طالما استرعى انتباهي ومنذ سنوات مشهد بعض الشباب في شوارع مدينة صنعاء وزوايا أحيائها وخيام أعراسها، هم من أبناء المدينة ولدوا ونشأوا فيها، ويتحدثون لهجة أبنائها رغم ان ألقابهم تتنوع، فتجدها فيها الريمي والإبي والحرازي، ولكن ليس ما يجمع هؤلاء الفتية هو مولدهم بمدينة صنعاء ونطقهم بلسانها فحسب، بل ما أثار اهتمامي هو ملبسهم الذي غالباً ما يتلخص في ثوب وحزام جلدي او قماشي (كَمَر)، ولا يكتمل المظهر العام الا بالشعر الأشعث الذي يشبه شعر أبناء البادية عندما يطيلونه، ويستحيل أشعثَ أغبر عند اجتياز القفار وتباعد الأسفار. لماذا يصر أبناء المدينة على الظهور بهذا المظهر، فهل هو تعبير عن تمرد كامن ام انعدام للأمان الداخلي والثقة بالنفس، فصار التنكر في هيئة ابن البادية ملاذاً من مخاوفهم ويجعلهم يظهرون (حسب تصورهم) أشداء ومرهوبي الجانب، خاصة بعد الرواج الذي لاقته بطولات اختطاف الأجانب ومناورات البسط على الأراضي ومسلسلات تفجير أنابيب النفط وخطوط الكهرباء، التي كان أبطالها للأسف شباباً من أبناء هذه المناطق المحرومة من كل شيء غرّر بهم هواة المال المدنّس ومدمنو المصالح المحرمة، وألقى بهم في تلك المهالك!
هل هذا الزي والسلوك العدائي تارة والانعزالي تارة أخرى استغاثة موجهة الى مجتمع انشغل عنهم فقيره بالبحث عن لقمة العيش وغنية بالحفاظ عليها؟ شباب كل همه من الدنيا تأمين جرعة كافية من القات تكفيه لفترتين او ثلاث وتأمين خلطة من مشروب الطاقة الذي لا يدري أحد محتواه، وماذا يمزج فيه من مكيفات ومنبهات تعين شبابنا على السهر الطويل في المقايل او مخيمات الأفراح، ومما يستحق التأمل والتفكير هو انقسام هؤلاء الشباب رغم كل ما سرد من تشابهات في المظهر وتشارك في الهموم والمخاوف عندما قامت ثورة الشباب في اليمن فتوزعوا بين جميع التيارات وبين مختلف الساحات، فتجد من انضم الى شباب الثورة بعد ان طال شعوره بالغربة وعدم الانتماء فوجد في ساحة التغيير ضالته، ومنهم من ظل تأمين جرعة القات ومشروب الطاقة أولويته فذهب الى من يزوده بثمنهما غير آبهٍ بفداحة خياره والمآلات التي قد يؤول إليها، أعود اليوم لأتساءل ونحن والى جوارنا الأطراف الإقليمية ومن حولنا المجتمع الدولي ننتظر جميعاً مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ماذا يفعل شبابنا المنسيون، وهل هم في حساباتنا ام ان لحكامنا ومناضلينا منذ خمسينيات القرن الماضي أولويات أخرى!