تثير معلومات متداولة في مواقع الكترونية مقربة من تنظيم القاعدة، تنفي مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب السعودي سعيد الشهري، الشكوك مجدداً حول دقة المعلومات الأمنية اليمنية التي أكدت مقتله للمرة الثالثة أواخر يناير الماضي. وأعلنت أمس الأول، مواقع الكترونية، مقربة من القاعدة، أن الشهري سينشر قريباً كلمة صوتية، تؤكد بقاءه على قيد الحياة.
آخر مرة أعلن فيها رسمياً مقتل الشهري، في 24 يناير الماضي، إذ أكد مصدر مسؤول في اللجنة الامنية العليا، في تصريح نقله موقع 26 سبتمبر نت التابع لوزارة الدفاع، مقتل الشهري في عملية نوعية نفذتها أجهزة الأمن في 28 نوفمبر 2012م، في محافظة صعدة، أسفرت عن اصابته بجروح بالغة دخل على اثرها في غيبوبة، وتوفى متأثرا بها بعد ذلك، ليدفن في مكان مجهول.
وجاءت الرواية الرسمية اليمنية تالياً – بيومين- ومطابقة لتسريبات نقلتها وسائل إعلام سعودية، عن عائلة الشهري، مع فارق أن الأولى أشارت لإصابته في غارة جوية أمريكية.
غير أن تنظيم القاعدة، التزم صمتاً مطبقاً إزاء مقتل الشهري، ما جعل الرواية الرسمية مثار شكوك، لا يحسمها، في ظل غياب الأدلة القطعية على مقتل الرجل، سوى تأكيد تنظيمه لخبر مقتله، وإعلان شخص من يخلفه، أو خروجه بتسجيل يؤكد ولادته للمرة الرابعة، في حياة واحدة.
قيادي مطلوب لكنه محظوظ بالحياة في 10 سبتمبر 2012 أفادت وزارة الدفاع اليمنية مقتل الشهري، وستة من قيادات التنظيم، في عملية نوعية للقوات المسلحة في وادي حضرموت، وهو الإعلان الذي نفاه الشهري ذاته في تسجيل صوتي، نشر في أكتوبر 2012.
وسبق أن تناقلت وسائل اعلامية أخبارا في فبراير 2011، عن مقتل الشهري وإصابة خمسة من عناصر التنظيم بينهم قيادي بانفجار متفجرات كانوا يعملون على تركيبها في محافظة أبينجنوب اليمن، وهو الخبر الذي تبين عدم صحته.
وتتحاشى وسائل الاعلام الرسمية اليمنية في أخبارها الرسمية الاشارة إلى الغارات الجوية التي تشنها طائرات أمريكية دون طيار، كسبب في مقتل الشهري، أو أي من القيادات الأخرى التي يعلن رسمياً، عن مقتلهم، بيد انها تشير إلى تنفيذ بعض تلك العمليات في إطار الشراكة والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
برنامج المناصحة يخرجه قائداً فعلياً للقاعدة وتبنى الشهري دمج فرع تنظيم القاعدة في السعودية بنظيره اليمني، في كيان اطلق عليه "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، تزعمه ناصر الوحيشي، ونابه في قيادته السعودي سعيد الشهري (أبو سفيان الأزدي)، في يناير 2009..
ورغم أن الوحيشي (أبوبصير)، يعتبر الرجل الأول لتنظيم القاعدة إلا أن الخبراء في شؤون التنظيم يصنفون الشهري، باعتباره الرجل الأول، في التنظيم، الذي انتقل جناحه السعودي إلى اليمن بعد أن ووجه بقيضة أمنية صارمة في المملكة نجحت في تحجيم نشاطه إلى ما دون مستوى الخطر.
وتصنف السلطات اليمنية في الشهري أنه المسؤول الأول عن إدارة "العناصر الإرهابية" من حاملي الجنسية السعودية، و القائد الفعلي للتنظيم في جزيرة العرب، واحد العناصر القيادية البارزة التي كان لها دور بارز في التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، في يناير الماضي، قال مدير مركز دراسات الخليج العاني مدير مركز دراسات الخليج حول مسائل الامن والارهاب "ان الشهري كان القائد الفعلي لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب. كان رجلاً ميدانياً يخطط عمليات التنظيم ويشرف عليها في اليمن والسعودية وفي اماكن اخرى من العالم".
"غيابه (الشهري) يعتبر حتى اكثر اهمية من غياب اسامة بن لادن (..) تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو الانشط والوحيد الذي يحمل التهديد الى داخل الولاياتالمتحدة" أضاف العاني.
واعتقل الشهري، المولود في سبتمبر 1973، منتصف عام 2002 من قبل قوات أمريكية، على الحدود الباكستانية الافغانية، ونقل إلى معتقل جوانتانامو.. ودافع الشهري عن نفسه في مواجهة التهم الامريكية المنسوبة إليه، إذ كان يصر على أنه عامل إغاثة كان يعمل في إطار الهلال الاحمر الافغاني بعد هجمات 11 سبتمبر، لتقديم المساعدة الانسانية للمدنيين. تمسك الشهري بموقفه بعدم وجود أي صلة له بتنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، وكان كثيراً ما يؤكد في جلسات محاكمته العسكرية « أنا مجرد مسلم ولست إرهابياً» وأنه وقع في الأسر من طريق الخطأ، لتفرج عنه السلطات الامريكية نهاية عام 2007، وتسلمه للسلطات السعودية.
