في السابع من نوفمبر 2007 صدر العدد الأول من صحيفة "المصدر". وفي الأسبوع نفسه من العام 2009 كنا نعدّ للاحتفال بمرور عامين على الإصدار. غير أن السلطات كان لها رأي آخر: تحويل الاحتفال المفترض إلى "مأتم". في 31 من أكتوبر الماضي –أي قبل أسبوع من الذكرى 2 للإصدار- أصدرت محكمة الصحافة المتخصصة حكماً غير مسبوق –ربما- في تاريخ الصحافة اليمنية.
الحكم الذي قوبل باستنكار محلي ودولي واسع، قضى بمعاقبة الزميل سمير جبران رئيس التحرير -بالسجن عاماً مع وقف التنفيذ- وحرمانه من أن يكون رئيس تحرير أو مدير تحرير أو ناشراً أو محرراً لإحدى الصحف لمدة سنة كاملة، كما قضى بمعاقبة الزميل منير الماوري –الكاتب في الصحيفة- بالسجن سنتين، وحرمانه من مزاولة مهنة الصحافة بصفة دائمة. وجاء ذلك الحكم بعد إدانة الزميلين بإهانة رئيس الدولة على خلفية مقال نشر في العدد 52 من الصحيفة.
كما هو واضح، فالحكم صدر ضد الزميلين –رئيس التحرير والكاتب- ولا علاقة له بالصحيفة من قريب أو بعيد، لكن وزارة الإعلام التقطته وأصدرت توجيهاتها إلى مطابع الثورة بمنع طباعة "المصدر" بحجة تنفيذ الحكم!
أمضينا أكثر من شهرين في أروقة الوزارة والمحكمة والنيابة ونحن نحاول الإقناع بأن قرار منع طباعة الصحيفة "تعسفي" باعتبار أن الحكم لم يتطرق لها بتاتاً، ونحاول أيضاً معرفة الأساس الذي استندت إليه الوزارة في توجيهاتها تلك، غير أننا لم نكن نجد سوى "المماطلة" و"التهرب"!
بعد تصعيد وضغط محلي ودولي، أفصحت وزارة الإعلام لمنظمة هيومن رايتس أن توجيهاتها استندت إلى فقرة منع رئيس التحرير من أن يكون ناشراً أيضاً، وفسرت الناشر بأنه المالك، وطبقاً لذلك التفسير فإن مالك الصحيفة الذي هو جبران لم يعد بإمكانه أن يكون مالكاً لصحيفته لمدة عام، بل لا يحق له تعيين رئيس تحرير جديد، وعليه إما التنازل عن الملكية أو الصبر لمدة عام (مدة المنع) واستئناف التملك والإصدار!
صدرت تلك التوجيهات على الرغم من أننا، ومنذ الأسبوع الأول لصدور الحكم، التزمنا بتنفيذه –رغم استئنافنا له- لأنه مشمول بالنفاذ المعجل، وتم تعيين رئيس تحرير جديد وتطبيق الفقرات الأخرى من الحكم.. لكن ذلك لم يقنع الوزارة.
النصوص القانونية، والقاضي الذي أصدر الحكم، وخبراء قانونيون، أكدوا أن لفظ الناشر لا يعني المالك طبقاً لما توضحه نصوص عدة في قانون الصحافة والمطبوعات. بيد أن وزارة الإعلام أصرت على موقفها وتعسفها! استطعنا بعد جهد كبير ووقت طويل –قارب الثلاثة أشهر- الوصول إلى اتفاق على العودة إلى قاضي محكمة الصحافة الذي أصدر الحكم لتفسير ذلك اللفظ على اعتبار أنه هو من حكم ويعرف ماذا يعني بحكمه وإلى أي نصوص قانونية استند!
الأحد الماضي، عقدت محكمة الصحافة جلسة مخصصة لهذا الغرض بناءً على طلب تفسير قدم لها، وأقرت المحكمة ما كنا نراه صحيحاً ونطالب به منذ صدور الحكم، وأكدت في قرارها "أن ملكية الصحيفة لا تدخل ضمن عبارة الناشر" وفقاً لتعريفها في المادة 2 من قانون الصحافة.
إذاً فإن منع الصحيفة عن الصدور أكثر من 8 أعداد ولمدة جاوزت الشهرين كان غير قانوني، وبدا كما لو أنه عقاب إضافي للصحيفة، أو كما نقل أحد العارفين، كان بمثابة "درس" بسبب أسلوبها وأدائها المهني وسياستها التي انتهجتها منذ بداية صدروها.
لقد عاشت "المصدر" وطاقمها أياماً عصيبة الفترة الماضية تحولوا فيها من صحافيين إلى كتاب بيانات، فضلاً عن أن الإيقاف التعسفي تسبب بضرر فادح مادياً ومعنوياً، لكنها –وبفضل الله ثم بمساندة كثيرين- استطاعت أن تصمد وتتجاوز هذه المحنة. وإننا إذ نعاود الصدور، نؤكد أن "المصدر" ماضية في سياستها ونهجها المشهود له بالمهنية، وسنعمل على تطوير أدائها كما عودنا القارئ.
وبرغم كل المعاناة التي عشناها من هذه الجهة أو تلك، والمآخذ التي يمكن تسجليها، فإننا نشكر كل من وقف معنا وساندنا بأي شكل وفي مقدمة هؤلاء القراء الكرام، والزملاء في الوسط الصحفي، ونقابة الصحفيين، كما نشكر التعاون المتأخر الذي أبدته وزارة الإعلام ممثلة بالأستاذ حسن اللوزي وزير الإعلام ووكيل الوزارة الأستاذ محمد شاهر حسن، ونشكر وكيل نيابة الصحافة الأستاذ عبدالعظيم الردمي، ورئيس محكمة الصحافة القاضي منصور شائع الذي فسر الحكم كما أراده المشرع رغم اعتراضنا على مضمونه وطعننا فيه.
ونحن نكاد نتجاوز هذه المرحلة العصيبة في "المصدر" فإننا لا ننسى ما تعيشه الصحافة اليمنية هذه المرحلة، وتحديداً ما تتعرض له الزميلة "الأيام" وإدارتها وطاقمها من محنة استثنائية، وفي هذا الصدد ندين ما تتعرض له، وندعو لإيقاف الممارسات الجائرة بحقها ومنحها الحق في الصدور وحق كوادرها في العمل والحياة، كما لا ننسى زميل مهنة الزميل محمد المقالح الذي اختطف منذ عدة أشهر ويعيش خلف القضبان حتى اللحظة دون أن توجه له أي تهمة، وندعو إلى الإفراج الفوري عنه وإعادته لأسرته وأطفاله، كما ندعو أيضاً للإفراج عن بقية الزملاء المعتقلين.
وإذ ندين هذا النشاط العدائي الممنهج الذي درجت السلطات على تبنيه منذ منتصف العام الماضي، ننبه إلى خطورة لجوء السلطات إلى تقديم الصحافة والصحافيين قرابين أمام العواصف العاتية بالبلد.
ونعتقد أنه إذا لم يتكاتف الوسط الصحفي ومعه المجتمع ضد هذا السلوك فإننا سنشهد فترة أكثر سوداوية للصحافة قد تكون مقدمة لإسدال الستار على فصل مضيء في حياة الصحافة اليمنية!