دافع السكرتير الثاني لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة عدن قاسم داوود عن الحراك الجنوبي واصفأ إياه بأنه حراك سلمي للدفاع عن المطالب ونيل الحقوق. واعتبر قاسم داوود ما يحدث من قتل جهوي وإحراق محالات وقطع مسلح للطرق بأنها تصرفات فردية لا تعبر عن منهجية وثقافة الحراك الجنوبي، وأنها ردود أفعال شخصية على ما تمارسه السلطة من قمع وقتل ضد المحتجين.
وفي هذا الحوار الذي ناقشنا معه فيه عدداً من القضايا السياسية في الجنوب اتهم داوود السلطة بالتنصل عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين بحمايتهم والدفاع عن أمنهم والاكتفاء بإلصاق التهم بالآخرين لمواصلة ما اعتبره مسلسل القمع للفعاليات السلمية.
- إحراق محلات تجارية وقتل جهوي وقطع مسلح للطرقات..أما زال الحراك الجنوبي مع كل هذه الممارسات العنيفة سلمياً برأيك؟ الحراك نشأ سلمياً ولازال سلمياً كتوجه، وهذا هو القاسم المشترك الذي يجمع سائر القوى المنضوية تحت لواء الحراك السلمي الجنوبي. هناك أحداث فردية تحصل، وهذا شيء متوقع لأن العنف الذي استخدمته السلطة ضد المواطنين العزل في مختلف المناطق من قتل وقهر وقمع وتعذيب للمعتقلين بالتأكيد كان له أثر وردود أفعال وهذه الردود ليس مسؤلاً عنها الحراك ولكنها إما فردية أو من قبل مجموعات أو من قبائل تدافع عن أبنائها من بطش السلطة، أما الحراك حتى الآن في برنامجه وفي توجهه هو حراك سلمي ويرفض العنف أو الميول إلى العنف. الحراك هو ضحية العنف والإجراءت اللاشرعية وغير المسؤولة من قبل السلطة والتي سقط نتيجتها عشرات الشهداء ومئات الجرحي من الحراكيين حتي الآن.
- ولكن بالمثل هناك من يسقط أيضاً من الأمن.. كيف يمكن الحديث ع أن الحراك لا يزال سلمياً والملاحظ هو حضور مسلحين في فعاليات الحراك بشكل لافت؟ السلطة تمضي في قمعها للفعاليات السلمية وقتل النشطاء والاعتقالات وجعل لغة الرصاص المفضله لديها في التعامل مع فعاليات الحراك ومختلف القوى ضمن ماتسعى اليه من إخراج الحراك عن طابعه السلمي الحضاري والإنساني، حدث أنه في بعض الفعاليات كان هناك حضور للسلاح الشخصي بشكل محدود وبمبادرة من المواطنيين لحماية أنفسهم دون أن يكون وراء ذلك دعوة أو توجه من الحراك، وجرى استغلال هذه الظاهرة إعلامياً من قبل السلطة وصور الحراك على أنه هو الآخر طرف يحمل السلاح، والحقيقة غير ذلك.
- ألا تخشى من دخول البلد في دوامة حقيقية في ظل تنامي ثقافة الفعل ورد الفعل؟ تمادي السلطه وإيغالها في تعميق الأزمة وقمع المسالمين هو من سيجر هذا البلد إلى دوامة العنف، واضح من البداية ان السلطة دفعت بعناصر للقيام بهذه الأعمال وهذا شيء مؤكد، وأكثر من دليل موجود على هذا الموضوع. الشيء الآخر أن هناك أناس لابد أن يكون عندهم ردود أفعال فردية ذاتية عما لحق بأبنائهم وبأرزاقهم والسطو على أراضيهم واعتقال الناس بدون ذنب، أكيد هناك نتيجة كل هذه الأفعال المشينة ستحصل ردود أفعال ذاتية، والحراك ليس مسؤولاً عن كل هذه التصرفات، والحراك لم يعلن حتى الآن عن سيطرته على مناطق او استلام سلطة ، السلطة هي المسؤلة عن الأمن وعن تطبيق القانون، وموظفو الدولة لا زالوا موجودين في كل مديريات الجنوب. حتى الآن لا تخضع أي منطقة للحراك، والسلطة هي المسؤولة عن الأمن وعن تطبيق القانون والواضح أنها هي من تتخلى عن مسؤلياتها في فرض الأمن والقانون لجر الناس إلى دوامة الصراعات.
