نشأت «مؤسسة القدس الدولية» عقب تدنيس شارون للمسجد الأقصى في عام 2000، عندما شهدت الأراضي الفلسطينيةالمحتلة الانتفاضة، وشهدت الأقطار العربية والإسلامية تلك الهبة المعروفة، بعدها عقد مؤتمر في بيروت كان من نتائج هذا المؤتمر هو تأسيس «مؤسسة القدس الدولية» للعمل على دعم المقدسيين، وحماية المقدسات في المدينة، واليوم لها عدة فروع منها في مصر، واليمن، والسودان، جنوب أفريقيا، والجزائر، وغزة، وجزر القمر، وماليزيا، والكويت، وغيرها من البلدان. التقى «المصدر أونلاين» المدير التنفيذي لمؤسسة القدس الدولية، ياسين حمود، وبحثت معه الأوضاع في مدينة القدس وحال المسجد الأقصى، وما يتعرضا له في ظل الاحتلال.. فإلى نص الحوار:
حاوره: عدنان الشهاب
• عرفنا عن أهداف مؤسسة القدس؟ • هدف المؤسسة الرئيس هو تثبيت أهلنا في بيت المقدس، والحفاظ على هوية القدس الإسلامية العربية، ودعمهم بما يثبتهم في أرضهم في مواجهة الاحتلال. أيضا تسعى المؤسسة إلى تعريف العرب والمسلمين بما يجري من أحداث في بيت المقدس. فهي تصدر التقارير والأبحاث والأخبار اليومية والأسبوعية والفصلية والسنوية، وتعقد مؤتمراتها في أكثر من بلد، لاستنهاض الأمة. ويجمعها مجموعة من الروابط؛ منها «شباب من أجل القدس، علماء من أجل القدس، إعلاميون من أجل القدس، مهندسون لأجل القدس، نساء لأجل القدس، رجال أعمال لأجل القدس». أيضا تسعى بمساعدة أهل الخير إلى تحسس حاجة أهلنا في مدينة القدس وتحويلها إلى مشاريع، مثل: ترميم البيوت، المدارس، البنى التحية، القطاع الصحي، والتعليمي، قطاع المقدسات.
• ما هي أبرز الأخطار التي تهدد وجود المسجد الأقصى؟ - المسجد الأقصى اليوم حقيقة يعيش في أحلك الظروف، الصهاينة وضعوا مخططاً لتحويل المدينة إلى مدينة أخرى؛ هي «أورشليم» اليهودية العبرية، يريدون تهويد القدس ثقافياً وحضارياً، وديموغرافياً، وإنسانياً، وأثرياً في كل نواحي الحياة، يريدون تغيير وجه المدينة من مدينة إسلامية وعربية إلى مدينة يهودية توراتية. الآن يقومون بعدّة أمور، سبب وجود المؤسسة هو اعتداء شارون على المسجد الأقصى، أحد الأبحاث، التي رصدنا فيها انتهاك سُلطات الاحتلال واليهود للمسجد الأقصى، وجدنا أنه في العام 2012، كان المعدل اليومي لدخول المستوطنين والسياح الأجانب والجنود 810 أشخاص. في عام 2012، تكثيف غير مسبوق للوجود اليهودي، كان هناك 6881 مستوطناً اقتحموا المسجد الأقصى، 3950 جندياً باللباس العسكري، 284906 أشخاص من السياح الأجانب يهود وغير يهود اقتحموا المسجد الأقصى، أي بمعدل 810 أشخاص يدخلون المسجد يومياً.
المخاطر التي تحيط بالمسجد هي محاولة اليهود انتزاع الحصرية الإسلامية، يريدون أن يكون المسجد الأقصى تابعاً لسلطات الاحتلال بدلاً من الأوقاف الإسلامية، ولهذا قدم أحد نواب الكنيست مشروعاً يطلب فيه تقسيم المسجد الأقصى زمنياً بين المسلمين واليهود (9 ساعات للمسلمين ومثلها لليهود)، يوم للمسلمين لا يشاركهم اليهود، ويوم لليهود لا يشاركهم المسلمون.
الأمر الثاني كثرة الانتهاكات التي يتعرّض لها المسجد الأقصى، وهو أمر خطير جداً حتى تعتاد عليه العين العربية والمسلمة ثم يصبح معتاداً عليه فلا تتحرك الأمّة عند حدوث أي انتهاك.
