بعد حوالي أربعة أشهر من بداية الحوار الوطني تضاءلت مطالب اليمنيين حتى وصلت إلى مجرد الحلم بأن يتنقلوا بين محافظة وأخرى دون خوف من أن يكونوا فريسة سهلة لصاروخ موجه أو طائرة أميركية بدون طيار. فالكثير من اليمنيين في كل من مأرب والجوف والبيضاء وشبوة وأبين وذمار وبعض المناطق حول صنعاء يعيشون في ظل خوف دائم ناجم عن أزيز طائرات بدون طيار تحلق فوق رؤوسهم لا يعرفون متى تقصف وأين تقصف.
يحكي الكثير من المواطنين أن حياتهم تغيرت تماما بسبب هذه الطائرات، فالأطفال أصبحوا يتهيبون الذهاب إلى المدارس خوفا من هذه الطائرات، والفلاحون هجروا مزارعهم خشية أن تتصيدهم هذه الطائرات، حتى إن المواشي تركت هذه المناطق لأنها أصبحت تشعر بخطر داهم، بل إن الكثير من الأمهات الحوامل أسقطن بسبب الرعب الذي تثيره في نفوسهن تلك الضربات العشوائية.
ويتساءل الكثير من اليمنيين: ما سبب كثافة ضربات الطائرات الأميركية بدون طيار في الآونة الأخيرة؟ ولماذا لا يقبض على من يشتبه باشتراكه في "العمليات الإرهابية" ليحاكم أمام القضاء ويحصل على حقه في الدفاع؟ برنامج أميركي والسبب هو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وقع على برنامج لوكالة المخابرات الأميركية في 2012 يسمى بالضربات الموقعة, يقضي بتحليق الطائرات بدون طيار بشكل دائم في السماء اليمينة بغرض الاستطلاع وأخذ المعلومات وتحليل نمط عيش الأفراد والمجموعات.
وحسب البرنامج يعتبر هدفا لهذه الطائرات كل من يطابق نمط حياتهم نموذج حياة "الإرهابيين". فإذا اعتبرنا أن هناك مجموعة من الناس يقومون بتمارين صباحية يومية فقد يشتبه البرنامج بأنهم يقومون بتدريبات عسكرية "لأغراض إرهابية", فيصبحوا بذلك هدفا لهذه الطائرات.
وباختصار يعني هذا أن ضابط المخابرات الأميركي يقوم بدور محامي الادعاء والقاضي والمنفذ في نفس الوقت.
أما المواطن البسيط فيعيش في دوامة من الخوف، فهو لا يعرف إن كانت هذه الطائرة هي بغرض الاستطلاع أو القصف، فيعيش على أمل أن تكون هذه الطائرة للاستطلاع وأن يمر اليوم بسلام, ليدخل في حلقة جديدة من الخوف في اليوم الثاني بمجرد سماعة أزيزها.
أين تقف الحكومة اليمنية من كل هذا الكم الهائل من الانتهاكات؟؟ باختصار شديد، الحكومة اليمنية وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي ومن قبله علي عبد الله صالح لا يهمها حياة هذا المواطن.
وأعضاء تنظيم القاعدة جهزوا داخل مخابئ وأقبية الأمن السياسي والقومي ليرسلوا فيما بعد كأهداف لهذه الطائرات, لتستمر الحكومة اليمنية في الابتزاز المالي والسياسي الرخيص لتضمن تدفق الأموال من الإدارة الأميركية والبريطانية لتكافح ما يسمى "الإرهاب" وتضمن في نفس الوقت استمرارها في السلطة.
رسم المستقبل في ظل هذا الوضع البائس, حصل اليمنيون مؤخرا على فرصة في أن يقرروا مستقبلهم بأيديهم. ولأول مرة اجتمع اليمنيون بكل أطيافهم ليرسموا ملامح مستقبلهم في حوار وطني شامل يناقش كل قضاياهم ومشاكلهم ويقترحوا حلولا لها.
وفي الأشهر الأولى للمؤتمر أقر فريق العدالة الانتقالية بندا يقضي بتجريم استخدام الطائرات بدون طيار أو الصواريخ الموجهة لقتل المشتبه فيهم مهما كانت المسببات.
اختلف المتحاورون حول قضايا كثيرة، لكنهم أجمعوا على حق المواطن في الحياة وأقروا بشكل واضح لا لبس فيه أنه "لا يقبل لأي رئيس بأن يسمح بقتل مواطنيه". وبعد انتهاء فرق العمل في المرحلة الأولى من أعمالها، شكك الكثيرون من أن هذه المادة ستقر في الجلسة العامة، خصوصا أن الرئيس هادي هو من صرح في أكثر من مناسبة بتأييده للطائرات بدون طيار وقال إنها "أثبتت فاعليتها"، ولكن سرعان ما أتت الجلسة العامة وصوت المتحاورون بالإجماع على تجريم استخدام هذه الطائرات.
هذا الإجماع يحمل معاني عدة، منها أنه لا يحق للرئيس هادي أو المسؤولين في الأمن القومي بعد اليوم أن يصرحوا بأنهم هم من يعطي الموافقة على دخول هذه الطائرات الأجواء اليمنية. وثانيا أن هذا اختبار لمصداقية الإدارة الأميركية في دعم العملية الديمقراطية في اليمن، فهل ستتوقف عن العبث بحياة المواطنين وتحترم الإرادة الحرة لليمنيين؟ وثالثا أن الرئيس هادي الذي دأب على تأكيد أنه لا بديل للحوار، هل سيحترم مخرجات ومقررات الحوار أم ستصبح الدولة هي أول من ينتهك القانون؟
يا سيادة الرئيس, الطائرات تقتلنا.. واليمنيون قرروا، فاحترم قرارهم واحفظ حياتهم.. نقلاً عن الجزيرة نت