في مواجهة حالة الاستنكار المحلي والخارجي ضد إخفاء الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي منذ الانقلاب العسكري؛ اهتدى شياطين البلاطجة في مصر إلى حيلة تنشيط اتهامه بالتخابر مع حماس واقتحام السجن الذي كان معتقلاً فيه من فجر جمعة الغضب التي مهدت الطريق لسقوط نظام المخلوع الفاسد حسني مبارك! سوف يسجل التاريخ سابقة قضائية مصرية باتهام رئيس جمهورية بالتجسس.. فالأصل أن يتهم الرئيس باختراق الدستور، لكن لأن الانقلابيين سبق لهم تجميد الدستور، والانقلاب عليه، فلم يكن من المُمكن توجيه هذه التهمة للرئيس، فكان الحل اتهامه بالتخابر مع حماس وكأنه رأفت الهجان!
وكذلك سوف تسجل سابقة أخرى باتهام معتقل سياسي خارج القانون بأنه هرب أو خرج من السجن يوم انهيار الحالة الأمنية في ذروة ثورة شعبية عاتية كان أحد أبرز مظاهرها: انسحاب الأمن وفتح بوابات السجون المصرية كلها أمام من يريد الخروج، ومن لم يخرج تم تحريضه على ذلك! وفي بلدان خلق الله يصير للمعتقلين السياسيين المظلومين مكانةً كبيرةً في النظام الجديد، لكن التقاليد الفرعونية جعلت من المعتقلين السياسيين مجرمين ويجب محاكمتهم!
وللمقارنة فقط؛ فإجبار المخلوع الفاسد حسني مبارك على التخلّي عن الرئاسة يوم 11 فبراير (وبصرف النظر عمّن قام بذلك ومبرراتهم، وهل هم العسكر أم غيرهم)؛ هو أيضا جريمة وفق القوانين نفسها التي جرّمت خروج أو هروب المعتقلين السياسيين من معتقلهم. ولا شك أنه لو كانت الأمور لم تصل يومها إلى إعلان قرار التنحي، واستطاع نظام مبارك وأجهزته الأمنية احتواء الموقف، وإفشال المطالب الشعبية برحيل نظامه، لا شك أن مصر كانت ستشهد بعدها محاكمات فورية ضد رموز الثورة، وفي مقدمتهم قادة جبهة «الإنقاذ» مثل البرادعي وصباحي والسيد البدوي؛ بالإضافة إلى قادة الإخوان والشباب، ومن يتيسر اعتقاله يومها، وحتى لو حدث إجهاض الثورة بعد إعلان التنحي فقد كان يمكن القول إن القرار منعدم؛ لأنه تم بالإكراه!
••• قرار حبس أول رئيس مصري منتخب له أيضا هدف نفسي هو الانتقام مما حدث في ثورة 25 يناير بالطريقة نفسها: فإخراج الحشود المليونية (بصرف النظر عن انكشاف تزويرها) يوم 30 يونيو هو انتقام من الحشود المليونية التي خرجت في ثورة 25 يناير وأسقطت مبارك.. وطريقة إعلان الانقلاب والاحتفالات الشعبية التي تم تدبيرها يوم الانقلاب هي انتقام مؤجّل لما حدث في ذلك اليوم.. واعتقال الدكتور مرسي والإصرار على محاكمته ووضعه في زنزانة ثم في قفص الاتهام هو انتقام لما حدث لمبارك من اعتقال ومحاكمة ووضعه في زنزانة أمام العالم!