الأمر الآخر، تغيير محيط المسجد الأقصى، سابقاً عندما كنت تنظر باتجاه المسجد الأقصى من هضبة عالية ترى المقدّسات الإسلامية، اليوم هناك محاولة لزرع عددٍ من الكنس في محيط المسجد الأقصى. ففي 2012، تم إقرار بيت الجوهر (كنيس يهودي في أقصى غرب ساحة البراق)، وهناك كنيس «جوهرة إسرائيل»، الذي لا تفصله سوى 200 متر عن المسجد الأقصى، ومركز «جيفعاتي»، وهو أكبر مركز تهويدي على أسوار البلدة القديمة، هذه جُزءٌ من الأخطار المحيطة بالمسجد الأقصى، بحيث لا تكون هناك هوية عربية وإسلامية في محيطه. أيضا هناك الأنفاق والحفريات التي تخترق أساسات المسجد الأقصى، رصدنا أكثر من أربعين حفرية تحت المسجد الأقصى وفي محيطه. اليهود يسعون لبناء مدينة يهودية متكاملة أسفل المسجد الأقصى، وفي محيطه، تشترك مع البلدة القديمة في المركز، وتتسع أكثر، بحيث تكون مدينة سياحية للسياح اليهود والأجانب، يستهدفون من وراء ذلك زيارة 15 مليون سائح في العام.
الخطر الكبير هو الضغط على سكان المدينة لترحيلهم عنها، يتمثل ذلك في هدم البيوت، قطاع التعليم المُتهالك في القدس التي تحاول بلدية الاحتلال أن تسيطر عليه، البيوت المتهالكة في البلدة القديمة، هذا المواطن المقدسي إذا لم يجد بيتاً يسكن فيه، إذا لم يجد صفاً لولده يتعلّم فيه أكيد سيترك منزله، إذا تم إخلاء القدس من أهلها فسيكون المسجد الأقصى وحيداً وسيكون في عين الخطر.
• كيف يعيشون المقدسيون في ظل الانتهاكات الصهيونية؟ - أهل القدس يُعانون مُعاناة شديدة. اليوم مدينة القدس هي في عين الخطر وفي قلبها المسجد الأقصى، مُعاناة متكررة، منها فرض الضرائب الباهظة عليهم. هناك سبعة أنواع من الضرائب المفروضة على أهلنا في القدس، أكثرها شهرة وإيلاماً ضريبة «الأرمونة»؛ أي «المسقفات»، زادت قيمتها هذا العام. الأمر الثاني الحياة المعيشة غالية جداً وباهظة جداً، ودخل أهلنا قليل، ولهذا تجد أن أكثر من 70% تحت خط الفقر، وأكثر من 84% مدينون لبلدية الاحتلال. الأمر الثالث أن مدينة القدس تُعاني من قلة الغرف الصفية؛ قطاع التعليم يعاني مُعاناة شديدة جداً، هناك نقص حوالي 2000 غرفة صفية، إضافة إلى أن أكثر من 50% من مدارس القدس التابعة للأوقاف الإسلامية في بنايات لا تصلح أن تكون مدارس أصلاً.
الأمر الثاني عند احتلالهم للقدس قاموا بمحاولة لتخفيض عدد سكان القدس من خلال إجراء إحصاء، فكل من كان خارج المدينة لم يسمح له بالعودة. المقدسيون يحملون بطاقة زرقاء، عبارة عن إقامة مؤقتة، وهم أهل المدينة؛ لا يعتبرون مواطنين إسرائيليين ولا أردنيين ولا فلسطينيين؛ لأن الأردن فك ارتباطه بالضفة، والسلطة الفلسطينية أجلت موضوع القدس إلى ملفات الحل النهائي، والصهاينة لا يريدون أن يعترفوا بأن هؤلاء مواطنون عندهم، ووضعوا شروطاً تعجيزية لتجديد الإقامة. هناك قانون يُسمى قانون «القدس مركز الحياة»؛ فإذا غاب المواطن المقدسي عن البلد يفقد إقامته؛ إذا لم يثبت أن القدس مركز حياته، بمعنى أنه يسكن في القدس، أبناؤه يدرسون في القدس، يدفع الضرائب، عنده تأمين صحي، أو قد يحرم من حق الإقامة، إضافة إلى «جدار الفصل العنصري»، الذي يشق المدينة، وحاول الصهاينة إخراج الكتل السكانية الكبيرة خارج المدينة، مُعاناة ثانية عندما أقاموا الجدار جعلوا بوابتين، رأس خميس، وشعفاط. في الفترة الأخيرة أغلقوا بوابة «رأس خميس»، وأبقوا «شعفاط»، وأعلنوها معبراً دولياً، أي أن هؤلاء المقدسيين خارج الجدار ربّما في يوم من الأيام يفقدون حقهم في الإقامة، هذا بعض من المُعاناة.
