بالأمس نشر ناشطون من أبناء مديرية صرواح بمحافظة مارب، على شبكة الانترنت، بياناً اتهموا فيه لجنة رئاسية مكلفة بالنظر في مظالم أبناء المديرية منذ شهر يوليو من العام الماضي، بالتسبب في الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها أنابيب النفط خلال الفترة الماضية وحتى اليوم. أدري أن كلاماً كهذا يحتاج جهداً كبيراً لاثباته، لدى من يصدرون أحكامهم جزافاً على مارب وأهلها، وصل إلى حد مطالبة أحدهم ب"ضرب القرى هناك بطائرة بدون طيار" لينعم هو، بكهرباء دون انقطاع!
إن تسطيح المشكلة والنظر إليها باعتبارها مجرد مسلح يعتدي على أبراج الكهرباء أو أنبوب النفط، دون الرجوع إلى حيثيات المسببات التي تدفع بهؤلاء إلى أعمال التخريب، هو ما جعل القضية بلا حل بل زادها تعقيداً.
هذا الكلام لا يعني، بطبيعة الحال، ان التخريب أمر مشروع لكل من له مطالب مشروعة، ومواقف أبناء مارب معروفة لدى الجميع حيال ذلك، وتستنكر القبائل يومياً هذه الأعمال وتتبرأ من فاعليها.
أعتقد، وهذا رأيي الشخصي، ان غياب مؤسسات الدولة في مارب هو من يجعل هؤلاء يعيثون في مصالح الشعب فساداً، ويجعلون منها أداة لابتزاز الدولة في استخراج حقوقهم، وأحياناً للابتزاز دون أن يكون هنالك حق مشروع لهؤلاء.
ثقافة الانتماء إلى الدولة مفقود في مناطق عدة من اليمن، ومارب على وجه الخصوص، لم تعهد دولة بالمعنى التنموي والحقوقي، كل ما هنالك منطقة عسكرية تُدير المحافظة من خلال قائد المنطقة العسكرية الوسطى، وهو من يتولى النظر في كل شيء، لذا لم نشهد حلولاً ناجعة.
هل تصدقون لو قلت لكم إن لجاناً كثيرة تُشكّل للنظر في من ليس لهم مطالب مشروعة، ويعطون مبالغ طائلة بعد أن تخصم اللجان مستحقاتها من هذه الأموال نتيجة أتعابها وتوسطها بين الدولة والمخربين.
إذاً، نحن أمام ثقافة دخيلة على مجتمعنا القبلي في مارب، لكنها استخدمت أيضاً كوسيلة في مسلسل التشويه الممنهج الذي مارسه نظام صالح ضد الماربيين، ونُهبت الحقوق تحت مبرر ان "أهل الأرض" مخربون ومجموعة قطاع طرق .. ليس إلا !
وفي الفاتح من يناير لهذا العام أطلق شباب ماربيون تكتلاً حقوقياً تحت مسمى " القضية الماربية" ووقفوا ما يربو على 11 وقفة أمام رئاسة مجلس الوزراء، وكان آخرها أمام القصر الجمهوري، لكن الحكومة حتى اللحظة لم تستجب لمطالبهم، بينما تدير حواراً وتستجيب، من خلال الواسطات، لمطالب مخربي أبراج الكهرباء وأنابيب النفط.
ومجمل القول، إن تشجيع ثقافة استخدام القوة في استرداد الحقوق، في مقابل ابراز الحلول الأمنية التي تتولاها قيادات المناطق العسكرية في كثير من محافظات اليمن، هو اسوأ ما يواجه الدولة فكرة وواقعاً، وهو ما أضعف دور السلطات المحلية لوضع حلول لكل هذه القضايا، مقابل بروز حلول أمنية مؤقتة لا تنصف مظلوماً ولا تردع ظالماً.