شكل 17 ديسمبر الماضي، منحنيين متعاكسين كل في اتجاه الآخر. الأول مثل منحنىً تصاعدياً للنظام اليمني في مواجهة تنظيم القاعدة، بينما يمثل الآخر منحنىً آخر يعتقد أنه يضع النظام مجدداً تحت خطر القاعدة..!! ضربتان مزدوجتان. تقول السلطات أنها نجحت في توجيهها، بشكل استباقي، استهدفت من خلالها تنظيم القاعدة وأنصاره، في كل من: محافظة أبين، ومديرية أرحب بمحافظة صنعاء. تصاعدت المواجهة بشكل دراماتيكي لتلحقها بإيام ضربة أخرى استهدفت التنظيم في محافظة شبوة. ثم وبنفس الطريقة كررت المواجهة في مديرية أرحب الأسبوع الماضي. يأتي ذلك فيما أعلنت السلطات تكثيف وتشديد إجراءاتها الأمنية في عدة محافظات تقول أن التنظيم يتخذ منها ملاجئ لتواجده..
لن نخوض في نجاح أو فشل تلك العمليات، ونتائجها من عدد قتلى التنظيم المستهدف، مقارنة بعدد القتلى من المدنيين. فهذا أمر أخذ متسعه من الاتهامات والأقاويل المتباينة. كما لن نخوض في تفاصيل تلك الضربات ونتائجها المحلية والإقليمية والدولية، التي أغنتنا عنها أجزاء من تقارير محلية، وأخرى أجنبية مترجمة، بحيث تحولت اليمن إلى ورشة عمل صحفية في مختلف الصحف والتقارير العالمية.
من خلال المعلومات التي خلفتها الضربات، نتجت عدة تساؤلات. بعضها أجابت عنها الحكومة، وأخرى تعمق فيها محللون ومتابعون. ونحن هنا أيضاً أجرينا لقاءاً مع الباحث سعيد عبيد الجمحي – الباحث المتخصص في شئون الإرهاب. وجزء مهم من تلك التساؤلات أجاب عنها الجمحي، في إطار المقابلة المنشورة في هذا الملف. وتساؤلات أخرى، فضلنا التطرق إليها في سياق هذا التقرير..
مأرب أولاً تلقى تنظيم القاعدة في محافظة أبين ومديرية أرحب، ومن ثم محافظة شبوة، ضربات عسكرية، جوية، وقوية. وصفها البعض، أنها الأولى من نوعها، على مدى المواجهات بين الدولة والتنظيم في اليمن بشكل عام. وفيما يعتقد البعض أن هذا التصعيد الذي مازال يتواصل ضد التنظيم، ينبئ عن توجهات جدية لإعلان الحرب ضد القاعدة، هناك من يتساءل: هل تلك الأماكن التي ضربت فيها القاعدة تمثل الخارطة الحقيقية لتواجد التنظيم؟
وفي إجابته عن هذا التساؤل، يقول الجمحي:"الخارطة واضحة، وتعرفها الدولة جيداً"..! وهو إذ يعتقد أن تلك الضربات، لم تخرج عن مساحات خارطة تواجد التنظيم، لكنه من حيث الأولويات، يعتقد أن "محافظة مأرب تأتي في المقام الأول" كونها "تضم أهم قيادات التنظيم الفعلية". أضف إلى ذلك أن الكثير من القيادات الأمنية استهدفت في هذه المحافظة، وخاض التنظيم فيها معارك ضارية مع الأمن المحلي.
هذا الأمر، لا تنكره الدولة. ليس فقط لأن زعيم التنظيم الجديد، ناصر الوحيشي، يتخذها مقراً شبه دائم، بل لأن التنظيم، اغتال فيها بعض القيادات الأمنية الهامة. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نفذ فيها عمليات عديدة، سواء قبل إعلان دمج فرعي التنظيم اليمني والسعودي في يناير 2009، أم بعده.
ففي 4 يوليو 2007 قتل ثمانية سياح أسبان، وسائق يمني، نتيجة هجوم انتحاري بسيارة مفخخة، في عملية تبنتها القاعدة. وبين الحين والآخر - من بعد يناير 2009 – ظل التنظيم في هذه المحافظة يقوم بعمليات استهداف متواصلة، ضد نقاط، أو معسكرات، أو شخصيات أمنية. ومؤخراً عرض التنظيم، شريطاً على موقع "اليوتيوب"، أظهر فيه خمسة جنود، يستغيثون، قال أنه اعتقلهم بعد أن خاض معركته معهم والتي أسماها "معركة مأرب".
