أجمع المشاركون في مؤتمر" العلاقات اليمنية الخليجية الحاضر.. آفاق المستقبل" الذي نظمه المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية واختتم الأربعاء قبل الماضي بصنعاء أعمال على أن انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي ضرورة تفرضها المصالح المشتركة ذات الطبيعة الإستراتيجية بين شعوب ودول الجزيرة العربية، وحاجة ملحة تستدعيها التطورات والتحولات الإقليمية والدولية بالغة الحساسية. منوهين إلى أن الشراكة بين اليمن ودول الخليج من حيث المبدأ والفكرة لم تعد محل إشكالية، وأن الإشكالية تكمن فقط في إطار وشروط وخطوات ومتطلبات تحقيق هذه الشراكة. وبهذا الخصوص شدد المشاركون على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة من اليمن والخليج لبحث المعوقات الرئيسية التي تحول دون انضمام اليمن إلى مجلس التعاون من الجانبين اليمني والخليجي، والبحث المعمق للمصالح المشتركة والمتبادلة التي ستوفرها هذه العلاقة والنظر إليها بعين العقل وروح المسؤولية دون الارتهان لمثبطات الحاضر. مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة وجود إرادة سياسية تنطلق من تقييمها الموضوعي لأهمية هذه العلاقة بحيث تتجاوز سلبيات الماضي وتأخذ بعين الاعتبار المعطيات الراهنة وعلاقاتها بالمستقبل، وكذا تحديد معالم المصالح الذاتية والمشتركة لكل مسار من مسارات الاندماج، ووضع خطة مزمنة لتجاوز أي تحديات أو معوقات، وتحييد المخاوف والأضرار التي قد تترتب على هذه العلاقة.
كما ذهب المشاركون إلى القول بأن الانضمام التدريجي التاهيلي لليمن إلى بعض لجان المجلس يبدو - رغم بطئه- طريقاً معبداً للانضمام الكلي، لكنه لا يعفي دول المجلس من البحث عن وسائل أخرى لخلق علاقة تعاون وشراكة مع اليمن تتجاوز سلبيات الماضي، وتؤسس لعمل مشترك من أجل توفير الشروط المناسبة لإعادة بناء الحاجة المتبادلة لتلك العلاقة وبتوافق تام مع العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.. باعتبار اليمن يمثل جزءا هاماً ليس من جغرافية المنطقة فحسب وإنما باعتباره جزءاً من هويتها وكيانها الذي لا غنى عنه في تنمية واستقرار المنطقة والحفاظ على أمنها القومي وحمايتها من التحالفات المريبة.
وفي هذا السياق طالب المشاركون طرفي العلاقة (اليمن ودول الخليج) بالبدء في الإجراءات العملية لمجالات الاندماج المتاحة وعدم تعليقها بالمجالات غير المتاحة، مؤكدين على أهمية ترسيخ علاقات مستقرة وثابتة مع كل دول المنطقة المجاورة بما يخلص العلاقات اليمنية الخليجية من الملتبس الأيدلوجي والثقافي والمذهبي والفكري وخطورة توظيفه في الشأن السياسي. وأفادوا أنه لابد من وضع رؤية إستراتيجية يمنية واضحة ومحددة تتضمن تقييم وتشخيص مسار هذه العلاقات ومتطلباتها المستقبلية، وترتيب أولوياتها من حيث الاحتياجات والدعم والتأهيل.
وعلى الصعيد الجغرافي والتجاري أشار المشاركون إلى أن موقع اليمن القريب من البحر العربي وإمساكه بمفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر وتحكمه بطرق الملاحة البحرية الصاعدة إلى أسيا يجعل منه أحد الشروط الرئيسية لاستقرار المنطقة، وممراً آمناً يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تمرير أنابيب النفط والغاز عبر أراضيه وإنشاء موانئ بحرية لاستيراد وتصدير البضائع وتأمين طريق بري للتجارة.
معتبرين أن الكثافة السكانية في اليمن تمثل هي الأخرى واحدة من أهم مقومات انضمامه إلى مجلس التعاون؛ لما توفره من قوة بشرية عاملة يمكن لدول المجلس توظيفها في تأمين التهديد الديموغرافي والسياسي والفكري، والحفاظ على التركيبة الاجتماعية والثقافية والهوية الوطنية لتلك الدول التي يعمل فيها قرابة 12 مليون عامل أجنبي يشكلون (قنبلة موقوتة) تهدد اللغة والعقيدة والأخلاق والترابط الأسري والمجتمعي. مشيرين إلى أن الكثافة السكانية اليمنية تمثل سوقاً آمنة ومستهلك دائم للصادرات الخليجية التي تشكل نحو 40% من حجم الواردات اليمنية، فضلاً عن كونها قد تسهم في تكوين جيش خليجي موحد يكون فيه الجيش اليمني أحد المكونات الأساسية وبما يحدث نوع من التوازن الديمجرافي المطلوب في الخليج.
أما على الصعيد الاقتصادي والتنموي فيرى المشاركون أن ما يمتلكه اليمن من خصائص وإمكانات، تتمثل في منظومة التشريعات الاقتصادية وأطر وآليات العمل الاقتصادي واتساع سوق العمل وانخفاض أجور الأيدي العاملة وتوفر فرص استثمار ومصادر طاقة رخيصة، قد تسهم جميعها - متى أحسن استغلالها- في تحقيق التكامل الاقتصادي بين اليمن ودول المجلس على المدى البعيد.
