أول وزير دفاع في العالم حسناً، كان خطاباً مهماً للغاية، واحتوى على عبارات مؤثرة. يمكنني القول إن عبد الفتاح السيسي قد نجح في تسويق نفسه، وسوف تسمع من الآن وصاعداً أصوات كثيرة تطالب بأن يكون هو الرئيس المقبل. قلت في أكثر من مناسبة قبل 30 يونيو إن سقوط محمد مرسي هو سقوط للبرادعي وحمدين أيضاً. بعبارة أكثر وضوحاً، لقد سقطت النخبة السياسية من عين غالبية الشعب التي لا تتعاطى السياسة بشكل يومي، وهذه الحقيقة لم تصل بعد للإخوان المسلمين وخصومهم السياسيين.
من المؤكد أن التاريخ سيذكر كيف أن السيسي هو أول وزير دفاع في العالم يدعو إلى مظاهرات تأييد. صحيح، أن دعوته هذه تثير قدراً هائلاً من السخرية، فلم يحصل وربما لن يحصل أن يدعو وزير دفاع الجماهير لتفويضه في أمر ما، حتى لو كان هذا التفويض متعلقاً بمحاربة الإرهاب حسب مزاعمه، فالحرب على الإرهاب لا تحتاج لتفويض شعبي، وإنما لإعمال القانون، برغم ذلك، سينجح السيسي لسوء الحظ.
باختصار، دعوة وزير الدفاع وقائد الانقلاب تهدف لتهيئة المسرح لاتخاذ إجراءات قاسية بحق فرقاء سياسيين، الذين هم في هذه الحالة كل من من ينتمي للتيارات الإسلامية وعلى وجه الخصوص جماعة «الإخوان المسلمين»، التي ربما دخلت محنة كبرى تذكّر بما حصل لها في الستينيات من قمع واعتقالات وتقييد الحريات.
من المهم إذن عدم الاستهانة بخطاب السيسي، لكن جزءاً كبيراً من مشكلة الإخوان، أنهم لم يدركوا حجم حضور الجيش في السياسة المصرية، وفي التأثير على قطاعات واسعة من الشعب، دعونا نتذكر كيف خرجت مظاهرات حاشدة مدعومة من العسكر بقيادة جمال عبد الناصر عام 1954 تطالب بإلغاء الديمقراطية.
لقد حشد السيسي ما يمكن من ذرائع لنجاح دعوته، فقد أكد أنه لم يخن الرئيس السابق وأنه كان دائم النصح له، وألمح إلى أن مرسي لم يكن وطنياً، وأن جماعته لا ترى نفسها إلا في الحكم وإلا فإنها سوف تقوم بقتل المصريين.
نعم، يمكن وصف السيسي بثعلب يعرف كيف يصطاد فريسته، فقد نجح في استغلال لحظات القلق التي يعيشها الشعب المصري، ليأخذ منه تفويضاً لشرعنة الإقصاء واتخاذ إجراءات استثنائية تحت دعوى محاربة الإرهاب.
لقد أصبح كل شيء شديد الوضوح، بما في ذلك أن ما حصل انقلاب وليس ثورة، وإلا كيف يمكن تفهم أن يخاطب قائد الجيش الشعب في أمر هام كهذا، فيما الرئيس ورئيس الحكومة التي تقول إن لديها صلاحيات واسعة كما يقولون خارج هذه اللحظة الفارقة؟.
برغم كل ذلك، لا أنصح التيار الإسلامي وفي القلب منه جماعة «الإخوان المسلمين» بالمواجهة، بل على العكس أدعوهم إلى الاكتفاء بدور الضحية، وأن يكون ذلك في إطار استعادة الديمقراطية.
صدقوني ليست دعوة للاستسلام، ولكن طريقة لإفشال محاولة إجهاض مسيرة ثورة 25 يناير التي رفعت شعارات الحرية والعدالة وحق المصريين في اختيار حكامهم دون وصاية.