ليست اليمن وحدها تجهل ما يحاك لها في مؤتمر لندن الذي تم تقديمه يوماً واحداً (إلى 27 يناير، في محاولة لتفادي الإيحاءات السلبية المنعكسة من تزامنه مع مؤتمر آخر بشأن أفغانستان يعقد في 28 من الشهر.). فقد نفى عمرو موسى – الأمين العام للجامعة العربية – علمه هو الآخر، بأجندة هذا المؤتمر، الذي دعى إليه رئيس الوزراء البريطاني "جوردن بروان" مطلع هذا الشهر. ربما أمكن تشبيه الأمر بما يحدث في بعض عادات الزواج المتفشيه في بعض المناطق اليمنية: لا تعرف الفتاة الصغيرة أن والدها عقد بها من شخص ما، دون أن يأخذ موافقتها المسبقة. تقام الزفة، ويتم إلباس الفتاة فستان العرس، والطرحة، فتسأل الفتاة أمها ببراءة: مالذي يحدث؟ فتجيب الأم: كله على دمارك؟ بالطبع، مع فارق التشبيه بين ما يحدث في الأعراس، وما يحدث في السياسة. فما يحدث في هذه الأخيرة، مبني على توخي مصالح الكثرة على حساب القلة. الشبه الوحيد -- ربما – أن القوي في الحالتين يفرض أجندته على الضعيف. وقد يكون من الغريب الجزم أنه – وحتى اليوم – لا يوجد جدول أعمال للمؤتمر.! عدا الحديث المطاطي عن مناقشة الأوضاع المضطربة في اليمن، بهدف إيقاف ما يتسرب عنها من مشاكل تهدد المصالح العالمية. لا أحد يعرف، حتى السفارة البريطانية في صنعاء، بحسب ما أكد لي زميل قال إنه تواصل معها فجاءت النتيجة: أنهم حتى الآن لا يعرفون جدول الأعمال الخاص بالمؤتمر..! عمرو موسى، ومع ما نسبت له الصحافة من تصريحات حول "وجود مشاورات مع عدد من وزراء الخارجية العرب حول هذا الأمر"، إلا أنه أكد: "لا يوجد حتى هذه اللحظة جدول أعمال واضح"..! من هم المدعوون؟ أكد: لا أحد يعرف من هم المدعوون..! ماهو الهدف؟ أجاب: ولا حتى الهدف من المؤتمر..! لكنه اكتفى بهذا التوضيح المبهم: الجامعة العربية تراقب باهتمام التحضيرات لهذا المؤتمر، وربما يكون هناك تفصيلات أكثر خلال الأيام القادمة..! ومع ما نسبته الصحافة – أيضاً - للسفير هشام يوسف (مدير مكتب عمرو موسى) أن الجامعة العربية لم تتلق أى دعوات رسمية من الحكومة البريطانية للمشاركة فى المؤتمر. بحسب ما نشر في موقع "اليوم السابع" المصري. فقد يبدو غريباً – أيضاً – أن ينشر موقع 26 سبتمبر نت، التابع للتوجيه المعنوي للجيش اليمني – معلومات أخرى على لسان عمرو موسى، تفيد تأكيده المشاركة في المؤتمر (نشرت بتاريخ 14 يناير). يأتي ذلك، مع أن تلك المعلومات (التي أشرنا إليها سابقاً) والمنسوبة للأمين العام للجامعة العربية، ومدير مكتبه، والتي تزيد من غموض المؤتمر، نشرت الأحد الماضي (تاريخ 17 يناير)، أي بعد ثلاثة أيام من خبر تأكيد المشاركة التي نسبها الموقع – المقرب من الرئاسة اليمنية – لمصادر مطلعة. ولمزيد من علامات الاستفهام، أيضاً، نقل موقع سبتمبر توضيحات تتعارض مع تلك التي وردت على لسان أمين عام الجامعة العربية بخصوص عدم المعرفة بالدول العربية المشاركة. حيث – ونسبه لمصادره- أكد موقع سبتمبر: أن دول مجلس التعاون الخليجي ستشارك أيضا في أعمال المؤتمر، في الوقت الذي لم يتضح فيه بعد مواقف تلك الدول حتى اليوم [الاثنين]، باستثناء دولة الكويت التي أكد وزير خارجيتها مشاركة بلاده ودعمها لليمن. وأكد الموقع أن اليمن قدمت طلباً بإضافة كل من الصين وروسيا إلى الدول المانحة المشاركة. وأفادت المصادر – بحسب الخبر ذاته- أن الحكومة تعكف حالياً