- السلطة تقول عكس ذلك..فزنجبار على سبيل المثال واقعه تحت سيطرة الفضلى؟ السلطة اعتادت دائماً اختراع وإيجاد جهة ما تحملها مسؤولية فشلها وإخفاقها وأخطائها، وفي هذا الإطار يتم الحديث عن أبين، لنا أن نتساءل إذا كيف كانت تنمية وأمن واستقرار أبين قبل التحاق الشيخ طارق بالحراك؟ الواقع يقول إن كل مؤسسات السلطة موجودة في عاصمة محافظة أبينزنجبار وليس هناك من أعلن عن قيام سلطة بديلة ولا من أعفى أو أعاق السلطة القائمة من القيام بوظائفها وواجباتها الحقيقية، وهذه حالة عامة وليست محصورة في أبين وبخاصة في المحافظات الجنوبية، الحاصل هو أن مهام الأجهزة انحصرت في القمع والمنع والمصادرة والاستملاك والعبث بدلاً من حماية الأمن وتحقيق التنمية وتطبيق القانون.
كان على السلطه أن تضطلع بواجباتها وتطبق القانون وتضبط العناصر الخارجة عن القانون، ولكن السلطة للأسف هي من تشجع العناصر المخلة بالأمن بهدف إلصاق التهم والإساءة للحراك، وهي من تطلق للعناصر الخارجه عن القانون العنان وتعطيهم حرية التصرف، وبالمقابل تشدد الخناق على نشطاء الحراك وقادة الرأي وعلى الصحفيين وعلى المعارضين السياسيين.
- من المستفيد من انفلات أمني بات يهدد الجميع دون استثناء؟ عندنا في اليمن الكل يعرف أن السلطة هي البارعة في العنف وفي الحروب، وهي من تريد جر الناس إلى الملعب الذي تجيد اللعب فيه، ملعب الحروب والصراعات المسلحة، وبالتالي تستخدم هى العنف الموجود هنا وهناك لضرب الكل، وهي الآن تريد أن تفتعل أحداثاً أو تدفع إلى حصول أحداث معينة لضرب الحراك ولصد الحراك بالعنف مستغلة بعض الحوادث وردود الأفعال من قبل الناس في الدفاع عن أنفسهم، فعندما يخرج الناس في مسيرة سلمية ويواجهون بهذا القمع والحصار العسكري والاعتقالات الهمجية العشوائية والتعذيب بالضرب لاشك سيضطرون للدفاع عن أنفسهم، والسلطة تدرك هذا ولكنها تسعى بإصرار عجيب على السير في هذا المنوال.
- لدى المشترك لجنة حوار، ولدى السلطة لجنة حوار، وقوى الحراك أعلنت مؤخراً تشكيل لجنة حوار.. من سيحاور من؟ أم أنه كل واحد يحاور نفسه؟ السلطة هي من تتحاور مع نفسها أما الآخرين فهي تعتبرهم إما أتباع للخارج أو آخرين خرجوا عن الطاعة لابد أن يعودوا إلى حضن السلطة، المشترك وحزب التجمع الوحدوي وقوى وطنية أخرى هي وحدها من تقود حواراً وطنياً شاملاً، هناك لجنة ولجان فرعية بذلوا جهوداً طيبة الفترة الماضية وأعدوا وثيقة مشروع إنقاذ وطني بحاجة إلى تطوير وتعديل من خلال الحوار، وهم الآن في طريق استكمال الحوار مع مختلف الشرائح والمكونات السياسية والاجتماعية وأصحاب القضايا المختلفة في البلد مثل القضية الجنوبية ومع الحراك والحوثيين مع مختلف المكونات، والعملية سائرة الآن ونتمنى أن تجد استجابة من جميع الفئات والمكونات على قاعدة الحوار المتكافئ لا فرض فيه لرأي على رأي آخر ولا مصادرة لقناعة أي طرف لحساب طرف آخر. أما حوار السلطة فهى ترفض وجود شركاء في الوطن وشركاء في النظام السياسي، إذا هي لا تحاور وإنما تبحث عن وكلاء أو تجار مقاولين صغار يعملون معها، أما بشأن الحوار الذي دعا له الحراك فيأتي ضمن التحضير للمؤتمر الذي يجرى الإعداد له ولن يكون بمعزل عن الحراك السياسي القائم داخليا وخارجياً.
