول القيام بعملية إصلاح داخلي للحزب واسع النطاق. يجب أن يدرك المؤتمر الشعبي العام أن إصلاحات جادة سوف تكون مساعدة ليس فقط للمصالحة في البلاد، ولكن أيضاً سوف تساعد الحزب نفسه بما إنه يسعى للبقاء على قيد الحياة في عهد سياسي جديد. حتى أنه يمكن للمؤتمر الشعبي العام أن يقرر النظر في كيف تكيفت أحزاب حاكمة سابقة لبلدان أخرى مع التغير السياسي الديمقراطي. يجب على المؤتمر الشعبي العام نفسه أن يقرر أي إصلاحات داخلية عليه أن يعطيها الأولوية. أحد أمثلة الإصلاح سيكون تغيير إسم الحزب، سيكون كثير من اليمنيين مترددين في التصالح مع حزب ارتبط اسمه طويلاً بالقمع، والفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان. تنبه نادية السقاف العضو في لجنة الحوار الوطني في اليمن إلى أن "اسم الحزب الحاكم سابقاً ارتبط بعهد يريد الشعب اليمني طرحه خلف ظهره ومن هنا يريدون أن ينطلقوا قدماً" وتقول "يمكن للأفراد أن يستمروا في ممارسة حقوقهم السياسية، ولكن على الحزب نفسه أن يتغير".[12]
إجراء إصلاحات جادة على ميثاق الحزب اختيار آخر. بالتأكيد، يجب على المؤتمر الشعبي العام أن يقوم بتقييم موضوعي للسياسات والممارسات التي نفذها خلال 33 عاماً في السلطة. في صدد تحديد ما وقع من أخطاء، يمكنه إنشاء لوائح وقوانين للحزب الجديد. على سبيل المثال، يجب على المؤتمر الشعبي العام أن يتبنى سياسات صارمة لمحاربة الفساد الذي ابتلي به الحزب عبر العقود الأخيرة، يحتاج أيضاً للنظر في إزاحة عدد من رموزه القيادية، خاصةً الأسماء سيئة السمعة الأكثر ارتباطاً بالفساد والقمع، وينبغي أن يدرك الحزب أنه مدين للشعب بتضحيات جسيمة من أجل تقبله قبولاً مخلصاً كجزء من السياسات المستقبلية لليمن. تقترح السقاف أن "الطريق الأفضل للمضي قدماً هو الإزاحة التامة لرؤوس النظام من المشهد السياسي بكامله". وتشير إلى اقتراح "مبادرة العشرة-عشرة"والذي "دعى إلى إزاحة رموز القمة العشرة من الجانبين الحكومة والمعارضة وإقصائهم من العملية السياسية".[13]
وأخيراً، يجب أن تدرك المعارضة أن إصلاحاً جاداً داخل الحزب الحاكم سابقاً يحملها عبء المسؤولية نفسها. يجب على المعارضة أن تكون على استعداد للمشاركة في عملية المصالحة الشاملة التي سيرحب بها المؤتمر الشعبي العام بعد الإصلاح، الانخراط في شراكة صادقة مع المؤتمر الشعبي للمساهمة في تحسين آفاق مصالحة وطنية أوسع. يجب على الثوار تفادي تكرار أخطاء الحزب الحاكم السابق بالتفرد بالحكم وتبني سياسات إقصائية.
3- القضية الجنوبية استمرت الدولة الاشتراكية لليمن الجنوبي من نهاية الحكم البريطاني لعدن في 1967 وحتى وحدة الجنوب مع الشمال في 1990. عند استيلاء "الشمال" على عدن في حرب 1994 الأهلية، فرت القيادة الجنوبية، بما في ذلك الرئيس السابق على سالم البيض من البلاد. يبدو أن هناك اتفاق واسع النطاق حتى داخل اليمن الشمالي أن "الجنوبيين" قد تحملوا مظالم اجتماعية واقتصادية وسياسية في ظل نظام صالح وأنه يجب الاعتراف بمعاناتهم. وقد تصاعدت المعاملة السيئة للجنوب بعد هزيمة 1994 على وجه الخصوص، تضمنت الأمثلة على هذه المعاملة إقالة حوالي 20 ألف من العسكريين إثر نهاية حرب 1994، وتسريح عدد كبير من موظفي القطاع العام، وتهميش لاحق للجنوبيين في مؤسسات الدولة. حتى أنه في القطاع الصناعي، انخفض عدد المصانع العاملة في الجنوب من 75 قبل 1994 إلى 3 فقط. يزعم نشطاء جنوبيون أنه في ظل سياسات الخصخصة التي تبناها نظام صالح، تم إعطاء الممتلكات الكبيرة لجنرالات الجيش، خاصةً أولئك الذين شاركوا في حرب 1994.[14]، تظل التسوية مع الجنوب تحدياً جدياً لاستقرار اليمن طويل الأمد.
