لا أقصد تقليب مواجعكم وأنتم تقرؤون سيرة أول صحفي استقصائي في البلد، وأنا أحاول أن أذكر من بات اليوم يلعن مهنة الصحافة ويقتلها كل يوم، ويدفن القيمة الجمالية لهذه المهنة والرسالة السامية. مخطئ من يعتقد أن روحك أيها الصحفي الإنسان نجيب الشرعبي حقاً قد انفصلت عن ذاكرة أطفال حجة العراة الجياع، أو ذاكرة مئات الأسر والأمهات النازحين خلال وطيس الحروب الست بين الدولة والحوثيين إلى مخيم المزراق والزغلول هناك في حجة وصعدة مثلاً.
الكبار والصغار، النساء والرجال جميعهم يتذكرونك وأنت تلامس معاناتهم الحزينة وأنت تنقل قصة شيماء ذات السبع سنين التي ماتت جوعاً بمخيمات النازحين في الزغلول بمنطقة حرض إثر الحرب السادسة في صعدة، وأنت يا نجيب ترمي بالأيديولوجيا الحزبية تحت قدميك وتبحث عن معاناة النساء الحوامل لتقوم بنقلها وفقط، مجردة من كل أنواع التدليس والتضليل الذي يمارسه بعض زملائك اليوم مع الأسف.
كما يليق بك أيها الفقيد وقناة السعيدة وبرنامجك الإنساني «ظلال ساخنة» كنا نصدقك ونبكي معك حينما كنت تحدثنا عن الأمراض والأوبئة التي تفتك بحياة المئات من الأطفال اليمنيين النازحين في المخيمات، وأنت تنقل تفاصيل الحرب وغيرها من القضايا الاجتماعية.
يا نجيب أنت لم تمت ولم ترحل، هكذا شعرت يوم أمس بينما كنت أقلب أعمالك الصحفية وأرشيفك لقناة «السعيدة» برامج «ظلال ساخنة»، حاولت أغالط نفسي وأحتسب أمر وفاتك يوم 1/12/2009، في أحد المستشفيات بمدينة تعز مجرد إشاعات ومجرد فاجعة تعودنا على سماع أمثالها..
النادرون الصادقون يذهبون وأنت أولهم يا نجيب، رحمة الله تغشاك، مع الإنسان يحيى علاو، ومن سار على إثركم.
ليتك تعلم أن الوطن برمّته لا يزال اليوم نازحاً تحت رحمة المستقبل المجهول، ويعلن حاجته إليك وحدك. على خجل الناس يصرون أنك من تقدر أن تلامس همومهم التي تتراكم كل يوم ويقوم الوسط الصحفي كله بتضليلها وتحريفها والعبث بقيمتها، متجردين من نبل المهنة، ومن روح الإنسانية التي علمتنا إياها وغرستها فينا.
عذراً نجيب، نحن الآن نبكي عليك حزناً لأنّا فقدانك، لم يكن بيدنا شيء لنداوي به التحسس الذي كنت تعاني منه جيوبك الأنفية، وتطور إلى نزيف حاد، حينما كنت ترقد بأحد مستشفيات تعز قبل رحيلك.
دعنا نبكي يا نجيب فرحاً بك، كلما استرجعناك في مخيلتنا وأنت تتجول في المناطق الريفية والقبلية ترصد ما يحدث بمهنية وشجاعة وحرفية وتجديد.
أتذكرك يا نجيب كأنك أمامي الآن حينما كنت أجلس إلى جوار والدي ونتابعك فخورين، حينما كان يحدثني أيضاً عليّ أن أتعلّم منك كثيراً كثيراً، أتذكر ذلك، لربما كنت أدرس في مرحلتي الثانوية بنفس المدرسة التي درست فيها أيها الفقيد. وأنا اليوم في مرحلتي الجامعية وبنفس الكلية التي تخرجت منها.
ولكن معذرة يا نجيب الشرعبي لقد اكتشفت أنك لا تشبه واقع كليتنا وحظ جامعتنا تماماً ولا واقعنا الصحفي أيضاً، كنت كبيراً يا نجيب، جربت الربط بين صوتك وبين أدوات الأستوديو القديم الذي نأخذ فيه بعض التطبيقات العملية، ولكنني أميل إلى حنجرتك الشجية ومدرستي الأم.
حاولت الذهاب خارجاً لأسقط مسيرتك المهنية والصحفية في الوسط الصحفي فزاد يقيني بإنسانيتك التي آثرتها على خبث ما يصنع الآخرون دونك من جنس المهنة وأعاهدك على أنك لن تموت لن تموت فينا.
كنت أكثر من صديق، معلماً وأباً للجميع، عرفناك رحيماً، خلوقاً، ودوداً، كان بداخلك إنسان وضمير؛ رحمة الله تغشاك أيها الفقيد.