حلت على هذه البلاد لعنة الخبطات التي لخبطت حياة الناس وعجنتها عجين. لا شيء يمكنه البقاء على حاله ناهيك عن إمكانية التقدم إلى الأمام، ما إن يرفع أحدنا قدمه ليخطو إلى الأمام حتى تجره خبطة إلى الوراء ويقع على وجهه.
لم يكن كلفوت هو أول من دشن الخبطات حين ألقى بها على خط الكهرباء في مارب، لكنها فكرة قديمة يبدو أن لها أصولا تعود إلى فترة تدمير سد مارب وأن خبطة ألقى بها كلفوت الأول على السد، ما أدى إلى إحداث خرق كان سببا في تدميره كلياً وليس الفأر وحده مسؤولا عن هذه الفعلة التاريخية.
هي ذاتها الخبطة التي جلدنا بها علي صالح طوال العقود الماضية بعد أن خبطنا الأئمة لما يزيد عن ألف عام كانت كارثية على هذه البلاد بكل المقاييس.
ما إن تبدأ حياتنا في العودة إلى وضعها الطبيعي حتى تأتي خبطة لتلخبط كل شيء.
اعتذر معظم الكتاب في الصحيفة عن إرسال مقالاتهم خلال الأيام الثلاثة الماضية بسبب الخبطة التي أطفأت الكهرباء مؤخراً، كان زميلي يصحح لي الأمر بأن انقطاع الكهرباء عن العاصمة هذه المرة ليس بسبب خبطة، لكن لم يعد مهما، فلا فرق بين خبطة وطلقة من كلاشنكوف أو قذيفة آ ربي جي. المهم أن الكهرباء خبطت وصار أكثر من مليوني مواطن يعيشون في ظلام دامس.
من يخرجنا من هذه الدوامة التي باتت تقلق حياة الناس وتضاعف من الكآبة المخيمة على شعب لم ترتسم على محياه ابتسامة كاملة، وهي ذاتها الدوامة التي تغرق فيها حكومة لم تعد قادرة على استيضاح ما الذي عليها فعله تجاه العبث الذي يطال حياة 25 مليون مواطن قذفت بهم الأقدار إلى هذه الرقعة الجغرافية الطافحة بالشقاء والبؤس، ومن سخرية القدر أنها كانت تعرف قديما بالعربية السعيدة.
في آخر اجتماع للحكومة تحول شلة من الوزراء إلى كلافيت يدافعون عن الكلفوت الأكبر المتخصص في الاعتداء على خطوط الكهرباء وتصدير الظلام الى العاصمة صنعاء.
كان حمود عباد وعدد من زملائه رؤوفين جدا بمخربي الكهرباء وعبروا بقوة عن استيائهم من بوادر حزم ظهرت من زملاء لهم تجاه المخربين ودعوات الى التعاطي مع هذا الملف بصرامة.
نعلم جيداً أن القوة وحدها لا تكفي لإنهاء مهزلة الاعتداء على الكهرباء وأنابيب النفط، بقدر الحاجة إلى إعادة النظر في طريقة التعاطي مع هذه المشكلة وإنهاء سمسرة بعض القيادات الأمنية والعسكرية في مارب مع من يمتهنون التخريب كمصدر للرزق.
إلا أننا نعلم أيضاً أن عباد وزملاءه من مخلفات الحقبة العفنة لم يتمكنوا من مغادرة الماضي، ولا تزال تأسرهم علاقة الحميمية التي انتهجها مولاهم الأكبر مع المخربين وقطاع الطرق.
وبالتالي لا يمكننا التخلص من شبح كلفوت المترصد لخطوط الكهرباء في وديان وصحارى مأرب حتى نتخلص من عصابة الكلافيت بشقيها المدني والعسكري، السياسي والاقتصادي، الضاربة بجذورها بقوة في كل مفاصل الدولة.