- في ظل ما هو مشاهد من غياب الثقة بين السلطة والمعارضة ما هو الحل للخروج من الأزمة برأيك؟ الحل في أن يكون هناك طرف ثالث، أن يكون هناك دور من الأشقاء والأصدقاء ومن الحريصين على أمن واستقرار هذه المنطقة.
-أين دوركم كأحزاب مشترك في الجنوب.. ألا يبدو غائباً في خضم هذه الأحداث؟ لا نقول غياب المشترك، فالمشترك موجود وفاعل، ولكن يختلف طبيعة الحضور والفعل من مكان الى آخر ومن منطقة ومحافظة إلى أخرى، أحياناً المشترك يقوم بأدوار سياسية وأدوار إعلامية ليست مسموعة للناس كلهم لكنه حاضر وموجود في قلب الأحداث، صحيح ربما أن هذه المواقف لم تصل إلى مستوى ما يتوقعه الناس أو أطراف سياسية أو إلى مستوى طموح الناس لكنها أحزاب تعمل في ظل أطر معينة ومسؤوليات كما تراها هي، وهذا فعلاً لا يجعلنا نغض الطرف عن تقصير موجود في هذا المكان أو ذاك، هناك تقصير في أماكن معينة وهناك نقد موجه، بل بالعكس حتى من داخل المشترك نفسه يطرح علناً هذا النقد خاصة في عملية الالتحام بالناس في الشارع والنزول مع الناس للدفاع عن حقوقهم وأوضاعهم ، فالتغيير لن يتم في اليمن بالاستجداء ولا بالخطابة ولا بالحوار في الغرف المغلقة بل بالالتحام بالناس ومشاركتهم في الدفاع عن حقوقهم وفرض التغييرمن الأدنى والانتصار للقضايا العادلة والمطالب المشروعة.
- حشد الشارع سلاح ذو حدين؟ أكثر مما هو موجود الآن، الشارع عملياً الآن يغلي ، اليمن أصبحت توصف بالدولة الفاشلة: حروب في كل مكان، في كل منطقة الطيران يقصف والجيوش تقاتل..ولم يعد هناك سقوط أسوأ مما هو موجود الآن عملياً، لكن الآن كيف تتظافر الجهود لمنع الاندفاع لما هو أسوأ من الموجود! وهذه مسؤولية مشتركة، الخطأ في الأساس أننا اقتنعنا أن هناك ديمقراطية على انقاض حرب، في الأصل لا يستقيم أي حديث أو قول عن ممارسة ديمقراطية حقيقية على أنقاض حرب، في عام 94م كانت حرب أفضت إلى غالب ومغلوب، لا يمكن في وضع كهذا أن تبنى ديمقراطية، قبل الانفتاح الديمقراطي لابد ان تكون هناك تسوية للوضع ومصالحة وإقرار بحقوق الناس والعودة إلى شيء يجمع عليه الناس، أما هذا الوضع فهو تحصيل حاصل لحرب 94م وما يجري الآن في الجنوب وحتى في الشمال هو امتداد لتلك الحرب التي قلبت الوضع رأساً على عقب في اليمن.
