وسط مبانِ سكنية مكتظة في شمال العاصمة صنعاء، تعالت ضحكات 6 أطفال في باحة صغيرة كانوا يلهون داخل مركز يقدم خدمات ترفيهية وتعليمية. ركض طفل مهمش يرتدي بنطال المدرسة وبقية الأطفال خلف طابة، ودخل شاب قصير القامة في اللعبة لكنه فشل في مجاراة حيوية الأطفال.
في مركز «الأسرة» التابع لمنظمة شوذب للطفولة والإبداع، يفد عشرات الأطفال أغلبهم من الفقراء والمعدمين، للحصول على خدمات ترفيهية وتعليمية وصحية، يصعب إيجادها في مكان آخر.
قبل أشهر اكتشفت مديرة المركز أمل المتوكل، وإحدى أخصائيات المركز صبيان - يحتفظ «المصدر أونلاين» باسمهما - (12 - 13) عاماً يعانيا من الاكتئاب وكتومان بعكس بقية الأطفال، أدركتا بعد جلسة مطولة مع الصبيين إن والدهما يضربهما بقسوة حتى اكتسرت ذراع أحدهما في إحدى المرات.
قالت المتوكل إنها وجدت كثيراً من الأطفال الذين يفدون للمركز يتعرضون لممارسات قاسية من أسرهم، تصل حد التحرش الجنسي خصوصاً الفتيات.
ورغم تصاعد لهجة جمعيات حقوقية تعنى بالدفاع عن الأطفال في اليمن، وانتصارها في قضايا يساعدها تعاضد وسائل الإعلام، إلا أن التركيبة المحافظة للمجتمع ما تزال تخفي مأسِ يتعرض لها الأطفال.
وقالت أمل المتوكل إن كثيراً من الأسر تفتقر للفكرة السوية في تنشئة وتربية الأطفال، مارس والد الصبيين الضرب المبرح والحبس لأي سبب، هي أسرة فقيرة، ووالدتهما تعمل طوال اليوم وتلتقي بهما في المساء.
وأضافت «والد الصبيين عامل نظافة، وأحياناً يعمل مساعداً لسائق حافلة أجرة، لكنه يفرغ شعور اليأس بضربهما بقسوة، لأدنى سبب مثلما يعلم أنهما خرجا من المنزل للهو دون إذن».
لكنها لفتت إلى أن جلسات استماع ونقاش مع الأب، استطاعوا الوصول إلى حلول في التربية، دون أن يتعرض الصبيان للأذى.
وقالت المتوكل «كان الأب مقتنع أن الضرب له جدوى في تعليم أبناءه، وحين عرضنا شمائلهم وحدثوه أصدقائهم عن صفاتهما، قال بذهول (لم أكن مدركاً أن أطفالي بهذا الأدب)».
وأشارت إلى أن وضع الصبيين النفسي والصحي تحسن كثيراً، وصارت علاقتهما مع الآخرين طبيعية.
لدى المركز طاقم متكامل من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسييين، ويقوم الطاقم بوافر مجهود في تقديم خدمات أجدى الوسائل الترفيهية والتعليمية للأطفال الفقراء الذين يتزايد أعدادهم في المركز يوماً بعد آخر.
ونجح طاقم المركز في تنظيم جلسات خاصة مع عشرات الأسر، لإعطاء نصائح في أساليب التربية المجدية مع الأطفال دون اللجوء لاستخدام العنف، وقال أطفال في عدد من المدارس إن تعامل أسرهم معهم صار إيجابياً، وخفتت أساليب العقاب والضرب.
ونظمت جلسات أخرى في مدارس بالعاصمة صنعاء لكشف حالات يتعرض لها الأطفال بينها التحرش والإساءة الجسدية واللفظية.
تقول الأخصائية الاجتماعية أفراح السروري إنها علمت أن طفلة في الرابعة عشر عاماً تزور المركز كادت أن تنتحر داخل حمام منزلها بعد أن تعرضت لضغط نفسي من أفراد في أسرتها أفقدها صوابها.
اكتشفت بحديث مع الفتاة إن عمتها تتسلط عليها، وتضربها دون أي سبب أحياناً، ولا تعاملها كأقرانها الذين يعيشون تحت سقف واحد، ونجحت عبر منح الفتاة لخطوات من أجل التعايش مع عمتها دون مشاكل.
تضيف السروري «العائلة كبيرة، وتسودها مشاحنات، أخت الأب (العمة) تمارس دور الوصاية الحصرية مع ابنة أخيها تضربها دائماً، وتوشي لوالد الفتاة بافتراءات».
وقالت إن الفتاة حينما حاولت الانتحار أوصدت باب الحمام على نفسها، ومنعت أياً من أسرتها من الدخول.
وأشارت إلى أنها عقدت جلسة مع الفتاة، وأخبرتها بأسلوب خاص في التعامل مع مثل هذه المشاكل العميقة في الأسر، وكيف بإمكانها تجاوز الاصطدام مع أسرتها، وإتباع أسلوب آخر يجعل عمتها خصوصاً تغيير نمط تعاملها معها.
مسحت أفراح السروري عينيها وهي تشتد في حديثها بالقول: «بعد تخطينا خطر ما راود الفتاة في فكرة الانتحار، صارت الآن طالبة متفوقة والابتسامة لا تفارق محياها».