حينما قالت الأديبة الأمريكية هيلين كيلر: «الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة.. أو لا شيء»، كانت تود أن تقول إن فقدان السمع والبصر لا يعني نهاية العالم أو الحياة، وأن المرء يستطيع التغلب على إعاقته، وهو ما فعلته كيلر، وتم تلقيبها ب«معجزة الإنسانية». نحن يا كيلر معجزة أخرى أيضاً، ومعرضون في أي لحظة لفقدان حياتنا، وليس فقط السمع والبصر؛ وليست هنالك مغامرة أكبر من التي نعيشها في هذا البلد، إذْ قبل أن تخرج من بيتك باكراً تتأمل عيون أطفالك وتتفحص ملامحهم، خوفاً من أن تكون هذه هي النظرة الأخيرة.
يحدث كثيراً أن تسمع أعيرة نارية كثيفة بالقرب منك، سواء في بيتك أو في مقر عملك، ويكاد قلبك أن يخرج من مكانه، خوفاً من تسلل رصاصة طائشة إلى حيث أنت.
أتذكر يوم أنْ سقطت طائرة السوخواي في شارع الخمسين، كنت يومها في مؤتمر الحوار الوطني، وصدقوني أنني توقعت أنها ربما سقطت فوق العمارة التي أسكنها، وكأنها العمارة الوحيدة في شارع الخمسين.
لست مبالغاً إن قلتُ لكم: إننا كيمنيين بتنا مجرد أرقام في عداد الضحايا، طائرات تسقط، وطائرات دون طيار، وقذائف عمياء تأتي من المجهول.
ففي كل شارع، وعلى الزجاج الخلفي لأغلب السيارات هنا، صورة ل«شهيد» مدنياً كان أم عسكرياً، كلهم ضحايا العبث الذي يطحن هذه البلاد منذ سنين!
أيُّ حياة نعيشها إذاً ونوهم أنفسنا بأننا نستمتع بها، ونحن في حقيقة الأمر ننام ونصحو على هدير المدافع وأزيز الطائرات هنا وهناك.
يوم أمس اتصل بي صديق عربي يعمل مهندساً لدى شركة سويدية، تود أن توفده إلى محافظة عدن في زيارة عمل، مستطلعاً إياي عن الوضع في اليمن. صدقوني لم أدرِ ماذا أقول له، لكنني في نهاية المطاف، ولعلمي بأنها فرصة عمل جيّدة، قلتُ له: توكل على الله وتعال! كعادتنا حينما نهم بالمضي في طريق بين محافظة ومحافظة، أو القيام بأي عمل صحفي، حتى لو كان مجرد تصوير لقطاع قبلي!!
ليتنا نعيش كبقية بني البشر على وجه هذه البسيطة، هادئين بلا منغصات، وبلا أخبار القتل اليومي الذي أصبحنا نفتتح به صباحاتنا ومساءاتنا في بلاد كانت تسمّى «العربية السعيدة».