لماذا لم تستهدف مأرب إذن؟ من وجهة نظره، يبرر الجمحي، أن ذلك ربما يعود لأمرين. الأمر الأول، يعتقد فيه "أن المعلومات ربما لم تكن كافية". أما الأمر الآخر - ربما أيضاً – "أن هذه المناطق القبلية الجلفة (مأرب والجوف)، تكاد تكون قبائلها أكثر التصاقا بالقاعدة..".
لكن ومع حرصه الشديد التأكيد على أن ماسبق "تظل مجرد تقديرات.."، وأنه "لا يمكن الجزم بها.."، إلا أنه يعتقد أن زعيم التنظيم ناصر الوحيشي الذي يتحرك بين مأربوشبوةوأبين وغيرها، يتواجد في مأرب أكثر من غيرها لعدة أسباب على رأسها "حماية القبائل ومساعدتهم كما أنها من المحافظات التي يغيب عنها الأمن إلى حد كبير، ويسهل فيها التحرك بحرية أكبر".
لم تكن تلك التقديرات جزافية. فالكثير من التقارير الدولية تعتقد أيضاً أن استهداف "مأرب" لن يكون أمراً سهلاً. ولنفس السبب أيضاً: فهناك زعماء قبائل أقوياء، متهمون بالتستر على أعضاء القاعدة، وحمايتهم. وبحسب بعض تلك التقارير التي صدر بعضها مؤخراً، فإن أعضاء وقيادات في القاعدة، نسجوا علاقات اجتماعية عبر التزاوج الشرعي مع بعض تلك القبائل. وإلى جانب الرفض القوي لسياسات النظام التهميشي، وكراهية السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، فهناك أيضاً، الطبيعة الديمغرافية، الجبال التي يشبهها البعض بأفغانستان، والمساحات الصحراوية الشاسعة التي تعجز الدولة من الوصول إليها.
واعتبرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بتاريخ ( 8 يناير الحالي) أن مقاتلي القاعدة برزوا في المحافظات اليمنية الجنوبية والجنوبية الشرقية، مشيرة إلى أنهم "محميون بالتحالفات القبلية العشائرية في المجتمعات المحافظة دينياً والتي يصعب التدخل العسكري فيها حتى من قبل الحكومة".
لكن ومع ذلك كله..برزت بعض الشخصيات القبلية والاجتماعية المثقفة في المحافظة، رافضة بقوة تلك التهم التي تطال محافظتهم بالإرهاب. ويستدل هؤلاء بأن تلك القيادات المتهمة بالإرهاب، لا يوجد بينهم من أبناء المحافظة، وإنما جميعهم ينتمون لمحافظات أخرى (حتى زعيم التنظيم الجديد ناصر الوحيشيي ينتمي لمحافظة أبين). وبعد الضربات الأخيرة لأبين وأرحب وشبوة، اشتم هؤلاء رائحة الصواريخ، فقام تكتل قبلي - يضم محافظتي مأرب والجوف - مؤخراً، بإصدار بيان "استباقي"حذروا فيه الدولة من التفكير باستهداف محافظاتهم.
محافظة أبين: رقم 2 كانت الضربة الأقوى من نصيب محافظة أبين. التي يعتقد الجمحي أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث خارطة تواجد القاعدة. وهذه المحافظة فيها إشكالية – يضيف – من حيث أن فيها القاعدة وأنصار القاعدة، أو ما يسمى ب"حواضن القاعدة"..
ويوضح الفرق قائلاً: "القاعدة هم أعضاء التنظيم من الذين لديهم بيعة وأمراء وجنود (أتباع) ومخططات مدروسة.. الخ". أما "الحواضن" فهم "الجماعات الأخرى التي توالي القاعدة فكراً ولكن لا تلتقي معها تنظيمياً، وليس لديهم بيعة ملزمة.. وهي كثيرة.."