ليس عيباً أن نقر أن رجال دولة مبارك، وأجهزته العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية؛ لعبوا لعبتهم بمهارة وحقد أيضا، ولم يثنهم فشلهم في استنساخ مبارك جديد باسم أحمد شفيق عن الاستمرار في خطتهم حتى نجحوا في تنفيذها باسم ثورة شعبية وزلزال شعبي لم تعرف الإنسانية مثيلاً لها، كما تبرع المغفلون التاريخيون لوصفها والترويج لها، واستعاد العسكر زمام المبادرة، وها هو قائد الانقلاب يحوله الإعلام المصري إلى أسطورة يعيد الأمجاد الإعلامية لزعماء الانقلابات العسكرية في الخمسينيات والستينيات، ويجعل من أماني الطامحين المدنيين في الرئاسة أضغاث أحلام.. وستتحقق نبوءة السادات بأن مصر لن يحكمها لخمسين سنة إلا عسكري [ذكر ذلك الكاتب الانقلابي الشهير محمد حسنين هيكل في كتابه عن مبارك؛ نقلاً عن السادات الذي استشاره عام 1976 عمن يصلح ليكون نائباً لرئيس الجمهورية، وكان اسم مبارك من ضمن 4 أسماء مطروحة.. ويومها بدا هيكل –على ذمته- غير مرتاح لعسكرة الدولة، لكن السادات أعلن له نبوءته تلك، وأثبت بذلك أنه أذكى من هيكل وأبعد نظراً منه؛ وها هو هيكل، ودون أن يترحم على السادات ويعتذر له؛ يقوم بآخر مهمّة سياسية وإعلامية له بالترويج للانقلاب العسكري الذي أقصى رئيساً مدنياً منتخباً لصالح عودة زمن الرؤساء العسكر المزوِّرين كما عرفتهم مصر خلال 60 سنة!].
لا يجوز التهوين من مشاعر الانتقام والحقد لدى رموز الأنظمة الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، ولو عدنا لصورة الرئيس السابق علي صالح وهو يوقع مرغماً على المبادرة الخليجية فسوف نفهم بوضوح ما الذي كان يعتمل في نفسه لحظتها، ويمكن أن نتوقّع الآن بعضاً منها!
هناك أيضا مشاعر سلبية لا يمكن فهمها إلا في إطار الرغبة في الانتقام، وهي تلك التي أصابت المرشحين الأربعة الذي سقطوا في الانتخابات الرئاسية لصالح فوز المرشح الإخواني الدكتور محمد مرسي، وهؤلاء الأربعة هم: أحمد شفيق، وعمرو موسى، وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، وكل واحد منهم كان يظن أن الفوز أقرب إليه من حبل الوريد، وكان الإعلام يلعب بعقولهم بالضرب على ذلك، ولاقوا كلهم لطمة ليست قاسية فقط بل ومهينة بسقوطه؛ لأن الخسارة كانت في انتخابات نزيهة لا يمكن التشكيك فيها، والأقسى إيلاماً أن الذي انتصر في الأخير هو المرشح الذي تقدّم للترشيح في الدقائق الأخيرة، واستهانوا به.. ثم إذا به هو الذي يصير الرئيس المدني الأول في تاريخ مصر، لن نكون متجاوزين إن قلنا إن أثر اللطمة المهينة كان أقسى خاصة على عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، وهو ما يفسّر مواقفهما المخجلة والانبطاحية واللا مبدئية التي لا تتفق مع ماضيهما النضالي، ولا يمكن تفسيرها إلا بالحسد الذي أكل أكبادهما بعد أن أطار من على رأسيهما تاج الخرز!
••• في الأدب الإنساني عديد من الروائع عن المظلومين الذين يعودون من المنفى أو السجن لينتقموا من ظالميهم، لكن في الحالة المصرية والعربية هناك فرق مهم: المنتقمون العائدون ليسوا مظلومين بل لصوصاً، وقتلة، وفسدة، ومجرمين وعملاء عادوا بدعم أساطين الإجرام العربي والعالمي!
••• نفهم أن يطالب البعض في تونس بإقالة وزير الداخلية أو باستقالة الحكومة احتجاجاً على اغتيال أحد رموز المعارضة الخميس الماضي، لكن من غير المفهوم أن يطالبوا بحل المجلس التأسيسي الذي يُوشك على الانتهاء من إعداد أول دستور ديمقراطي في تونس (وبدون شريعة إسلامية..) ثم يتم حلّه، ويدعى التونسيون لانتخابات تشريعية جديدة!
فكروا بالجهات التي ليس من مصلحتها إقرار الدستور الجديد لكي تعرفوا من هو مؤلف مطلب حل المجلس التأسيسي.. والمؤكّد أنه هو الذي قاد عمليات الفوضى في مصر لإيقاف إتمام عملية التغيير.. وهو ما سيحدث لاحقاً في اليمن!