اتكأ كهل على عجلات سيارة متهالكة وسط شارع الخمسين جنوب غرب العاصمة اليمنية صنعاء، وبإنصات تام كان يستمع للخطيب وهو يناجي: «يا رئيسنا أنصفنا، أنت شجاع وستستعيد أراضينا في بني مطر من أيدي قوات الجيش». كان الخطيب يمسح باضطراب العرق المتصبب على جبينه ورقبته من لفحات الشمس في الظهيرة، بعد أن صار مداوماً كل جمعة على إلقاء خطب مكررة الأفكار أمام عشرات من القرويين، وهو يشكو علة استمرار غزو قوات ما كانت تعرف بالحرس الجمهوري لأراضيهم.
الكهل الذي اختصر اسمه ب«علي»، قال إنه اعتاد على حضور الجمعة، «نجي هانا كل جمعة ونستمع للخطبة، يمكن توصل شكوانا للريس (للرئيس)، وما نشتيش نستخدم السلاح أبداً».
ومنحت الانتفاضة الشعبية التي اندلعت منتصف يناير قبل عامين اعتباراً لجدوى التعبير بالاحتجاج السلمي لدى رجال القبائل وفي السلك العسكري عبر المظاهرات أو إقامة صلوات في الشوارع، ورفع اليافطات التي تعبر عن المطالب، بدلاً عن استخدام أدوات القوة.
وتبدو مساحات ممتدة في جبال تطل على جزء من شوارع العاصمة صنعاء، مقسمة بأحجار، وكانت قوات ما كانت تُعرف بالحرس الجمهوري بسطت عليها حسب إفادات قرويين.
ويقدر المحتجون من أهالي قرى بني مطر، مساحة الأراضي التي بسط عليها الحرس سابقاً، بخمسين ألف «لبنة» وهي وحدة قياس شعبية تساوي الواحدة منها 44 متراً مربعا. ويقول الأهالي ان ضباط الحرس استولوا على تلك المساحات بالجرافات، واستقووا بإنزال جنود ومدرعات لترهيب ملاك الأراضي.
وقال رجل يبدو أن عمره تجاوز الخمسين عاماً داخل «باص» صغير في شارع الخمسين بأسى ل«المصدر أونلاين»: «قيادة الحرس نهبت أراضينا، ومنحت بعض ملاك الأراضي مقابلها مبلغاً زهيداً».
وأضاف: «أرغمت قيادة الحرس بعض أهالي قريتي منحها بعض الأراضي مقابل أسعار مناسبة، وأنها ستقدم الأراضي لأسر شهداء (الحرس)، لكننا اكتشفنا أن الضباط الكبار اقتسموها، واحتالوا علينا فلا منحونا السعر الذي يرضينا ولا وزعوا تلك الأراضي لأسر الشهداء»، قالها مبتسماً وهو يحاول إخفاء دموعه.
لكن الاحتجاج الذي لا يأخذ مساحة كبيرة في التغطيات الصحفية، ما يزال مستمراً، وتطغى مشاعر الأمل لدى المحتجين بإنصاف شكواهم.
ودفع السكان في بني مطر، وهي قرية تقع في الجنوب الغربي لصنعاء، الثمن حينما قتل جنود وضباط من «الحرس» شاباً يتحدث عنه القرويون بأنه كان شجاعاً يدعى «جمال علي القرماني»، أواخر شهر ديسمبر العام الماضي.
وترفع احتجاجات أهالي بني مطر صورة شاب وهو يرتدي الملابس التقليدية، مذيلة بتعريف «الشهيد الشيخ جمال علي أحمد القرماني، استشهد برصاص عصابة ضباط الحرس الجمهوري الذين نهبوا أراضي الموطنين في قرية قرمان – بني مطر»، وبجانبها يافطة تقول «أكبر إرهاب، قتل النفس ونهب أراضي المواطنين».
