من منكم اليوم لازال يثق بطبيبه؟ ومن منكم لا يفكر بالسفر للخارج للعلاج عند إصابته بأي مرض؟ وكم هم الأطباء الشرفاء الذين لا يبيعون ضمائرهم ويرفضون أخذ النسب من الشركات والمختبرات والصيدليات ومراكز التشخيص والمستشفيات الخاصة! قلة قليلة من الأطباء اليمنيين لا يزالون يمارسون المهنة بأرقى أخلاقيات مهنة الطب، والبعض الآخر من الأطباء تناسوا أو تجاهلوا أخلاقيات مهنتهم.
لهذا فإن مهنة الطب في اليمن آخذةٌ في التحول من مهنة ملائكية نبيلة إلى مهنة الجشع والغش والقتل، هذا الانحراف ناتج عن ممارسات تكاد توصف بالقذرة والدنيئة من قبل البعض الذين أرادوا من هذه المهنة ممراً لجشعهم وأطماعهم وجعلوا من أنفسهم وسائل رخيصة يستخدمها القتلة وعديمي الضمير من مهربي ومزوري وغشاشي الدواء، من أجل الحصول على المال وبأي طريقة كانت حتى لو كانت بخيانة الأمانة والغش بل وإيذاء المرضى بأدوية لا فائدة منها وأدوية لا ضرورة لها بل وأدوية قد تكون قاتلة وفحوصات لا لزوم لها.
إن النسب من شركات الأدوية ومن الصيدليات والمختبرات ومراكز الاشعة للأطباء أفسدت ودمرت أخلاقيات مهنة الطب. فالانحراف من قبل بعض الأطباء عن الأمانة الطبية سبب ويسبب كوارث إنسانية أرهقت المرضى وقتلت الأصحاء وأفسدت وأساءت لسمعة الطبيب اليمني.
الرضوخ لابتزاز الدعاية القذرة التي تمارسها بعض شركات الأدوية دمر الثقة بالطبيب اليمني وصرنا ننفق ما يقارب المليار دولار سنوياً على السفر للعلاج في الخارج.
الأمر جدُّ خطير فمريض لا يثق بطبيبه وطبيب لا يخلص لأخلاقيات مهنته ولا همّ له سوى الكسب المادي، وبأي وسيلة كانت وتحول المريض إلى مجرد حالة ونسب مادية تجنى من ورائها، ودواء مغشوش أو مهرب أو بلا فعالية ولا رقابة وشركات بلا ضوابط علمية وأخلاقية وقانونية تمارس الترويج بالطرق اللاشرعية ودعاية قذرة تفسد الأطباء ذوي الضمائر الضعيفة أو الميتة، والنتيجة قتل للنفس وانحراف بالمهنة من النبل إلى الجريمة ومن الرحمة إلى الجشع ومن الأمانة إلى الخيانة.
وهنا فقد المريض والمجتمع الثقة بالطبيب والطب في اليمن، والكل يبحث عن وجهة خارجية يجد فيها من يمارس الطب للتطبيب وليس للقتل والجشع والماراثون المادي المقيت والممقوت عند الله وعند الناس، وهذا التوجه من المرضى المجبرين عليه أضر بالفرد والمجتمع والدولة، فاقتصاد الوطن يتكبد مليار دولار سنوياً، والمواطن يُهان ويعاني مشقة السفر خارج الوطن بحثاً عن طبيب ناصح ودواء آمن.
الأمر كارثي ويتطلب تضافر جهود العقلاء والمخلصين والشرفاء في المجتمع لمنع القلة من أن يدمروا هذه المهنة، وأول المعنيين بالوقوف في وجه هذه الممارسات المحرمة في مهنة الطب هم وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية المتقاعسة عن حماية المواطنين من الدواء القاتل ومحاسبة تجار الغش والتهريب الدوائي، كونهما المسئولتين عن سلامة المواطن وجودة الخدمات الصحية ومنع الغش في تجارة واستيراد الأدوية.
ثم "نقابة الأطباء والصيادلة" فهي المسؤولة عن سمعة الطبيب ومصلحته وعليها منع وإيقاف المفسدين والمسيئين للأطباء من أعضائها، فالأطباء هم الأكثر تضرراً مما هو حاصل الآن.
ثالث هذه الجهات "اتحاد المستشفيات اليمنية الخاصة" فكل هذه المستشفيات الخاصة متضررة من فقدان المجتمع للثقة بالطب وبالمؤسسات الصحية في البلد، وعليهم أن يمنعوا هذه الممارسات في منشآتهم الصحية الخاصة.
أما رابع هذه الجهات المفترض أن تقف في وجه المفسدين فهو "الاتحاد اليمني لمنتجي الأدوية" لأنه أشد المتضررين من فساد الوضع الصحي وسفر المرضى، فالصناعة الدوائية الوطنية حققت نجاحات بجودتها المتميزة وهي صناعة هامة في الأمن الدوائي الوطني ومع استمرار الممارسات الخاطئة والدعايات اللاشرعية والترويج القذر للأصناف الدوائية من قبل بعض المستوردين والمهربين وإفساد الأطباء كل ذلك يؤذي ويسيء ويضر بتجارة الأدوية بشكل عام، وهنا لابد للاتحاد من الوقوف ضد من يمارسون الانتهاك للطرق العلمية المعروفة والمشروعة في ترويج الدواء والدور المطلوب والمؤمل من اتحاد مصنعي الأدوية أن يقود حملة جادة ومنظمة لفضح ومحاكمة ومحاسبة كل من يستورد أو له علاقة بالأدوية المهربة والمغشوشة والمزورة، ومحاكمة كل من يمارس الترويج اللاشرعي للأدوية وهذا الدور من الاتحاد يتطلب تشكيل هيئة محاميين قانونيين مهمتهم رفع دعاوى قضائية ضد كل من ينتهك قوانين الأدوية أو يمارس ترويج غير شرعي، ويرافق ذلك حملة إعلامية ينظمها الاتحاد تحذر من خطورة الانحراف بأخلاقيات وقوانين تجارة بيع الأدوية وهذا الدور من الإتحاد هو واجب وطني وأخلاقي وهو كذلك دفاعاً عن مصالح الشركات المصنعة للدواء لأنها من أشد المتضررين من الفوضى الحاصلة في سوق الدواء في اليمن.
ويأتي بعد هذه الجهات جهد الشرفاء في الإعلام وفي المؤسسات الصحية وفي المجتمع بفضح كل من يمارس الإفساد بالمهنة الطبية والجميع مدعوون لتنسيق الجهود وتشكيل سياج موحد للتصدي لهذه الممارسات ومنعها وتجريم فاعلها والدعوة لمقاطعة كل من ينتهك أخلاقيات مهنة الطب ويدفع النسب غير المشروعة للأطباء، لأن السكوت أو الاكتفاء بموقف المتفرج يضر بالفرد والمجتمع والمؤسسات، والكل يدفع ثمن هذا التخاذل والصمت.
وأتمنى أن يعمل الجميع لعقد اجتماع عاجل يضم الجهات المذكورة في السطور السابقة لتقييم الوضع وتحديد الوسائل والسبل لمواجهة المسيئين للمهنة أعداء الرحمة.