في أبريل 2012، أصدر الحزب الاشتراكي اليمني –الحزب الحاكم سابقاً لليمن الجنوبي- بشأن ما دعاه "محددات ونتائج للحوار وإيجاد حل لقضية الجنوب". أوجزت تلك الوثيقة 12 معياراً لبناء الثقة لإيجاد مناخ يفضي إلى حوار، من بينها اعتبار الجنوبيين الذي قتلوا في الحرب الأهلية 1994 شهداء، إعادة الممتلكات التي تمت مصادرتها إلى أصحابها الأصليين، وإعادة تعيين الموظفين والعسكريين الذين أجبروا على التقاعد المبكر في عام 1994.[15]
مع ذلك، لا يتفق الجنوبيون أنفسهم على قضيتين أساسيتين: ما هو بالضبط الحل الذي سوف يعتبر عادلاً للجنوب، ومن له الحق في تمثيل الجنوبيين في أي عملية مصالحة وطنية، إذ لا يوجد اتفاق على تمثيل الحركة الانفصالية الجنوبية المعروفة باسم "الحراك"،[16] أو ببساطة "الحراك الجنوبي". بعد إزاحة صالح، رأى اليمن ثلاث إجابات محتملة لطرح السؤال الجنوبي. الأول، يدعو إلى انفصال كلي عن الشمال ويمثله أساساً الرئيس الأخير لما قبل الوحدة، علي سالم البيض، ويدعم الثاني –ويمثله علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس،[17] "الفيدرالية مع الشمال. ويطالب الاختيار الثالث –من دون مؤيدين بارزين- بمعالجة مظالم الجنوب والاستمرار في الوحدة مع الشمال، ولن يستلزم ذلك توسيع الفيدرالية للحكم الذاتي الجنوبي.
لا يتفق الجنوبيون أنفسهم على قضيتين أساسيتين: ما هو بالضبط الحل الذي سوف يعتبر عادلاً للجنوب، ومن له الحق في تمثيل الجنوبيين في أي عملية مصالحة وطنية مع وضع هذا في الاعتبار، ستكون هناك حاجة لحوار شفاف داخل الجنوب، سواء قبل أو في سياق حوار وطني أوسع، لحل قضية تمثيل الجنوب في مصالحة وطنية. النجاح في تحديد أهداف اليمن الجنوبي سوف يعطي دفعة كبيرة للحوار الوطني الأكبر ومن ثم المصالحة الوطنية.
يضاف لذلك، إنه يجب على الجنوبيين أن يميزوا بين الوحدة بالقوة –كما حدث في حرب 1990- والوحدة التي تأتي بالاختيار. ما خبره الجنوبيون منذ 1994 هو وحدة جبرية مع نظام صالح، ولكن ليس مع المجتمع الأوسع في سياق عملية ديمقراطية وتعددية. سوف تمثل دولة اليمن الجديدة على نحو مأمول فاصلاً عن ماضي اليمن ما قبل الثورة. حيث إن الجنوبيين يشاركون في تحول البلاد ويسهمون في تشكيل حكومة تتأسس على القبول المتبادل، يجب أن يمتنعوا عن إصدار الأحكام المسبقة على الوحدة أو النظام الفيدرالي مع الشمال بناءاً على تجاربهم السابقة مع النظام.
*الهوامش: [1] انظر “Nasserists demand disclosure of bodies of those who attempted coup against President Saleh,” (الناصريون يطالبون بالكشف عن جثث الذين حاولوا الانقلاب على الرئيس صالح) مأرب بريس، 16 أكتوبر 2009، http://marebpress.net/news_details.php?sid=19416 (مترجماً من العربية). [2] مقابلات وحوارات للمؤلف مع نشطاء يمنيين في صنعاء، مايو 2012. [3] ديموند توتو، No Future Without Forgiveness (لا مستقبل من دون عفو) (لندن: ريدر، 1999)، 10-36. [4] أوليفر رامسبوثان، توم وودهاوس، وهوج ميال، Contemporary Conflict Resolution (حل النزاعات المعاصرة) المملكة المتحدة: مطبعة بوليتي بريس. [5] أندريو هاموند، “Yemenis paint disappeared activists on Sanaa streets,” (اليمنيون يرسمون النشطاء المختفين عبر شوارع صنعاء) رويترز، 25 سبتمبر، 2012، .http://www.reuters.com/article/2012/09/25/us-yemen-disappeared-idUSBRE88O0YG20120925 يمكن إيجاد نماذج من الرسومات في الملحق 4. [6] مقابلة ومناقشة للمؤلف مع ياسين سعيد نعمان، صنعاء، مايو 2012. [7] مقابلة ومناقشة المؤلف مع ياسر العوضي، صنعاء، مايو 2012. [8] مقابلة للمؤلف مع عبد الحكيم هلال، صنعاء، مايو 2012. [9] مقابلة للمؤلف مع محمود ناشر، صنعاء، مايو 2012. [10] المرجع نفسه. [11] مقابلة ومناقشة للمؤلف مع ياسر العوضي، صنعاء، مايو 2012. [12] مقابلة ومناقشة للمؤلف مع نادية السقاف، مايو 2012. [13] المصدر نفسه. [14] أحاديث للمؤلف مع نشطاء جنوبيين، صنعاء، مايو 2012. [15] الحزب الاشتراكي، The Socialist Party Lays out a Set of Determinants and Outcomes for Dialogue and the Resolution of the Southern Issue,” (الحزب الاشتراكي يحدد مجموعة من المحددات والنتائج المرجوة للحوار وحل القضية الجنوبية) 3 مايو، 2012، http://www.aleshteraki.net/news_details.php?sid=12741. (مترجماً من العربية) يمكن إيجاد النسخة المترجمة لهذا البيان في الملحق 2. [16] حركة الحراك، وتعني حرفياً "التعبئة"، هي ائتلاف يطالب باستقلال أكبر لجنوب اليمن، سواء من خلال حكم ذاتي أكبر أو الانفصال. [17] خدم محمد مرتين كرئيس لليمن الجنوبي قبل أن يطاح به بعد الاقتتال الدامي لعام 1986 في عدن. وخلف العطاس محمد كرئيس قبل وحدة 1990؛ وخدم أيضاً كرئيس لوزراء ما قبل وحدة اليمن الجنوبي، وما بعد اليمن الموحد لسنة 1990، وجمهورية اليمن الديموقراطية الانفصالة 1994.