هناك فرق من حيث الانتماء التنظيمي، لكنه فرق ليس فيه تباعد من الوجهة العملية والأهداف. فبحسب الجمحي، أن "هؤلاء من الناحية العملية ينفذون أجندة التنظيم حتى دون اتفاق". فهم بين الحين والآخر، "يستهدفون النقاط العسكرية، يقتلون جنود، ينفذون هجوماً على منشأة أو مصلحة حكومية أو أجنبية.. الخ" وهذه كلها من أهداف وأعمال القاعدة – يضيف - لكن تقوم بها إلى جانب القاعدة، تلك الجماعات نيابة عنها. حتى أن الأمر أصبح شبيهاً باتفاق ضمني غير معلن.
وقبل فترة من الضربة الأخيرة على أبين – يستشهد - حدثت مثل هذه الأعمال بشكل كبير، وواسع. ويعتقد "أن القاعدة قد أوكلت – ضمنياً – أمر هذه المحافظة [أبين] لتلك المجموعات". وهي مجموعات متحمسة وربما بعضهم يريد أن يكون جزءاً من عمل سياسي، وميداني لاستهداف الدولة تحت مبررات مختلفة. وهي مبررات لا تعدم لمن قرر وحسم أمره القيام بمثل تلك الأعمال..حتى بات من الصعب التمييز في تبعية من يقومون بها وخصوصاً مع الاضطرابات التي تمر بها البلاد خلال الفترات الأخيرة.. ولا يستبعد أن يكون بضمنهم – وخصوصاً خلال الفترة الأخيرة – أعضاء محسوبون على الحراك الجنوبي، على أساس تشارك الهدف، بمحاربة الدولة. وإن كانت الجماعات الدينية تهدف من خلال أعمالها تلك صناعة بؤرة ساخنة تخويفية بهدف السيطرة على المنطقة وما جاورها، عبر إحجام وحصر تحركات رجال الأمن، وبالتالي إتاحة المجال لأعمالهم المختلفة (بما فيها اعتبار أبين منطقة مغلقة على التنظيم تأسياً بحديث الرسول حول خروج 12 ألف مقاتل من عدنأبين) فإن بعض أنصار الحراك، يهدفون إلى خلخلة الأمن هناك، لإيصال صوتهم الرافض للحكومة المركزية..
وبحسب تقرير الواشنطن بوست فإن " كراهية السلطة المركزية في صنعاء، والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، بات عاملاً مشتركاً وقوياً بين القاعدة، ورجال القبائل الجنوبيين".
ويعتقد البعض أن ذلك التوافق من اشتراك الأهداف، أصبح يسير بصورة شبه طبيعية، بعد أن اندمج الشيخ طارق الفضلي (ذو الخلفية الجهادية بسبب تاريخه الجهادي مع أسامة بن لادن في أفغانستان) بالحراك الجنوبي ليصبح أحد قياداته الفاعلة. أضف إلى ذلك، أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أعلن في بيان له صدر في مايو الماضي، دعمه الواضح لمطالب الجنوبيين بدولة مستقلة. ووعد ناصر الوحيشي – زعيم التنظيم - بالانتقام رفضاً ل"الظلم" الذي تمارس السلطة ضد الجنوبيين.
بل هناك من يعتقد أن السلطة اقتربت كثيراً من استهداف الشيخ الفضلي، بعد أن أصبحت تحركاته الأخيرة، مقلقة للحكومة المركزية بصنعاء، والمحلية في المحافظة. وأن هذا الاستهداف بات أقرب، بعد تواصل اتهامه بالتستر على أعضاء في القاعدة، وحمايتهم، على خلفية بعض الحوادث التي استهدف فيها رجال أمن في المحافظة خلال الأيام الماضية، قبل الضربة الأخيرة.
شبوة رقم 3 قبل حضرموت بعد أيام قليلة من الضربة المباغتة الأولى لأبين، (وتحديداً في 24 ديسمبر) تعرضت محافظة شبوة لضربة جوية غير مسبوقة. وقالت السلطات أن 30 من أفراد القاعدة قتلوا. وفيما أكد مصدر أمني – في حينه - أن من بين القتلى زعيم التنظيم ناصر الوحيشي، ونائبه السعودي سعيد الشهري، وكذا أنور العولقي الرجل المطلوب بإلحاح من قبل الولاياتالمتحدة.غير أن المعلومات اللاحقة، نفت ذلك. وبحسب بعض المصادر الخاصة فإن خمسة من أفراد القاعدة فقط لقوا حتفهم، في تلك الضربة. ومؤخراً نقلت تصريحات عن محافظ شبوة أكد فيها أن القياديين الثلاثة لم يقتلوا، وأنهم ما زالوا فارين في جبال شبوة..