وخضع الشهري لبرنامج المناصحة، الخاص بإعادة تأهيل العناصر المتطرفة، في مركز خاص بالرياض، قبل أن يختفي، بعد أن تمكن على ما يبدو، من اقناع السلطات السعودية، باستيعابه لمضمون البرنامج ويظهر مطلع عام 2009 في تسجيل مرئي إلى جانب ناصر الوحيشي ليعلنا دمج فرعي تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية، في إطار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب..
تنظيم الشهري.. تهديد يتعدى الحدود والقارات يتصدر الشهري قائمة المطلوبين الأمنيين للسلطات اليمنية والسعودية، والأمريكية، معاً، وتتهمه حكومات الدول الثلاث بالمسؤولية عن التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية تتعدى الحدود اليمنية..
ويتهم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بالمسؤولية عن محاولة فاشلة تفجير طائرة مدنية أمريكية تزامناً مع احتفالات عيد الميلاد عام 2009، بواسطة النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب.. كما تبنى التنظيم في نوفمبر 2010 ارسال طرود مفخخة وجدت على متن طائرات شحن متوجهة الى الولاياتالمتحدة..
وأعادت الحادثتان تسليط الضوء إلى مستوى خطورة التنظيم في اليمن، وقدرته على تجاوز الحدود وتنفيذ هجمات نوعية، ما جعله يصنف في قائمة فروع القاعدة التي تهدد الأمن العالمي..
وقبل ذلك، فشلت محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، في اغسطس 2009، عبر هاتف محمول يحوي مواداً متفجرة كان يحمله شاب سعودي اتصل بالأمير السعودي، وأبدى عزمه تسليم نفسه واعلان التوبة عن الانخراط في الاعمال المسلحة..
وهذا الشاب، هو شقيق ابراهيم عسيري، الذي يشار إليه باعتباره خبير المتفجرات في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والمسؤول عن تجهيز المواد والطرود المتفجرة، وقنابل الملابس الداخلية التي أعلن عن كشفها في مايو 2012، وتشير الأنباء أن الشهري، كان هو من استقطب عسيري للانخراط في صفوف تنظيم القاعدة في اليمن..
وعسيري هو أبرز المرشحين لخلافة الشهري، حال مقتله، وفقاً لمهتمين في شؤون القاعدة.
آخر ظهور.. وعيد بحرب استنزاف وعصابات مفتوحة وكان آخر ظهور صوتي للشهري في أكتوبر العام الماضي لينفي أنباء عن مقتله بغارة جوية حينها، و دافع في تسجيله ذاك عن تكتيكات القاعدة وانسحابها من محافظة أبين وعزان بمحافظة شبوة، ومناطق اخرى سيطرت عليها جماعة تابعة للقاعدة تطلق على نفسها انصار الشريعة في مايو 2011، وأعلنت اقامة امارة اسلامية فيها..
وتتهم السلطات اليمنية الشهري بالمشاركة في قيادة المعارك في مواجهة الجيش في أبين وأنه القائد العسكري والتنفيذي "للعناصر الإرهابية" أثناء تلك المواجهات.
وشنت قوات الجيش حملة عسكرية واسعة افضت منتصف عام 2012 إلى انهاء سيطرة انصار الشريعة على المناطق التي كانت تسيطر عليها، وقال الشهري في تسجيله الصوتي إن الانسحاب من أبينوشبوة وعزان، من ضروريات الصراع، ومراحل حرب العصابات والكر والفر، مشيراً أن الحرب بين تنظيم القاعدة وأنصار الديمقراطية الظالمة مستمرة «بتكتيك حرب الاستنزاف».
بانتظار الولادة الجديدة.. أو النهاية وفي ظل غياب الأدلة القطعية أو الملموسة التي تؤكد الرواية الرسمية بمقتل الشهري، سيكون التسجيل الصوتي المنتظر لسعيد الشهري، دليلاً كافياً إلى حد كبير ببقاء الرجل على قيد الحياة، بيد أنه ليس كافياً للتأكيد على عافيته..
فالتنظيم الذي دأب على نشر تسجيلات مرئية لقياداته البارزة سواء لنفي خبر مقتلهم أو اصابتهم، أو لتحديد مواقفهم واستراتيجياتهم وتوجيه قواعدهم وخلاياهم، سيواجه تشكيكات مختلفة، سواء حول صحة التسجيلات الصوتية، أو حول سلامة قيادات الصف الأول فيه..
في أحسن الأحوال، وإذا ما نشر تسجيل صوتي، فإنه سيبعث بإشارات على مستوى التضييق الأمني، على نشاط وتحركات قيادات القاعدة، وتفاقم هواجسها في القيود المفروضة على حريتها في استخدام الوسائط، كما كانت تعمل في السابق، دون أن تفضي إلى كشف أماكنها وتعريضها للخطر، خصوصاً في ظل استمرار نشاط الطائرات الأمريكية بدون طيار في الأجواء اليمنية، وتنفيذ ضربات ضد اهداف محتملة لتنظيم القاعدة..
وحتى يصدر التسجيل سيبقى التساؤل قائماً.. هل يكتب للشهري حياة ثالثة في غضون ثلاث سنوات، ورابعة في سني عمره الأربعين، أم ان نهايته الفعلية كانت تلك التي أعلنت مطلع العام الجاري، متأثراً بإصابته في أواخر نوفمبر الماضي في صعدة؟!