وفي هذا الإطار يوصي المشاركون بفتح مسارات سريعة لتدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى اليمن، وفي المقابل تدفق العمالة اليمنية إلى السوق الخليجية وإزالة العوائق والصعوبات التي تواجه انتقالها حالياً والمتمثلة بدرجة رئيسية في نظام الكفالة وتأشيرة العمل (الفيزة) وذلك لما يكتنفهما من قيود وتعقيدات، وإنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضايا العمالة اليمنية وبما يضمن حماية حقوقهم وممتلكاتهم. مشددين على ضرورة تشكيل لجنة مشتركة يشارك فيها اتحاد الغرف التجارية وذلك لبحث طرق وأساليب جلب الاستثمارات الخليجية إلى اليمن وتأهيل العمالة اليمنية كخطوة أولى في هذا المجال.
واقترحوا إنشاء صندوق لدعم البنية التحتية في اليمن بإشراف خليجي، كما دعوا إلى إزالة حواجز الشك والقلق والريبة والمخاوف بين الجانبين. مؤكدين في السياق ذاته على دور النخب في توعية الشعوب فيما يتعلق بالعلاقات اليمنية الخليجية وأهميتها في حماية الأمن القومي، ودور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز قيم التواصل والتعاون المشترك وترسيخ مفاهيم التكافل ودعم وتعميق العلاقات الثنائية اليمنية الخليجية.
وعلى الصعيد الأمني ذهب المشاركون في مؤتمر العلاقات اليمنية الخليجية إلى القول بأن تأثير التطورات السلبية التي تشهدها اليمن قد تشكل تهديداً حقيقياً للمنجزات التي وصلت إليها دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات القليلة الماضية باعتبار أن أمن واستقرار اليمن يعد عنصر أمن واستقرار لمنطقة الخليج العربي، وأن عزل اليمن قد يؤدي إلى اختلالات عميقة في المنطقة وبصورة يصبح معها الحديث عن أمن الخليج فاقدًا لأي قيمة أو مضمون.
وقد ركزت التوصيات في هذا الجانب على واحدية الشعور بأن أمن الخليج والجزيرة العربية كلٌ لا يتجزأ، وأن مسؤولية دول وشعوب الخليج والجزيرة تقتضي القيام بجهود مشتركة وعمل جمعي يرفع من وتيرة التنسيق الأمني ويفعل الاتفاقيات الموقعة بين اليمن وبعض دول المجلس بهذا الخصوص.كما طالب المشاركون بسرعة إغلاق الملفات الأمنية الآنية في الداخل اليمني وفي مقدمتها ملف صعدة والذي امتد إلى الشأن السعودي، وكذا التخلي عن أساليب الابتزاز الأمني والتهديد المبطن.
ومن الناحية السياسية استعرض المشاركون بعض التطورات السياسية والأحداث التي شهدتها المنطقة وتأثيراتها على العلاقة اليمنية الخليجية ودور العنصر الخارجي المحيط بالمنطقة في رسم مسارات تلك العلاقة، مشيرين إلى أن تكوين علاقة الشراكة والتعاون يتطلب أيضاً تنسيق السياسات الخارجية لأطراف هذه العلاقة تنسيقاً محكماً يستهدف بدرجة أساسية حماية هذه العلاقة وأطرافها والتشاور المستمر فيما يخص القضايا الحيوية الإقليمية والدولية.
وتطرقوا في حديثهم إلى بعض الأخطاء والاختلالات السياسية التي وقعت فيها كثير من الأنظمة في دول المنطقة وعلى رأسها اليمن، وتأثيراتها التراكمية على مستقبل هذه الدول وعلاقاتها مع بعضها البعض.
وبهذا الصدد شدد المؤتمرون على ضرورة إجراء مصالحة سياسية وطنية شاملة في اليمن، وإعادة هيكلة نظامه السياسي والإداري بما يضمن تنفيذ حزمة إصلاحات تعطى الأولوية فيها لمكافحة الفساد والتخفيف من حدة الفقر والبطالة، وتحسين بيئة الاستثمار باعتبارها متطلبات جوهرية لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون. داعين في الوقت ذاته دول المجلس إلى تشجيع اليمنيين على الدخول في حوار وطني جاد لمناقشة قضايا اليمن ومشاكله الداخلية ومن ثم الخروج بحلول ومعالجات سريعة للأزمات الراهنة التي تقف حجر عثرة أمام اندماج اليمن للمنظومة الخليجية. كما أكد المشاركون على ضرورة إجراء إصلاح سياسي شامل في جميع دول الخليج العربية، وبما يفتح آفاقاً واسعة في المشاركة السياسية وصناعة القرار أمام شعوب هذه المنطقة.
وعبر المشاركون في المؤتمر عن شكرهم وتقديرهم لما يتبناه ويقوم به المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية من جهود التوعية، والمتابعة المستمرة لموضوع العلاقات اليمنية الخليجية من خلال الندوات واللقاءات وتقديم الرؤى والمقترحات والدراسات والبحوث التي يمكن أن تفيد صانعي القرار في الرقي والتقدم بتلك العلاقات. وفي هذا السياق شدد المؤتمرون على ضرورة قيام المركز وبالتنسيق مع مراكز الدراسات الخليجية بعقد ندوات ومؤتمرات مشتركة من شأنها تطوير العلاقات اليمنية الخليجية، على مستوى منظمات المجتمع المدني ومراكز البحث التي تؤدي دوراً مهماً في ترسيخ الوعي وتبادل الآراء والأفكار المتعلقة بتعزيز وتطوير أواصر التعاون والتكامل بين دول وشعوب منطقة الخليج والجزيرة العربية.