قد يستغرب البعض، أن يضع الجمحي محافظة شبوة في الخانة رقم (3 ) من حيث خارطة تأثير التنظيم، وقوته، بينما يضع محافظة حضرموت في المرتبة رقم (4)، على الرغم من ظهور التنظيم في هذه الأخيرة بقوة من خلال تنفيذه عدة عمليات، مؤثرة، على رأسها عملية 18 يناير 2008 التي قتل فيها بلجيكيان وسائق يمني. ثم العملية الانتحارية المدوية في شبام حضرموت (15 مارس 2009 ) والتي أدت إلى مقتل أربعة سياح كوريين جنوبيين وإصابة 3 آخرين بينهم سائقين يمنيين ومرشد سياحي. وأخيرا عملية 3 نوفمبر 2009 في وادي حضرموت، والتي قتل فيها 7 مسئولين بينهم قيادات أمنية هامة. وقبل ذلك الهجوم المشهود على الناقلة الفرنسية ليمبورج قبالة ساحل حضرموت (أكتوبر 2002)، إلى جانب حوادث أخرى متفرقة..
أما لماذا هذا الترتيب؟ يعتقد الجمحي، لأن شبوة فيها "أنور العولقي.." وهو الرجل الذي يقول عنه أنه "يمتلك قدرات تأثيريه كبيرة، حيث أنه يستطيع تجنيد الأنصار عن بعد، وباحتراف كبير". ويضيف "ويقال الآن أن لديه المئات. فلديه تأثير روحاني على الشباب. ويتوقع أن يكون التنظيم قد انتشر خلال هذه الفترة بواسطته".
هل هذا فقط ما يجعل من شبوة المحافظة الثالثة؟ لا. يرد الجمحي، ويوضح: "في شبوة هناك إلى جانب العولقي فهد محمد القصع، وهما من أبناء المحافظة نفسها". ومن هو "القصع"؟ يوضح الجمحي:هو أحد القيادات المتهمة بعملية تفجير المدمرة الأمريكية "كول" في العام 2000، وتم اعتقاله ثم أطلق سراحه. بل أن الأمر الأكثر غرابة أن يكون "القصع" هو الرجل رقم (3) المطلوب عالمياً ضمن قائمة القيادات المطلوبة في تنظيم القاعدة (بعد كل من أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري)..!!
ويقول أن المزرعة التي استهدفت في الضربة، تتبع "فهد القصع"، بحسب ما نشرته وسائل الأعلام، إلى جانب ماصرح به التنظيم في بيانه بهذا الخصوص. وهو البيان الذي أكد أيضاً أن "القصع" لم يكن موجوداً في مزرعته ساعة القصف. إن هذا بحسب ما يعتقد - يجعل من محافظة شبوة في المرتبة قبل محافظة حضرموت.
ويقول "صحيح أن التنظيم نفذ في حضرموت الكثير من العمليات، لكن شبوة فيها القيادات بما يعني وجود تأثير أكبر". ويواصل "أن يستهدف قيادي مثل العولقي أو القصع في نظر أمريكا أفضل من استهداف المئات من أعضاء التنظيم.."
العولقي والقاعدة.. وأشياء أخرى العولقي الذي ولد في أمريكا (في نيو مكسيكو) ويحمل جنسيتها، عاد واستقر فترة كبيرة في صنعاء( في 2004) بصورة علنية، وكان يتردد على مساجدها أمام الجميع. ولد في نيو مكسيكو، عمل كإمام في مسجد الهجرة في فرجينيا، وآخر في كاليفورنيا. اتهم بالعمل مع شبكة القاعدة في الخليج الفارسي. بعد تركه شمال فرجينيا. منتصف 2006 أعتقل في اليمن بناء على طلب السلطات الأمريكية. وأطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول 2007م.
أنتقل إلى محافظته شبوة، بعد أن أثيرت حوله الشبهات. ويقال أنه حين حصلت عملية 11 سبتمبر 2001 كان في أمريكا، بيد أنه لم يكن متشدد دينياً، لكنه تعرض للمضايقات، هناك، بعد أن اتهم بضلوعه في العملية، وتمت محاكمته دون التوصل إلى إدانته. وهو الأمر الذي ربما جعله يمارس الفكر الجهادي المتشدد، ويعلن صراحة رفضه لسياسات بلاده الظالمة [أمريكا]. ومع ذلك لا يمكن الجزم أنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة. وفي أكثر من مرة نفى أقرباء له أن يكون منتمياً للتنظيم.