على إعداد تقرير اقتصادي متكامل سيعرض على المؤتمر عن الأوضاع الاقتصادية في اليمن والتحديات التي تواجه عملية التنمية والاحتياجات الرئيسية لتنشيط النمو المستدام، وأيضا أهمية زيادة سقف المساعدات التنموية ووضع آليات سريعة تمكن الحكومة من الاستفادة من الدعم الدولي. مثل ذلك، يوحي أن بلادنا تعرف ما يراد منها تقديمه في المؤتمر..! مع أن المعلومات الأولية تؤكد أن الجانب السياسي سيكون طاغياً على كافة الجوانب الأخرى. وهذا بحسب ما نقل عن مكتب بروان أثناء إعلانه عن المؤتمر، حيث أكد أنه"سيهدف إلى تحسين جهود التنسيق الدولية لمكافحة الإرهاب في المنطقة وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في اليمن". يبدو المؤتمر – القادم - وما يحيط به من تعقيدات، محلية وأقليمية ودولية، أكثر غموضاً مما قد يعتقد. فليس هنا – بين ما نشره الموقع التابع للجيش، والمقرب من الرئاسة، وبين تصريحات وزير الخارجية اليمني المناقضة لها - سوى يوم واحد فقط، في النشر، بيد أنه لا يوجد فارق زمني بين الحدثين، من حيث وقوعهما. فبينما أكد القربي في مؤتمره الصحفي (بتاريخ 13 يناير) أن "اليمن تأخذ في الاعتبار كل السيناريوهات والاحتمالات التي ستطرح على مؤتمر لندن" وكذا تقليله من أهمية ما يمكن أن يفضي إليه، بقوله: "يجب ألا تكون التوقعات كبيرة في هذا الوقت لأن لدى الحكومة الكثير من القضايا التي ستطرحها ونأمل أن تلقى صدى من الدول التي ستشارك في المؤتمر". أكد موقع "سبتمبر"- من ناحية أخرى– أن نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي عبد الكريم إسماعيل الأرحبي، بحث، أمس [أي بتاريخ 13 يناير]، مع السفير البريطاني بصنعاء "تيم تورلو" التحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر لندن الدولي الخاص بدعم اليمن وطبيعة القضايا والمواضيع التى سيتطرق إليها المؤتمر والخاصة بدعم وتعزيز التنمية والإصلاحات في اليمن" .بما يوحي – طبعاً – بوجود تنسيق مسبق، خلافاً لما توحي إليه تصريحات القربي السابقة. بل إن تلك المعلومات التي نشرها الموقع، بخصوص الأرحبي والسفير البريطاني، تتعارض مع ما نفته السفارة البريطانية بصنعاء، من عدم معرفتها بجدول أعمال المؤتمر..! ربما كان الجديد ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ في وقت متأخر من مساء أمس. حيث أشارت إلى لقاء جمع رئيس الوزراء اليمني علي مجور، بالسفير البريطاني. وقال الخبر أن السفير "تورلو" أكد ان المؤتمر يمثل فرصة غير عادية لليمن لاطلاع المجتمع الدولي على تلك التحديات وايضاح اهم السياسات والبرامج والخطط التي تنفذها الحكومة للتغلب عليها وابراز اهم النتائج المحققة حتى الآن .. لافتا الى ان المؤتمر سيبحث ايضا الآلية المناسبة لتنسيق وتوطيد عملية الدعم التنموي الدولي لليمن بجوانبه المادية والفنية سواء في المجالين الاقتصادي والحكم الرشيد او في مجال مكافحة الارهاب. إن تلك التصريحات فيما أنها لا تضيف إلا مزيد من الغموض، فإنها قد توضح تغيراً في الموقف اليمني من المؤتمر. فبحسب الخبر الرسمي، فإن رئيس الوزراء اليمني "جدد" تقدير الحكومة لهذه المبادرة البريطانية التي تأتي في اطار التطور المستمر الذي تشهده علاقات الصداقة اليمنية البريطانية والحرص على مساندة اليمن وتعزيز مقدراته لمواجهة ابرز التحديات الاقتصادية والأمنية .
