كثيرة هي الأخبار غير السارة في اليمن بالنسبة إلى نظام الرئيس علي عبد الله صالح، ولكن التسجيل الصوتي المنسوب إلى أبو بصير ناصر الوحيشي زعيم تنظيم 'القاعدة' في جزيرة العرب، والذي أكد فيه دعم التنظيم لليمنيين الجنوبيين مع المتمردين على الحكومة في صنعاء، هو أكثرها سوءاً وخطورة في الوقت نفسه. الوحيشي كان واضحاً في تبنيه لمطالب الجنوبيين، أو بالأحرى الذين شقوا عصا الطاعة على النظام عندما قال: 'إن ما يحدث في لحج والضالع وابين وحضرموت لا يقره عقل ولا يرضاه إنسان، ويحتم علينا التأييد والمناصرة'. وأضاف 'إن ما تطالبون به هو حقكم، كفله دينكم فلا يمارس، باسم الحفاظ على الوحدة، الظلم والقهر والاستبداد'.
خطورة هذا الشريط تكمن في مكانة صاحبه، والشعبية الواسعة التي يتمتع بها تنظيم 'القاعدة' وزعيمه في أوساط اليمنيين، سواء في الشمال أو الجنوب. فالنسبة الأكبر من أعضاء التنظيم هم من أبناء اليمن الذين كانوا موضع ثقة شيخه أسامة بن لادن الذي ينحدر أصلا من منطقة حضرموت.
ولهذا من حق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن يقلق من هذا التطور غير المحسوب، لأن دخول تنظيم 'القاعدة' على خط التوتر في الجنوب، وفي مثل هذا التوقيت، قد يؤدي إلى زيادة حدة الاضطرابات، واتخاذها منحى آخر.
بمعنى آخر يمكن أن تتطور هذه الاضطرابات، التي سادت معظم المدن الجنوبية في الأسابيع الأخيرة، إلى أحداث عنف ومواجهات مسلحة، فاليمن غابة سلاح، وأراضيه مفتوحة على عدة بحار، وسيطرة الحكومة المركزية على هذه الحدود ضعيفة، إن لم تكن غير موجودة في مناطق كثيرة.
المخاطر لن تتوقف عند اليمن وحدوده، بل ربما تمتد بسرعة، ومثل النار في الهشيم، إلى دول الجوار، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. فتنظيم 'القاعدة' يريد استخدام اليمن كمنصة انطلاق للوصول إلى العمق السعودي، والصناعة النفطية على وجه الخصوص.
ومن المفارقة أن المملكة العربية السعودية ودولا خليجية أخرى مثل الكويت، ساندت الطرف الجنوبي أثناء 'حرب الانفصال' عام 1994، وقدمت للانفصاليين، حسب التسمية الرسمية، المال والسلاح والدعم السياسي والمعنوي، واستمر هذا الدعم، وان بصورة اقل حدة، بعد هزيمة المشروع الانفصالي على يد تحالف بين الإسلاميين والنظام الحاكم في صنعاء.
المملكة العربية السعودية بدأت تدرك مخاطر سياساتها المزدوجة هذه، أي دعم النظام علناً، والتمرد الجنوبي سراً، وانعكس هذا الإدراك في إعلان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحافي عقده أمس الأول 'أن السعودية مع اليمن في كل الطريق، وان استقرار المملكة العربية السعودية من استقرار اليمن، واستقرار اليمن هو من استقرار المملكة'.
هذه التصريحات، وما سبقها من توجيهات ملكية بتوسيع استخدام العمالة اليمنية وتسهيل إجراءات توظيفها في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية السعودية، جاءت من اجل تخفيف الضغوط على حكومة صنعاء، والوقوف في خندقها في مواجهة دخول تنظيم 'القاعدة' على خط الاضطرابات في الجنوب.
الخطوة السعودية متأخرة نوعا ما، وربما تعطي مفعولها في تحسين الظروف الاقتصادية اليمنية المتضعضعة، من حيث استيعاب فائض العمالة الضخم، ولكن مشكلة الجنوب أعمق من ذلك بكثير. فهناك مظالم اجتماعية وسياسية، وفساد مستفحل، وإهمال موثق من قبل الدولة، وطالما بقيت هذه المظالم دون إجراءات وحلول جذرية ستتطور بشكل يؤدي إلى تحويل اليمن إلى دولة فاشلة، توفر المناخ الملائم لازدهار الجماعات المتشددة وتنظيم 'القاعدة' على رأسها.
تحويل اليمن إلى دولة فاشلة، أو تشطيره مجدداً إلى شمال وجنوب، سيشكلان زلزالاً يضرب استقرار منطقة الخليج والجزيرة العربية، وبما يعرض إمدادات النفط وإنتاجه، وصناعاته التحويلية إلى خطر كبير.