• في القمة العربية الأخيرة بالدوحة أعلن الحُكام العرب عن تبرع بمليار دولار للقدس؛ هل تصل للقدس؟ وهل للمؤسسة علاقة بتلك التبرعات؟ - قبل أن أتحدث عن هذا الأمر، أقول عندما تحدثت عن مشروع تهويدي للمدينة من قبل سلطات الكيان الصهيوني «إذا كل العرب أرادوا أن يتبرعوا بمليار دولار، ونأمل أن يوفوا بالتزاماتهم، مع الأسف أنهم عودونا أن مثل هذه التبرعات تبقى وعوداً فقط، ففي قمة سرت في ليبيا تبرعوا ب500 مليون دولار، لكن بعد مرور أربع سنوات لم يصل إلى أهلنا في القدس أو للسلطة الفلسطينية سوى 40 مليون دولار فقط، اليوم نسمع بهذا الكلام، أنا أريد أن أقول للقُراء الكرام عبر موقعكم الإلكتروني إن ميزانية بلدية الاحتلال في عام 2012 بلغت 2 مليار دولار، وليست وعوداً، وإنما تنفّذ على أرض الواقع.أقول لك في عام 2012، ما وصل إلى أهلنا في القدس لا يتجاوز 50 مليون دولار، قد يكون نصفها من الاتحاد الأوربي. نأمل أن تكون الوعود التي أُطلقت في قمة الدوحة حقيقية، وأعتقد بأن الخير في الأمّة كثير، وآمل أن ما حدث في العالم العربي أن يكون قد غيّر من سياسة الحكومات العربية تجاه مدينة القدس، وأن تترجم هذه فعلياً من أجل دعم أهلنا في القدس، ونرى لها أثراً في تثبيت أهلنا في القدس.
• الإسرائيليون أقدموا قبل أيام على اعتداء جديد على المدينة، تمثل في لقاء السفير الكندي في القدس؟ - على الصعيد السياسي - مع الأسف - الموقف الأوروبي متماشٍ مع الموقف الأمريكي مع القدس، حتى مع القدس السياسي كلياً. ورأينا زيارة أوباما لم ينتج عنها شيء، كل الوعود لم يُترجم منها شيء.
اليوم الإدارة الأمريكية متماهية إلى أبعد حدود، وهي تسترضي الكيان الصهيوني في كل مواقفه، بحيث تتعاطف معه، ويطلب من الفلسطينيين التفاوض معه دون الحديث عن موضوع الاستيطان.
الموقف الإسرائيلي يؤكد يوماً بعد يوم أنه لا يعني القانون له شيئاً، لا تعني الضغوط له شيئاً، الاتحاد الأوربي نسمع له أحياناً إدانات حول الاستيطان، لكن الترجمة الحقيقية للأمر الواقعي والعملي من خلال ما نرى فهو يقول «أنا ضد الاستيطان» وتعامله مع المستوطنات. خلال العام 2012، كان التعامل التجاري مع الكيان الصهيوني بزيادة 15 ضعفاً عن التعامل مع الفلسطينيين، ويجب على هؤلاء أن يعودوا إلى ضمائرهم إن كان لديهم ضمير، يجب أن يعودوا إلى القانون الدولي، القدس مدينة محتلة تنطبق محتلة على القانون الدولي، وقرارات جنيف في الاتفاقية الرابعة، كل هذا لا يبرر للأمريكان والأوربيين، والكنديين أن يأتوا إلى مدينة القدس؛ لأنها مدينة محتلة.
• الأوضاع في الوطن بعد «الربيع العربي»، هل أثّر على أداء مؤسسة القدس الدولية؟ - عندما انطلقت هذه الثورات استبشرنا خيراً، ولا زلنا، بأن هذا الربيع سيأتي يوماً وتتفتح أزهاره في مدينة القدس، ونحن منذ بداية الثورات العربية رأينا في ساحات التحرير وميادين التحرير أعلام فلسطين ترفرف، ورأينا وعود هذه الشعوب تجاه فلسطين. صحيح أن كثيراً من هذه الدول التي جرى فيها التغيير اشتغلت في ظروفها الداخلية، ونحن لا نقول إن الاشتغال في الظروف الداخلية، ووجود القلاقل في هذا الدول، جاء عبثاً، وإنما ربما كان مرتباً لصرف هذه الأمّة عن قضيتها الأولى القدس.