- ما هو موقف المشترك في عدن من الأحداث التي طالت صحيفة الأيام؟ نحن كأحزاب في المشترك كنا جزءاً من القوى المدنية والسياسية والحراك السلمى في عدن التي نظمت وحضرت لمختلف الفعاليات التضامنية مع صحيفة الأيام وآل باشراحيل طوال الأشهر الثمانية الماضية والاعتداء الأول عليها وحتى آخر اعتصام يوم 4يناير الماضي، الاعتصام الحاشد الذي شاركت فيه كل النخب السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية في عدن والذي تم أثناءه الاعتداء على المعتصمين وتفريقهم بالقوة وانتهى الأمر بالهجوم على "الأيام" والاعتقال لكل العاملين فيها والناشر هشام باشراحيل ونجليه هاني ومحمد، والقضية لا تزال الآن منظورة أمام القضاء، وأنا أعتقد أن ما حصل ل"الايام" هو انقلاب حقيقي على النظام السياسي، وهو ما أكدناه في بيان تضامني للمشترك. ما حصل هو مؤشر على بداية تحول خطير، ليس فقط على الصحافة وحرية الرأى ولكن في النظام السياسي برمته، وسوف يأتي على كل الأحزاب وعلى حرية الرأى وعلى منظمات المجتمع المدني إذا فعلاً تم التغاضي عن هذه القضية ومرت قضية على النحو الذي تريده السلطة، وعلى الأحزاب وسائر القوى أن تعي هذه الحقيقة..
- كنت أحد المتضامنين والمحاصرين داخل مبني "الأيام" ليلة الاقتحام، ضعنا في صورة ماجرى في تلك اليلة؟ كان شيئاً فضيعاً وخطيراً لا يوصف، لكن ما دامت القضية الآن أمام القضاء لن نخوض في التفاصيل ونترك المجال للقضاء ليأخذ مجراه، وفي الوقت المناسب يمكن الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، لكن الشيء المؤسف هو عندما كنا في السجن ولاحظنا تواجد كثير من المعتقلين من مختلف الفعاليات؛ معتقلي 7/7، معتقلي 16 أغسطس، و14 أكتوبر، معتقلي 30 نوفمبر، وهو شيء مؤسف ومحزن أن يتركوا في السجن طوال هذه المدة خلافاً للقانون وتصادر حقوقهم وتنتهك.
- دخول القاعدة على الخط وظهورها العلني مؤخراً في أبين كيف تفسر هذا الأمر؟ القاعدة هي موجودة في اليمن، كيف تم إثارة هذا الموضوع في الفتره الأخيرة، هي السلطة أرادت إثارة الموضوع لخلق ربط بين القاعدة والحراك في الجنوب وبين القاعدة والحوثيين في صعدة لاستغلال ذلك في ضرب هذه الأطراف أو استدعاء الخارج لضربها. أما مسألة الزعم بعلاقة أو تشبيك بين الحراك والقاعدة للأسف فهؤلاء الذين أطلقوا هذه المزاعم لا يقدرون الأمور حق تقديرها ويعمدون إلى خلط الأوراق لأهداف آنية وتكتيكية، وهم بذلك يجلبون على أنفسهم وعلى البلاد مصيبة كبيرة، كان هدفهم من إثارة الموضوع تشويه الحراك والقضية الجنوبية وتصعيد عملية الحرب على الحراك وقمع الناس وفعالياتهم، فانقلب السحر على الساحر.
- ألا تخشون من نجاح السلطة في كسب هذا التأييد لقمع معارضة الداخل؟ السؤال هو ماذا يريد الخارج؟ إذا كان يريد أن يدفع باليمن إلى الهاوية ويحوله إلى ساحة حرب بإمكانه الاعتماد على السلطة كوكيل له في الحروب بالداخل ويمد السلطة بمقومات الحروب لكى تضرب المعارضة والحراك والشرق والغرب والوسط، وأن تحول اليمن الى بؤرة للصراع والحروب ومنطقة غير مستقرة أكثر مما هي عليه اليوم، أما إذا كان سينظر إلى الأمور من منظور الجدية في إصلاح الأوضاع في اليمن وانتشالها فذلك سيتضح إذا ما تم النظر إلى جوهر القضايا في البلد والعمل في اتجاه الخروج برؤية تلبي التطلعات وتضمن الحقوق المشروعة لجميع الأطراف، ومن الطبيعي أن تحظى القضية الجنوبية ومصير الجنوب بالأولوية.