لكن أكثر من شكوى قدمها القرويون إلى جهات رسمية متعددة ببسط قيادة الحرس سابقاً على أراضيهم لم تجد أي استجابة تذكر، سوى وصمها بتوقيعات مسؤولي الحكومة، بالمطالبة بالنظر للشكوى ومعالجتها.
وتفيد شكوى بتاريخ 6 يونيو من العام الماضي عليها توقيع وزير الداخلية الدكتور عبدالقادر قحطان وأخطرها إلى وزير الدفاع بالنظر إلى الشكوى، واتخاذ الإجراءات لإنصاف المظلومين، بيد أن تلك الإجراءات لم تجد طريقها للتنفيذ.
ومذكرة رسمية أخرى موقعة من مدير عام ديوان وزارة الدفاع، أرسلت إلى قيادة «الحرس الجمهوري» سابقاً، أمرتها بالإطلاع والإفادة بشأن شكوى الاعتداءات على أراضِ أهالي قرية بني قرمان، دون جدوى، حسب أهالي القرية.
وكان الرئيس عبدربه منصور هادي أصدر حزمة من القرارات الجمهوري في ديسمبر من العام الماضي، إحداها قضى بإلغاء قوات الحرس الجمهوري ضمن خطة إعادة تشكيل الجيش.
وقاد نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح العميد أحمد قوات الحرس الجمهوري، إلى حين إصدار الرئيس هادي لقرارات جمهورية منفصلة زمنياً، سحبت قيادته وإمرته لهذه القوات.
وقضت القرارات الجمهوري الأخيرة التي أصدرها الرئيس مطلع الشهر الجاري بتعيين أحمد علي، سفيراً فوق العادة لليمن في الإمارات العربية المتحدة، لكنه لم يؤد اليمين الدستوية حتى اللحظة، وسط أنباء عن رفضه للمنصب.
ويوجه القرويون اتهاماً مباشراً لأحمد علي، بإصداره لأوامر البسط على أراضيهم، والاعتداء عليها.
ومطلع فبراير أصدرت نيابة الأمن والبحث بمحافظتي صنعاء والجوف، مذكرة طلبت من وزارة الداخلية ضبط قائد ما كانت تسمى ب«قوات الحرس الجمهوري» العميد أحمد و11 عسكرياً من الضباط والجنود في قواته للتحقيق معهم على خلفية شكوى بشأن قتل شخص في قرية مجاورة لمعسكر الحرس في منطقة العشاش قرية قرمان، وسلب أراضٍ مملوكة لمواطني القرية.
وقال محمد علي القرماني شقيق القتيل جمال القرماني «قوات الحرس ما تزال تعتدي على أراضينا، وتقوم بتسويرها، رغم شكوانا المستمر والدائمة للحكومة».
وأضاف في حديث ل«المصدر أونلاين» أن جلسات تعقد في النيابة منذ شهرين، للاستماع إلى إفادات الشهود بشأن ملكيتهم للأراضي التي بسطت عليها قوات الحرس سابقاً.
وأشار القرماني إلى محاولتهم التواصل مع قائد قوات الاحتياط اللواء الركن علي علي الجائفي الذي أسندت تحت قيادته بعض وحدات قوات الحرس الجمهوري سابقاً، «ترددنا لأكثر من مرة إلى مكتبه، لكنهم كانوا يخبروننا بأنه منشغل».
وقال بصوت مثخن بالحزن «هؤلاء لا يخافون من الله، نهبوا أراضينا واتقاسموها، وما يزالون يعتدون على ما تبقى من أراضينا، آخرها على بركة ماء».
وكانت الأراضي التي يشكو القرويون من نهبها، حقول واسعة لزرع الخضروات والحبوب ونبتة القات، حسب قولهم.
وتحدث عن نوايا لإحداث صدام بين المواطنين وقوات الجيش، «نحن والجنود أخوة، هم الضباط وأصحاب العميد أحمد علي من يريدون زرع الشقاق والمشاكل بيننا والجنود»، يضيف القرماني.