لا غموض فيما يحدث الآن في دماج، هناك الحوثيون وحربهم تحت حجة إخلاء المركز السلفي من الوافدين الأجانب، وهناك السلفيون الذين يدافعون عن ذلك الوجود. يتطرف الطرفان، وقد يستدعيان صراعات تاريخية منذ 1400 سنة عن حروب الروافض والنواصب وأشياء أخرى، غير أن الأمر ليس بذلك الالتباس الذي يصعب معه تحميل أحد الأطراف المسؤولية عن موجة الحرب الراهنة.
فالحوثي هو المسؤول عن بدء الحرب والتبرير لها، وهو لا ينكر ذلك، فلا أحد غيره هناك يشترط لإنهاء الحرب إخلاء المركز السلفي من الوافدين الأجانب الذين يتهمهم بالتكفير والإرهاب، مع أن هؤلاء في كل جولات الحروب التي كانوا طرفا فيها معه لم يكونوا غير مدافعين عن وجودهم الذي يجدونه مشروعا. وحتى هذه المشروعية للوجود السلفي لا يملك الحوثي حق تقرير صوابيتها من عدمه فضلا عن القتال لإنهائها، فالدولة وحدها من تملك ذلك الحق.
القول إن الوجود السلفي هناك يعد استفزازا لمنطقة زيديه تاريخية، ليس تبريرا معقولا لإشعال حرب، فمسألة الاستفزاز ذاتها يمكن استخدامها كذلك كحجة ضد الحوثيين، فمتى كان وجود مليشيا مسلحة تتصرف كدولة داخل دولة مسألة طبيعية أيضا.
يمكن لأصدقاء الحوثي هنا في صنعاء إقناعه بالتخلي عن هذه الحجة، وبالضرورة التوقف عن هذه الحرب غير المبررة، والقبول بالتعايش المشترك ليس مع قاطني دماج فقط، بل مع كل أهل صعدة واليمن مهما كانوا مختلفين معه، والتحول عن كونه جماعة مسلحة إلى أن يكون جماعة سياسية لا ترى في نفسها بديلا عن حضور وسيادة الدولة.
يمكن لأصدقاء السلفيين أيضا أن ينصحوهم بالتوقف عن تصوير الأمر والحشد له على أنه جولة أخرى من معارك الروافض والنواصب، فهو ليس كذلك، صحيح أن لهذه الجولات من حروب الحوثيين والسلفيين كجماعتين دينيتين صبغات دينية ومذهبية، إلا أن إقرارها والترويج لها على هذا النحو لن يكون خطيرا على الجماعتين المتقاتلتين وحسب، بل هو خطير على وحدة وتماسك المجتمع ككل.
في الحروب الأهلية، لا أحد ينتصر، فالكل يخسر، حتى أولئك الذين يدعون الحياد.. بكل الحسابات السياسية، المثالية أو الانتهازية، إنهاء مثل هذه الحروب خير من إشعالها، فلا أحد يملك بالفعل قدرة التنبؤ أو التحكم بفصولها حتى النهاية.
... ربما يحلم أحدهم أن يصحو من نومه ولا يجد حوثيا أو سلفيا على الأرض، إلا أن مثل هذه الحلول ليست مما يمنحه الله، ولا أن يخلقهم متشابهين أيضا..
العيش المشترك والاتفاق على آليات مشتركة لحسم الخلافات ووجهات النظر المتباينة هو ما تفعله كل الشعوب المتحضرة الآن، أما القتال فهو ما كنا نفعله كعرب حتى الآن..
مثل هذه الدولة الوطنية التي يتوفر فيها التعايش المشترك والآليات المشتركة لحسم الخلافات كالديمقراطية، والإيمان بها، هي أكثر ما يحتاجه الطرفان المتقاتلان في دماج الآن، إلا أنها -على افتراقهما البين- هي أكثر ما يتفقان على عدواته.
لهذا السبب، لن يحسم انتصار أحدهما على الآخر المشكلة، بقدر ما سيبدو كجولة أخرى في صراع تاريخي لن ينتهي، إلا أن يؤمنا جميعا بتلك الدولة الوطنية ويخضعا لها على أساس المواطنة والعيش المشترك، وللديمقراطية كآلية لحسم الخلافات ووجهات النظر المتباينة.
التورط في هذه الحرب مع أي طرف وحججه هو آخر ما يحتاجه الطرفان أو ما نحتاجه كيمنيين، فلا ينقص أيدي سبأ أن تتفرق، إلا أن الحياد لا يعوزنا الآن أيضا، فالحروب الأهلية لا تستثني أحدا، ولا حتى أولئك المحايدين.
غير أنه في دولة المواطنة وسيادة القانون والديمقراطية ما يمكن أن يكون منقذا ومخلصا، وما يمكن أن يكون هو المعيار لما نتخذه من انحيازات ومواقف، وما يستحق حتى أن يقاتل اليمنيون لأجله أيضا.