كنت قد حذرت في مقال سابق في هذا الموقع (قبل الحادث المشؤوم بثلاثة أيام) وفي سطور عاجلة، وبالحرف الواحد أن "أغبى مجرم في العالم يستطيع أن يرتكب أصعب جريمة في اليمن" والآن وقد ارتكب أغبى المجرمين وأقذرهم على الإطلاق تلك الجريمة النكراء، والأصعب على الإطلاق، وهي اختراق "حصن الجيش الحصين" فإنني أعود إلى بسط الحديث في موضوع الأمن والجيش لتبيان أن المسألة قد تتكرر وقد يستطيع أي هاوٍ في مجال الجريمة "مفاجعتنا" من جديد، إذا لم نتدارك ذلك المناخ المعتم الذي يسهل مثل تلك الجرائم، والذي وصل إلى الذروة في حالة الاستقطاب التي ظهرت بين الناس، متمثلةً في الاتهامات المتبادلة بين المتشعين لصالح الأحمر أو لمحسن الأحمر أو لحميد الأحمر، فكل حزب من هذا الأحزاب يقسم أن الفاعل والمشارك في الجريمة هو "غريم" أحمره! ودعونا لا ندخل في تحليلات ومجادلات المقايل، التي جعلت يقين كل حزب بتحليله وحكمه على الفاعل راسخا كالجبال! وجعلت كل حزب بما لديهم فرحون. هناك "توطئات" كانت تمهد تمهيداً طبيعياً، للجرأة على الإقدام على مثل هذا العمل. دعونا نتذكر ما حدث في العشر الأواخر من رمضان قبل عامين، حين حاول جنود اقتحام "العرضي" بدعوى المطالبة بمستحقاتهم، فتلك كانت جرأة عجيبة من "جندي" تربى على الصرامة العسكرية، ويعلم تماماً ما معنى التعدي على القيادة العليا، ويعلم النتيجة المحتومة وهي ما حدثت بالفعل فقد قتل بعض المحتجين الذين حاولوا اقتحام الوزارة، وحكم على البقية بالسجن. دعونا نتذكر أن آخر ما فعله أولئك المحتجون هو الاعتصام ببعض الأبنية المحيطة بالعرضي، وهو آخر شيء فعله المجرمون في "الخميس الأسود".
دعونا لا ننسى الجرأة في اغتيال الشهيد البطل سالم قطن في عدن في العام ذاته، دعونا لا ننسى التقطعات التي تحدث في "رابعة النهار" وفي محيط أمانة العاصمة والاختطافات والتفجيرات والتخريب المتكرر والجريء لأنابيب النفط وأبراج الكهرباء (لاحظوا أن مخربي الكهرباء سيلتزمون بالهدوء هذه الفترة حتى لا ينال منهم "عبدربه" فالمخرب يعرف متى "يراجم" ولسوء حظهم فهم معروفون). لو راجعنا الكثير من الأحداث والاختلالات الأمنية فلن ننسى - إن نسينا- حادثة اقتحام المنطقة العسكرية الشرقية في حضرموت، وهي – لعمري- تكاد تكون نسخة طبق الأصل من اقتحام "العرضي" ولولا أن الذين اقتحموا "المنطقة" قد قتلوا، لقلنا إنهم هم من اقتحم "العرضي". الراجح أنهم القاعدة، لكن هناك سر كبير وراء اختيارهم المستشفى لتنفيذ تلك الجريمة الشنيعة (العجائبية).
حتى نفكك الحالة المهنية والذهنية لأفراد الأمن والجيش، ونصل إلى مكامن الخلل والانهيار الذي سيودي بهاتين المؤسستين الهامتين إلى مهاوي الردى، إذا لم يُتدارك الأمر سريعا. تعالوا نختَر مثالا وهو شرطة النجدة أو الدوريات، كما سميت بعد الهيكلة (الورقية) التي قررها الرئيس هادي ولم تترسخ عملياً حتى الآن! وهذه الخدمة هي الواجهة والعنوان الأول لجاهزية أي نظام أمن في العالم، بالتوازي مع أجهزة الأمن السرية والكاميرات التي يفترض أنها موجوده في كل شارع وإشارة.
