وجهت قوات الأمن الانقلابية في مصر تهم "التحريض والقتل والاعتداء على المتظاهرين والبلطجة والإرهاب" لمواطن مصري قبل أن نفاجأ بأن هذا المواطن المسكين "أعمى"لا يقوى على شيء من تلك التهم الموجهة إليه، وقد وردت التهم أعلاه في محاضر شرطة الانقلاب بالفعل ضد المواطن المصري الأعمى محمد عبدالتواب أحمد ،الذي لا حول له ولا قوة ولا يستطيع التحرك دون "دليل"يقوده في الطريق. وهو الأمر الذي يستدعي تلك التهم الجاهزة لقادة الإخوان "بقتل المتظاهرين" ،وكأن محمد البلتاجي هو الذي قتل ابنته أو أن محمد بديع هو الذي أطلق الرصاص على صدر ابنه. وقد كنت أتابع في الأيام الماضية مجموعة من أبواق الانقلابيين يقولون إن قادة الإخوان المسلمين يدفعون بأبناء الناس للشوارع فيما أبناء هؤلاء القادة في "قصور" آبائهم في الخارج، إلى أن تقاطر الشهداء من أبناء قادة الإخوان وتكشفت الأمور عن أن الأبناء كانوا في طليعة المحتجين، وعندها انكشفت عورة مبتكري "قصور" قادة الإخوان في الخارج، غير أن تلك الأبواق لم تعيها الحيلة مرة أخرى، فعادت لتقول إن قيادات الإخوان مجموعة من المصابين بالمرض والانفصام وأن حبهم المرضي للسلطة لم يحل بينهم وبين التضحية حتى بأولادهم لتحقيق ذلك الهدف ، في تقلب عجيب ينبيء عن كذب فاضح يذكرنا بصنيع تلك الأبواق عندما اتهم محمد البرادعي نائب الرئيس المصري بالخيانة لأنه قدم استقالته من منصبه وهي على حد علمي أول تهمة توجه لرجل بسبب أنه استقال من وظيفته. ونواصل القراءة في وسائل إعلام الانقلابيين لنقرأ في الأهرام - على سبيل المثال- بقلم رئيس تحريرها أن الاستخبارات المصرية حصلت على محاضر اجتماعات سرية لخيرت الشاطر والسفيرة الأمريكية للتخطيط لفصل الصعيد عن مصر على أن تكون أمريكا أول دولة تعترف بالكيان الجديد..وتابع رئيس التحرير "المهني جداً" أن اجتماعات للغرض ذاته تمت في عواصم غربية أخرى ليخلص التقرير إلى أن ضرب هذا المخطط هو أعظم انتصار لمصر على يد زعيمها العظيم عبدالفتاح السيسي الذي طالبته أقلام بعينها بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. وبناء على هذا "التقرير المهني" الذي أوردته الأهرام وجهت تهم الخيانة والعمالة والعمل على الإضرار بوحدة مصر لقيادات في جماعة الإخوان المسلمين التي من المضحك أنها كذلك تتهم من قبل الأجهزة ذاتها بالعمل على إعادة الخلافة الإسلامية التي لا تعني وحدة مصر بحد ذاتها ولكن وحدة الأمة من جاكرتا إلى الرباط. فكيف ستعمل هذه الجماعة على تجزئة مصر وهي صاحبة التهمة التاريخية المتمثلة في "العمل على إعادة الخلافة الإسلامية"؟ وفي سياق هذا "الضحك المبكي" دعونا نورد هذه "النكتة الإخبارية " الجديدة التي تروج لها وسائل إعلام الانقلابيين: (باراك أوباما ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ويأتمر بأمر المرشد العام لها)، وهذا أيضاً خبر جاد لم يرد في إحدى الصحف الشعبوية، بل أورته صحيفة الوفد "الموقرة جداً"، وشاع في وسائل إعلام تصر يوماً بعد يوم على أن ما جرى في 30 يونيو الماضي ثورة لا انقلاب. وضمن هذا المسلسل أوردت