إن ذلك التغير قد يعكس القول أن الجانب البريطاني، أعرب عن غضبه من تصريحات بعض المسئولين اليمنيين حول مؤتمر لندن، وأن الجانب اليمني بات حريصاً على معالجة الأمر. كما أنه قد يوحي بوجود تطمينات بريطانية – أمريكية لليمن، ربما نتاجاً لممارستها أسلوب إعلامي مبني على توزيع الأدوار بين المسئولين. وربما يعزز ذلك، خبر آخر نشرته الوكالة الرسمية "سبأ" أمس، عن لقاء آخر في نفس اليوم، ضم رشاد العليمي – نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن – مع كل من السفيرين البريطاني والأمريكي بصنعاء كل على حدة. حيث بحث معهما عدد من المواضيع المتعلقة بالجوانب التنموية والإقتصادية والأمنية والتحضير لمؤتمر لندن الذي سينعقد نهاية الشهر الجاري.
بينما يمكن تفسير الأمر على نحو آخر، بوصول الجانبين إلى صيغة توافقية. وهذا ما قد يوحي به الخبر الرسمي من خلال التأكيد أن لقاء مجور بالسفير البريطاني "تناول أجندة المؤتمر، وأهم المواضيع التي ستطرحها الجمهورية اليمنية على طاولته سواء في المجالين الاقتصادي والسياسي او ما يتعلق بجهود مكافحة الارهاب" . ويعتقد – من وجهة نظر آخرى - أن بريطانيا وأمريكا، تقفان وراء تلك اللقاءات، مع المسئولين اليمنيين، من أجل طلب التوضيح، بعد الزوبعة الأخيرة التي تناولتها الصحافة المحلية والدولية حول تأكيدات رفض اليمن التدخل في شئونها الداخلية من أي طرف كان. وبالجملة.. تزداد تلك التعقيدات بالنظر إلى ما نشر عبر موقع الجيش من معلومات بشأن الاتفاق حول الإعدادات الخاصة بالمؤتمر، وكذا الاتفاق الثنائي حول جدول أعماله بين الوزير الأرحبي والسفير البريطاني بصنعاء، وما لحقها من لقاءات يوم أمس، وذلك من خلال قياسها بنتائج الاجتماع الذي عقده 150 عالماً يمنياً الأربعاء الماضي (14 يناير)، والذي اعتبر مؤتمر لندن، إنما هو "للنيل من أمن البلاد ووحدته واستقراره وانتهاك سيادته تحت ذرائع واهية ومغلوطة لتكرار ما حصل في العراق وأفغانستان وباكستان، والذي أدى إلى احتلال الأرض (...) وقتل وتشريد الملايين". وذلك – بالطبع - في حال إذا تم ترجيح القول الشائع أن مؤتمر العلماء ذاك جاء بتخطيط ودعم ومباركة من قبل السلطة. وهذا ما قد توضحه بعض محتويات البيان التي جاءت متوافقة مع توجهات السلطة. حيث عزز بيان العلماء، تأكيدات القربي – في مؤتمره الصحفي – لموقف اليمن الرافض لأي تدخل خارجي في اليمن، مع أنه [البيان] لم يتعرض بالنقد لأداء السلطة، حيث يعتقد البعض أن ذلك الأداء هو العامل الرئيسي لدعوة الغرب لمثل هذا المؤتمر. ويستغرب هؤلاء من ظهور العلماء في مثل هذا التوقيت، فيما ظلوا طوال السنوات الماضية يتغاضون عما يحدث في البلاد من حروب ومواجهات دامية.. والسؤال هنا: هل ستكون اليمن بحاجة إلى مخرجات مؤتمر العلماء، إذا ما ترجحت فرضية الوصول على حالة توافق بين اليمن والدولتين العظميين. إن الأمر هنا لا يتعلق بانتفاء الوطنية، بقدر ما يتعلق بتعزيزها من خلال النظر إلى مجريات الأحداث على نحو آخر: أن اليمن لا تستطيع أن تفرض شيئاً يتجاوز الأهداف التي رسمها شركاء المؤتمر الرئيسيون، بيد أن جل ما يمكنها فعله هو مواصلة اللعب بالبيضة والحجر. إنها بحاجة إلى دعم مالي كبير، لا يمكن أن يأتيها معظمه من خارج الدول التي تحدد لها ما يجب أن تقوم به..إنها البيضة. فيما لم يتبق لها سوى ورقة واحدة يمكنها اللعب عليها، وتلك الورقة هي: نحن. أي الشعب. إنها الحجر. وفي مثل هذه الحالة فقط، عليها أن تتذكر أن هناك شعب يكره سياسات أمريكا وحلفائها، وعليها أن ترمي بالحجر.