يقول الجمحي "لا أستطيع أن أجزم أن العولقي ينتمي رسمياً إلى تنظيم القاعدة". لكنه لا يستبعد – حسب تقديراته – "أن يكون بمثابة أحد الآباء الروحيين للجهاد، كشيخ ومرجعية كبيرة. وأنه من الممكن أن يستقطب، ويسهل انتماء الأعضاء والمناصرين للقاعدة، وذلك دون اتفاق أو تنسيق مسبق". ومع ذلك يعتقد، أنه مع ما يقوم به من دور مؤثر في هذا الجانب، "إلا أنه ليس شرطاً أن يكون أحد أعضاء تنظيم القاعدة".
ويعتبر العولقي مطلوباً رئيسياً ومهما للأمريكان، وخصوصاً بعد العملية التي اتهم فيها بتحريض الضابط الأمريكي المسلم، نضال حسن، على قتل 13 ضابطاً وجندياً أمريكياً في قاعدة فورت هورد في تكساس. وتعد هذه العملية بحسب بعض التقديرات، في المرتبة بعد حادثة 11 سبتمبر. وينفي العولقي عملية التحريض المسبقة، لكنه يؤيد العملية ويعلن ذلك صراحة، كونها وقعت في قاعدة أمريكية وقتلت ضباطا أمريكيين كانوا يتدربون لقتال المسلمين في العراق وأفغانستان. حسب ما نسب له.
ولذلك هناك من يعتقد أن الضربات الأمنية الأخيرة في اليمن جاءت بضمن أهدافها الرئيسية، لاستهداف أنور العولقي، عطفاً على تقارير استخباراتية وصحفية أمريكية ذهبت للمطالبة به على خلفية تلك الحادثة. بل أن هناك من يتحدث – دون أن يجزم – أن النيجيري عمر فاروق عبد المطلب المتهم بمحاولة تفجير طائرة "ديترويت" عشية عيد الميلاد، تربطه علاقة بالعولقي. وقال نائب رئيس الوزراء اليمني لشئون الدفاع والأمن – ضمن حديثه في مؤتمر صحفي عقد الخميس – أن النيجيري زار شبوة، "وربما التقى بأنور العولقي".
ولا يستبعد أن يتم استهداف العولقي مباشرة من قبل الولاياتالمتحدة كما حدث مع "أبو علي الحارثي" حين اغتالته طائرة أمريكية بدون طيار عام 2002 في صحراء مأرب.
"القصع".. المطلوب رقم 3 عالمياً أما فهد القصع، فهو أيضا اعتبرته أمريكا المطلوب رقم 3 على مستوى العالم في تنظيم القاعدة. مع أنه أمر يدعو للاستغراب بحسب الجمحي، الذي يقول أن "القصع" ذاته استغرب أن يكون هو المطلوب رقم 3 على مستوى العالم. "وفي الحقيقة كلنا يستغرب من ذلك" يقول الجمحي "بأن تجعل أمريكا الرجل بهذا المستوى من الخطورة..!" ويتساءل: هل هي ذريعة ربما لأغراض أخرى؟ صحيح أن له دور في الجهاد، لكن ليس بحجم قيادات جهادية كبيرة نسمع عنها على مستوى العالم..!
ويتهم "القصع" بالاشتراك في الهجوم على المدمرة الأمريكية كول عام 2000 في خليج عدن. ويقول الجمحي "بحسب المعلومات أنه كان يعلم بالعملية مع أنه لم يشترك فيها بسبب تأخره عن تنفيذ دوره. وقد تم محاسبته على هذا الأساس: أنه كان جزء من العملية تحت فرضية أنه لو حضر لكان أحد المنفذين..! وحبس سبع سنوات على هذا الأساس.."