وسائل إعلام الانقلاب خبراً عن مهاجمة مجموعة إرهابية لسفينة صينية كانت تعبر قناة السويس ، وجاء في الخبر أن المجموعة تدعي "كتائب الفرقان"، التي بثت - حسب الخبر- شريط فيديو يصور بعض أعضائها وهم يطلقون قذائف صاروخية على السفينة الصينية، وجاء في الخبر "إلى ذلك اعترفت هيئة قناة السويس بصحة مقطع فيديو جرى تداوله الخميس الماضي، يظهر فيه ملثمون يرددون "الله أكبر" ويطلقون قذيفة على سفينة أثناء عبورها المجرى." بالنسبة لي أرى أن مجرد صياغة الخبر تدل على أن الجهة الأمنية التي أنتجت شريط الفيديو هي التي اخترعت مسمى "كتائب الفرقان" التي تبنت إطلاق قذائف على سفينة كانت تعبر قناة السويس. والطريف ان هيئة قناة السويس حسب الخبر "اعترفت"بصحة الشريط وهي هيئة ملاحية غير مختصة بفحص شرائط الفيديو للمجموعات الإرهابية التي عادة ما تكون من اختصاص أجهزة الاستخبارات، فكيف يمكن ذلك إلا إذا كانت الجهة التي أنتجت الشريط هي التي أنتجت "كتائب الفرقان" المزعومة، وهي الجهة التي أصبحت تخضع هيئة قناة السويس لإملآتها، وهي حسب المؤشرات جهاز "أمن الدولة" المصري الذي عاد بقوة بعد انقلاب تجار الجيش المصري الذين حولوا هذا الجيش إلى شركة مقاولات، وخدعوا الناس بالتغني ببطولاته ليغطوا على حقيقة أنه أصبح مؤسسة اقتصادية انتفخت من ورائها جيوب كبار ضباطه وبطونهم.
وقبل أن ننهي نعرج على بعض الأخبار اليومية التي تبطل فيها شرطة الانقلاب عبوات ناسفة مزروعة في قطارات أو كنائس أو مبانٍ حكومي ، في سذاجة تذكرنا بسذاجة شرطة مبارك التي وضعت المتفجرات ذات يوم في "كنيسة القديسين" لتوتير الأجواء الطائفية في مصر وضرب خصومها ببعضهم.. نحن يا سادة -إذن -أمام فلم مصري تتصيد فيه الشرطة ضحاياها بأن تضع أكياس المخدرات في بيوتهم سراً، ثم تداهم بيوتهم علناً لتكتشف تلك الأكياس وتغادر بهم إلى السجن المؤبد بتهمة حيازة المخدرات. غير أن الفيلم هذه المرة تنازل نجوم السينما المصرية المعروفون عن بطولته لممثل جديد بارع دخل الساحة بقوة واقتدار في الأداء السينمائي، هو النجم الجديد عبد الفتاح السيسي المجدد الحقيقي للسينما المصرية في منتصف العام 3013 للميلاد. بقي أن أشير إلى مجموعة من العبارات التي سكتها أجهزة إعلام العسكر على مدى سنوات طويلة ، خدعنا بها ورددناها دون أن نفكك عناصرها لينكشف لنا حجم الخديعة الكبرى التي وقعنا فيها ردحاً من الزمن، ومن هذه العبارات المسكوكة: "القضاء المصري المشهود له" ، مع أني إلى حد الآن لا أدري من هو الذي شهد لهذا القضاء غير نظام مبارك نفسه، ومع أن هذا القضاء هو الذي مرر كل صفقات الفساد المشبوهة أيام مبارك، وهو الذي برأ مبارك أخيراً من التهم الجسيمة التي لا يمكن تصور براءته منها. هذا قليل من كثير يفضح ارتباك رموز العصر الجديد في مصر، كما يفضح ضعف قدراتهم الذهنية التي لا تزال تعيش على خطاب قديم أكل عليه الدهر، وشرب منه ذيولهم من الإعلاميين الذين جسدوا في شخوصهم منتهى ما يمكن أن يكون عليه القبح الخلقي والتشوه النفسي الذميم. وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا..