أطلقت منظمات دولية تراقب حقوق الإنسان تقارير مطولة حول قضية الغارات الامريكية بطائرات من دون طيار داخل الأراضي اليمنية والتي تستهدف مواقع يتمركز بها مشتبه بارتباطهم بجناح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وأصدرت منظمتي «الكرامة» و«هيومن رايتس ووتش» تقريرين حول القضية، خلصت إلى أن الغارات تودي بحياة مدنيين.
وقالت «هيومن رايتس ووتش» في تقرير أصدرته اليوم الثلاثاء إن الغارات الجوية المستهدفة التي تجريها الولاياتالمتحدة ضد «إرهابيين» مزعومين في اليمن قد تسببت في قتل مدنيين في انتهاك للقانون الدولي. كما أن الغارات التي كثيراً ما تجرى بطائرات دون طيار تخلق ردود أفعال عامة غاضبة تقوّض الجهود الأمريكية ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
يتولى التقرير المكون من 102 صفحة، «بين طائرة بدون طيار والقاعدة: التكلفة المدنية لبرنامج القتل المستهدف الأمريكي في اليمن»، فحص ستة عمليات قتل مستهدف أمريكية في اليمن، إحداها من عام 2009 وبقيتها من 2012-2013. تسببت اثنتان من الغارات في قتل مدنيين على نحو عشوائي في انتهاك واضح لقوانين الحرب، وربما تكون الباقية قد استهدفت أشخاصاً لا يمثلون أهدافاً عسكرية مشروعة، أو تسببت في وفيات مدنية غير متناسبة.
قالت ليتا تايلر، باحثة أولى بقسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش: «تقول الولاياتالمتحدة إنها تتخذ كافة الاحتياطات الممكنة أثناء عمليات القتل المستهدف، لكنها قتلت مدنيين دون وجه حق وأصابت أهدافاً عسكرية مشكوك فيها في اليمن. وقال لنا يمنيون إن هذه الغارات تجعلهم يخشون الولاياتالمتحدة بقدر خشيتهم من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية».
وخلال ستة أسابيع في اليمن في 2012-2013 قام باحثو هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلات مع أكثر من 90 شخصاً حول الغارات، وبينهم شهود وبعض أقارب القتلى ومحامون ومدافعون عن حقوق الإنسان ومسؤولون حكوميون. كما راجعوا أدلة تشمل ذخائر حربية ومقاطع فيديو من مواقع الغارات. أدت مخاوف أمنية إلى منع زيارة أربعة من هذه المواقع.
تسببت الغارات الست التي حققت فيها «هيومن رايتس ووتش» في قتل 82 شخصاً، منهم ما لا يقل عن 57 من المدنيين. وتشمل غارة بطائرة دون طيار في سبتمبر/أيلول 2012 في صرار بوسط اليمن، أصابت عربة ركاب على نحو غير مشروع فقتلت 12 مدنياً. وجد أهل القرية الذين هرعوا إلى مسرح الغارة جثث أقاربهم المتفحمة مغبرة بالطحين والسكر اللذين كانوا عائدين بهما إلى بيوتهم من سوق قريبة. أما هدف الغارة المعلن، وهو قائد محلي مزعوم من قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فلم يكن في أي مكان قرب العربة.
وأطلقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية نداءً مشتركاً للكونغرس الأمريكي بالتحقيق الكامل في الحالات التي وثقتها المنظمتان، علاوة على غيرها من الغارات المعرضة لاحتمال عدم المشروعية، والإفصاح للجمهور عن أية أدلة على انتهاكات لحقوق الإنسان. كما يجب خضوع المسؤولين عن عمليات قتل دون وجه حق للتأديب أو الملاحقة حسب مقتضى الحال.
ودعت إدارة أوباما إلى تقديم تكييفها القانوني الكامل لبرنامج القتل المستهدف في اليمن وغيره. وقالت إنه يتعين على الحكومة اليمنية ضمان التزام الولاياتالمتحدة بالقانون الدولي عند تنفيذها لغارات على التراب اليمني.
قالت ليتا تايلر: «على الولاياتالمتحدة التحقيق في الغارات التي تقتل مدنيين ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات. كما أن الوقت قد حان منذ زمن طويل لقيام الولاياتالمتحدة بتقييم مشروعية برامج القتل المستهدف، وكذلك التأثير الأوسع لهذه الغارات على المدنيين».
إلى ذلك، قالت منظمة «الكرامة» في بيان لها إن عدد الغارات التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية في اليمن في إطار حربها على «الإرهاب»، منذ الهجمة الأولي في نوفمبر 2002 وحتى شهر يوليو 2013، يتراوح ما بين 134 و234 عملية. وتشمل هذه العمليات القصف بالطائرات الحربية، وطائرات الدرونز، وإطلاق الصواريخ انطلاقا من بوارج حربية ترابض بخليج عدن.
وأضافت ان هذه الهجمات خلفت حسب مصادر المنظمة ما بين 1000 إلى 2000 قتيل.
وقال كريم الصياد، المسؤول القانوني في منظمة الكرامة عن منطقة الخليج «أصبح اليمن بعد باكستان حقل تجارب للأساليب الجديدة للحرب التي تشكل ثورة وتحديا على المستوى التقني والسياسي، لكن وبشكل خاص على المستوى القانوني».
ويهدف تقرير «ترخيص بالقتل، لماذا تنتهك حرب طائرات الدرونز الأمريكية باليمن القانون الدولي» الذي نشرته منظمة الكرامة، إلى عرض نتائج أبحاثها الميدانية، وتحليل الاستراتيجية الأمريكية في إطار «حربها على الإرهاب» في ضوء القانون الدولي. والاطلاع على رد فعل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأيضا السلطات اليمنية والمجتمع المدني في مواجهة هذه الانتهاكات الخطيرة.
وأوصى تقرير منظمة الكرامة الحكومة الأمريكية بوضع حد «لممارسة عمليات القتل خارج نطاق القضاء وسياسة القتل المستهدف باستعمال طائرات الدرونز وكل الإمكانيات العسكرية الأخرى»، وفتح تحقيق محايد واتخاذ إجراءات قانونية في حق المسؤولين عن أفعال أدت إلى انتهاك الحق في الحياة، تعويض ضحايا العمليات الأمريكية أو ذوي الحقوق بما يتناسب وحجم الضرر الذي لحقهم.
كما أوصى التقرير الحكومة اليمنية إلى وضع حد لكل السياسات التي تمس السيادة الوطنية للبلاد، بما في ذلك السماح لقوات أجنبية بالتدخل في المجال الجوي أو التراب الوطني وفقا لما ورد في المادة 48 من الدستور التي تنص على أن «الدولة تكفل لمواطنيها حريتهم الشخصية، وتحمي كرامتهم وأمنهم».
ودعت صنعاء إلى «اتخاذ التدابير التشريعية الضرورية لمنع وتجريم ممارسة القتل خارج نطاق القضاء باستعمال طائرات الدرونز وكل الوسائل العسكرية الأخرى».
كما دعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى تبني «قرار يدين ممارسة القتل خارج نطاق القضاء من قبل القوات العسكرية الأمريكية».