صنعاء ساحة مفتوحة من غير الممكن وضع صنعاء في خانة رقمية من حيث حضور التنظيم وتأثيره وقوته. فصنعاء تعتبر العاصمة التي لا يمكن للتنظيم التخلي عنها كونها تحتضن المصالح والمنشآت التي باستهدافها يمكن للتنظيم أن يوجه ضربات قوية لخصومة. ومع ذلك يعتقد البعض أن القاعدة تعرضت لمضايقات وإجراءات أمنية مشددة من قبل السلطات الأمنية ومكافحة الإرهاب، جعلتها تنسحب منها نحو الفضاءات الرحبة التي تعجز عن السيطرة عليها..
في 17 ديسمبر، نالت مديرية أرحب بمحافظة صنعاء، حظها من الضربات الجوية، المترافقة مع التحرك الميداني. ومع أن المعلومات الحكومية أكدت في حينها أن 4 من القاعدة قتلوا في العملية بينما تم أسر 4 آخرين، إلا أن المعلومات الواردة في وقت متأخر، تتحدث عن إصابات واعتقالات نافية أن يكون هناك قتلى نتيجة تلك الضربة.
وبعدها بأسبوعين تقريباً (بالتحديد: في 4 يناير الحالي) عادت السلطات ونفذت عملية ميدانية أخرى في أرحب، استهدفت فيها من قالت أنه زعيم تنظيم القاعدة في المنطقة.وأعلن مصدر أمني أن اثنين من عناصر القاعدة قتلوا في العملية، بينما جرح آخر. وبعدها بأيام أعلنت السلطات عن إلقائها القبض على ثلاثة آخرين ممن أصيبوا في تلك الاشتباكات، بينما كانوا يتعالجون في أحد المستشفيات في عمران.
في السابق عانت صنعاء بشكل كبير من حضور تنظيم القاعدة الذي استهدف فيها عدة مصالح أمنية يمنية، ومنشآت وسفارات أجنبية، لعل أكثرها قوة وتأثيراً تلك العملية التي استهدفت السفارة الأمريكية في سبتمبر 2008، وقتل فيها 17 شخصاً بينهم جنود أمن يمنيين ومواطنة أمريكية.
وقبل أن تتجه المواجهات مع التنظيم نحو المناطق البعيدة والنائية كانت العاصمة أكثر استهدافاً. لكن ومع تشديد القبضة الأمنية، وبعد عدة إعلانات بأن قوات الأمن ألقت القبض على عناصر في القاعدة مع مجموعة من الأسلحة والمعدات ومحاكمتهم، إلى جانب ما يقال من حدوث تنسيقات ثنائية بين أجهزة الأمن وبعض من كانوا ينتمون للتنظيم ممن أطلق سراحهم، والذين ساعدوا السلطات في القبض على مجموعات من أعضاء التنظيم.. لا سيما بعد عملية الهروب الكبير من سجن الأمن السياسي بالعاصمة في فبراير 2006.
كل ذلك أدى إلى إضعاف حرية حركة القاعدة في العاصمة وانتقالهم إلى المحافظات البعيدة خوفاً من الوشاية بهم والقبض عليهم، أو قتلهم كما حدث مع فواز الربيعي الذي قتل على مشارف العاصمة (أكتوبر 2006).
غير أن العمليتين (الأولى على السفارة الأمريكية التي سبق الإشارة إليها) والأخرى التي نفذها أحد أعضاء التنظيم الجدد في مارس الماضي، على طريق المطار مستهدفاً الوفد الأمني الكوري، أكدتا عدم دقة القول بأن التنظيم انسحب من الأمانة. وربما تعزز الضربات الجوية على أرحب والعملية اللاحقة لها في نفس المنطقة، أن التنظيم وجد أن العمل في المناطق القبلية المحيطة بالعاصمة، أكثر أماناً، من البقاء في عمقها المليء بالاستخبارات والأصدقاء القدامى الذين يعرفون مواقعهم وتحركاتهم. لكنه ومع ذلك، لا يمكن القول أنه تخلى عن أهدافه الرئيسية والكبيرة التي لا يمكنه تحقيقها إلا هنا كلما سنحت له الفرصة، وإن على نار هادئة..
ويؤكد الجمحي أن القاعدة وعبر مواقعها الإلكترونية، تؤكد أنها في صنعاء. يقول"هم يقولون أن أعضاءهم موجودون في العاصمة. في باب اليمن..!! وأنهم يلتقون بأعضاء جدد هناك، ويتحدثون عن الجهاد، ويبكون، حين يلتقون بهم من شدة الحماسة..".