أطرف ما في خدمة النجدة أنهم حين يجيبون عليك يقولون هل معك رقم يمن موبايل لنتواصل معك! وما حديث محاولة اختطاف السفير البلغاري في شهر مايو 2012 ببعيد. فقد اتصل أحد المواطنين المثقفين برقم النجدة 199 وأعطاهم رقم السفير ليتواصلوا معه ويرسلوا حماية فما كان منهم حين لاحظوا أن رقمه ليس من شركة يمن موبايل إلا أن قالوا للمتصل: اسأله هل معه "يمن موبايل" لأن تلفوننا ما يخرجش "جي إس إم"! وهو سؤال كثيراً ما يوجهونه لي حين يجيبون على اتصالاتي حين أبلغ عن خطر أمني، أو تقطع من عصابة للطريق، أو مسلحين في شوارع خلفية: ما عندكش يمن موبايل ياخسارة؟ إذا كان مستوى التفكير باتصالات النجدة هو الخوف من كلفة الاتصال بشخص يحتاج الى النجدة أو تواصل لتسهيل الحضور لمكان بلاغ، فعن أي جاهزية أمنية تواصلية يتحدثون؟ إذا كان هؤلاء الأفراد بعضهم مشغول بتصنيف وزير داخليته بأنه "إخواني!" وبأن لديه "أجندة إخوانية"؟ وجندي آخر مشغول بتصنيف زملاءه بأن هذا "عفاشي" وهذا "تبع محسن" فأي تعاون بينهم سيكون؟ وإذا كان القائد والوزير يستلم مخصصات أضعاف أضعاف ما يتسلمه الضابط العادي ناهيك عن الجندي المغلوب، فأي عدالة وتفانٍ أمني ينتظرون؟ فلا نتعجب أن دوريات النجدة التي في الشوارع تمارس قطع الطريق وملاحقة المخالفين والمشبوهين لابتزازهم فقط، فعن أي إخلاص وردع مبكر للجريمة يبحثون؟ إذا كان أفراد عمليات النجدة "يعلقون" رقم 199 فيجعلونه مشغولاً حين يتناولون الغداء فعن أي "جدية أمنية" يتشدقون؟
قال وزير الداخلية المكتوف الأيدي واللسان بعد حادثة العرضي إن وزارته لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإرهابيين!
يا وزير الداخلية، إذا لم تقم بزيارة كل واحدات الشرطة والأمن العام والخاص، وتقنع الأفراد قبل الضباط بأنكم أخوة سواسية، وأنكم جنود في سبيل الله لحماية الأرض والعرض والكرامة. إذا لم تعمل مع وكيل وزارتك للشؤون المالية الثائر د. رياض القرشي نظاما ماليا شفافا عادلاً، وإذا لم تتوكل على الله وتراقب وترفع الجاهزية الأمنية ليل نهار، وتخرج أطقم النجدة من أحواش المسؤولين السابقين واللاحقين، وتغطي بها أكبر مساحة من أرض الوطن، وتتوقف عن اهدار وقتك في مقابلة المشايخ وأصحاب المصالح الشخصية، فاعلم أنك خائن لله وللوطن، والاستقالة أشرف ما يمكن أن تقوم به للحفاظ على بقايا من سمعة طيبة كانت لك.
وإذا كانت شرطة النجدة مثالا على الخدمات، ووزير الداخلية كمثال للوزراء وكبار المسؤولين، فإن ما قيل ينطبق على أغلب الخدمات وأغلب الوزراء إن لم نقل كلهم. فلم يعطِ أحد منهم قدوة أو مثالا يحتذى به. فكل وزير من أولئك عبارة عن كتلة من المستحقات والبدلات والتحويلات بحسب النظام الذي هو إفساد النظام، وتقاعس عن الهمة والابتكار والإبداع، وتهميش لكل كادر متميز . فهل هناك حياة لمن تنادي؟ لا تنادي! فلن يجيب أحد، وإن أجاب فسيسألك عما لديك ليتواصل معك. . فكلهم سينجدون الوطن نجدة 199.