نحن إلى الآن لم نرَ شيئاً عملياً بالشكل المطلوب، لكننا نأمل أن قادم الأيام سيكون له أثره على أهلنا في مدينة القدس من خلال التغييرات في الوطن العربي.
• ما تقييمك لأداء الإعلام العربي بقضية القدس خاصة مع ثورات الربيع العربية؟ - للأسف، الإعلام يبحث عن الخبر الجاذب للنفس، يبحث عن موقع الحدث، ولو فكر الإعلاميون قليلاً لرأوا أن ما يجري في القدس معركة حقيقية لا تقل أهمية وخُطورة عمّا يجري حتى في ساحة التغيير وغيرها من البلدان التي تشهد حروباً وغيرها، لكن –للأسف- المشاهد العربي أصبح يتأثر فقط بمناظر الدماء. أنا أقول إن في القدس معركة حقيقية تجري على البشر والحجر والشجر والمقدسات، فنحن نوجّه صرخة إلى كل الإعلاميين أن يعطوا مدينة القدس حقها؛ لأن ما يجري فيها يجعلها تستاهل أن تكون في مقدمات أخبار وسائل الإعلام العربي، ونحن في المؤسسة عندنا موقع إعلامي ننقل عبره أخباراً شبه يومية، وتقريراً أسبوعياً وفصلية وسنوية موجودة في الموقع. آمل أن تنشروه في صحيفتكم ليستفيد منه القُراء، ويكونوا على اطلاع بما يجري في مدينة القدس من أحداث.
• معركة الأمعاء الخاوية، هل ترى أنها ستكون بداية لانتفاضة ثالثة؟ - أعتقد بأن هذه واحدة من وسائل الجهاد والنضال التي يبتكرها أبناء شعبنا، أبناء شعبنا لن يسكتوا يوماً عن حقهم في القدس والضفة وفي غزة، في أراضي 48، وفي الشتات في البلاد العربية، الفلسطينيون لن يسكتوا عن حقهم، وكذلك المقدسيون. وأسرانا لن يسكتوا كذلك، هذا ابتكار جديد لشعبنا في المقاومة، آمل أن تكون بداية جديدة لتحريك ضمائر الشعوب والحُكام ما يجري من انتهاكات في مدينة القدس وللمقدسات ومن ضغط على أهلنا في الضفة الغربية، ستكون بداية جدية لانتفاضة جديدة - إن شاء الله.
• هل لك أن تلخص لنا زيارتك إلى اليمن؟ - في الأساس، نحن قدمنا إلى اليمن بمباركة الشيخ حميد الأحمر بمناسبة زواج نجليه «محمد، وعبدالله»، والشيخ حميد هو رئيس مجلس إدارة مؤسسة «القدس» الدولية، وهو وإخوانه كما كان والدهم من الداعمين الأساسيين لقضية القدسوفلسطين، وواجب علينا أن نشارك هذه العائلة الكريمة في مثل هذه المناسبة، لا شك أننا استفدنا من وجودنا في اليمن بالقيام ببعض الزيارات لأهل اليمن من مؤسسات ومسؤولين نضعهم في آخر أجواء مدينة القدس.
• واجب الأمة نحو القدس؟ - أن تبقى القدس حاضرة في أذهانها، وأن تترجم هذه العاطفة الجياشة إلى ترجمة عملية في دعم المقدسيين لتثبيتهم، والضغط على الحُكام للوقوف في وجه الصلف الصهيوني، بإمكان الأمة أن تعمل الكثير، ونحن نعول على أبناء الأمة في أن تقف إلى جانب فلسطينوالقدس.
• هل من مبشرات؟ أولا عندما نستمع لأهلنا في مدينة القدس نرى أن من أهم المبشرات هو صمودهم رغم كل شيء، في القدس العين تقابلها المخرز، ومع ذلك هم ثابتون، متجذرون في أرضهم، ولن يتخلوا عنها، عندما رأينا النساء في الشهر الماضي يدافعن عن حُرمة المسجد الأقصى في وجه الصهاينة المدججين بالسلاح، عندما نرى الأطفال واقفين شامخين في وجه الدبابات الإسرائيلية، هذه كلها من المبشرات التي تطمئننا بأن قدسنا لن يضيع، وأن عودتنا إليها قريبة.