تزايد حالات المصابين بالمرض العقلي (الأمراض الذهنية) نتيجة للحروب المستمرة والتي نتجت عنها الصدمات الانفعالية الشديدة، نتيجة لفقدان الأصدقاء، والأعزاء والأهل، وكذلك فقدان الوالدين، وأيضاً منهم من دُمِّرت منازلهم وأصبحوا بدون منازل، كذلك تفاقم الصراعات القبلية والطائفية، والمناطقية، وعدم الاستقرار السياسي أدى إلى معاناة الناس من ظروف معيشية صعبة انعكس على حياة الناس، وعلى حياة الأسر، ما أدى إلى العنف الأسري (الانفصال، الطلاق، القتل، أو الانتحار) كل هذه الظروف تعتبر أرضية خصبة لتفاقم ظاهر المرض العقلي، كذلك تلعب العوامل الوراثية دوراً هاماً في تفاقم المرض العقلي، الكثير من الشباب المحبط، وكذلك أبناء العشائر، والقبائل، وأبناء المنطقة الواحدة يلجأون إلى زواج الأقارب، يوجد أكثر من 1000 مرض وراثي. العوامل الوراثية لها تأثير أكبر في ظهور الأمراض العقلية أكثر من الأمراض النفسية، تفاقم الأمراض الجسدية منها أمراض الجهاز العصبي بما فيه أمراض الدِّماغ، وأمراض الغدد الصماء، أيضاً سببٌ من الأسباب..
شعور الشباب بالظلم والاستبداد والقهر وعدم وجود العدالة والمساواة وعدم وجود المواطنة المتساوية، تفاقم ظاهرة الفشل في التعليم، والفشل في التجارة والفشل العاطفي، والفشل في الزواج، كل هذه الأسباب لها دور في تفاقم الأمراض العقلية.
وفي ظل الافتقار للخدمات النفسية والطبية في معظم المدارس والجامعات، وكذلك في المدن التي تفتقر للخدمات النفسية والاجتماعية، وعدم وجود مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية أدى ذلك إلى تفاقم المرض العقلي.
اليوم نحن في القرن الواحد والعشرين، مضى على ثورة سبتمبر وأكتوبر أكثر من 50 عاماً، لا يوجد في اليمن مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، لذلك نلاحظ المئات من المصابين بالأمراض العقلية متواجدين في الشوارع والأحياء السكنية، وبجانب المدارس، كذلك في مدينة تعز، وعدن والحديدة، وكذلك في مدن المحافظات الأخرى، هؤلاء المصابون بالأمراض العقلية أرعبوا الأطفال، وطلاب وطالبات المدارس، وقد حدث اعتداءات على طالبات من قبل هؤلاء المرضى، إلى متى ستظل اليمن بدون مستشفيات للأمراض النفسية والعقلية؟ إلى متى ستظل العاصمة صنعاء مكتظة بهؤلاء المرضى؟ إلى متى ستظل المدن اليمنية الأخرى تفتقر للمستشفيات النفسية والعقلية؟
في عهد الخلفاء المسلمين تم بناء عددٍ من المستشفيات للمصابين بالأمراض العقلية، وكان يطلق عليها "البيمارستانات". ففي عهد الوليد بن عبد الملك عام 88ه (707م) أُنشئ أول هذه المستشفيات، كذلك في دمشق وفي مصر أنشئت "البيمارستانات" وإنشاء بيمارستان الرشيد، وبيمارستان صلاح الدين، وبيمارستان البرامكة وكانت هذه صورة مشرقة ومشرّفة للمعاملة التي كان يعامل فيها المصابون بالأمراض النفسية والعقلية.
إصابة الكثير من اليمنيين أثّرت على حياتهم النفسية وحياتهم العقلية والاجتماعية والجسدية؛ منهم من أصبح طريح الفراش وموجوداً في البيت، وأسرته غير قادرة على علاجه، وهناك من الأسر من تفككت وتدمرت بسبب هذا المرض، ومنهم من يرتكب جرائم قتل.
وهؤلاء المرضى لا يجدون الدعم النفسي والاجتماعي ولا يحصلون على دعم مادي من صندوق مكاتب الشؤون الاجتماعية والعمل.
في اليمن توجد وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل، الصحة، وحقوق الإنسان تُنفق عليها الدولة عشرات المليارات سنوياً، بينما هؤلاء المرضى العقليون لا يجيدون المساعدة الطبية ولا المساعدة المالية.
فلو جمّد رصيد فاسد صغير لتمّ بناء عشرات المستشفيات لهؤلاء المصابين بالأمراض العقلية، فهم بأمسِّ الحاجة للوقوف بجانبهم وتقديم المساعدة، وبعضهم من أبناء القوات المسلّحة والأمن، منهم من دافع عن هذا الوطن، ومنهم من عمل في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وكذلك منهم من عمل في مجال التدريس، ومنهم من عمل في القطاع العام والقطاع الخاص.
أخيراً، نناشد المنظّمات الحقوقية والإنسانية التواصل حث الوزارات المعنية على الاهتمام بهؤلاء المرضى وإيجاد المستشفيات الخاصة لهم، وهذا أبسط واجب ديني وواجب إنساني ووطني.