لا تزال عملية وقف العمليات العسكرية في صعدة تسير بصورة حسنة حتى الآن على الأقل، وهذا يراكم الأمل بإمكانية أن تكون الحرب السادسة هي الجولة الأخيرة في هذه الحرب القذرة.. غير أن وقف الحرب تماماً ونهائياً لا يعني أن الأزمة المسببة لها قد انتهت أيضاً، فالحرب في صعدة كانت تداعياً مأساوياً، أخذت من خلالها الأزمة الأمنية مظهراً عنيفاً وخطيراً، قابلاً للاتساع وجعل اليمن كلها تغرق في غمرة طوفان مهلك.. وهذا بالضبط ما كانت تدركه القوى الدولية التي كثفت ضغطوها على السلطات اليمنية في الآونة الأخيرة لحملها على إيقاف الحرب والبحث عن معالجات سياسية وسلمية لأسبابها، تفادياً لتفاقم عدم الاستقرار في اليمن، حتى لا يجد العالم هذا البلد وقد سقط في الفوضى الشاملة، مما يجعله بؤرة خطيرة تنطلق منها أصناف عديدة من شرور الإرهاب، وتجارة السلاح والمخدرات إلى الجهات المختلفة على أن خطر الحرب في صعدة يمكن أن يتجدد، بالرغم من توقف العمليات العسكرية للقوات المسلحة الرسمية من جهة، والمواجهة المسلحة للحوثيين من جهة ثانية، إذ يمكن أن يرتدي طابعاً مختلفاً إلى حد ما، من خلال إطلاق موجة من العنف الأهلي، بذرائع عديدة أهمها ممارسة أعمال الثأر الشخصية والقبلية بين الأطراف المختلفة التي شاركت في حروب صعدة الست.
والشاهد على ذلك أن السلطة اليمنية لم تكتف باستخدام القوات المسلحة الرسمية في مواجهة الحوثيين، بل دفعت ببعض الأطراف القبلية، وزجت أيضاً بمن أسمتهم المتطوعين، سواء من الشباب العاطل عن العمل لقاء حفنة من الريالات، أو العناصر الجهادية التكفيرية التي استخدمت أيضاً في حرب صيف عام 94م ضد الحزب الاشتراكي.
ومثلما حدث في المنطقة الوسطى، ومناطق ريمة وعتمة وشرعب وغيرها في ثمانينيات القرن الماضي لم يتوقف العنف المسلح بعد أن توقفت المواجهات بين القوات المسلحة الرسمية وبين مقاتلي الجبهة الوطنية إذ قامت بعض الدوائر في السلطة بتشجيع ودعم الأطراف غير الرسمية التي شاركت إلى جانبها في المواجهات المسلحة بشن عمليات واسعة من الاغتيالات والكمائن ذهب ضحيتها المئات من مقاتلي الجبهة الذين تخلوا عن السلاح، وعادوا إلى قراهم وأعمالهم معولين على أن اتفاقات إحلال السلام وقرارات العفو العام ستحقق لهم الأمان.
لقد نجم عن تلك الأعمال مآسً اجتماعية دامية لا تزال الكثير من آثارها ماثلة حتى الآن.
ولكي لا يكون السلم الأهلي في صعدة ضحية لأعمال الثأر والانتقام يجب في المقام الأول أن تتحمل السلطات الرسمية مسئوليتها في منع هذا النوع من الأعمال، ومعاقبة كل من يقوم بممارستها بصورة حازمة، وأن تتحمل مسئوليتها في معالجة الآثار الإنسانية لأسر ضحايا الحروب الست جميعاً دون استثناء، وأن توظف خطابها السياسي والإعلاني لنشر قيم الوئام الوطني، والتعايش المذهبي والاجتماعي، وتجريم أعمال الثأر والانتقام، وأية دعايات تحض على الكراهية وممارسة العنف.
وبالمثل لا بد أن تكثف فروع الأحزاب والمنظمات السياسية والمدنية في المحافظات والمناطق التي كانت مسرحاً للحروب الست أنشطتها في أوساط المواطنين للتصدي لأية أعمال ودعايات تمارس العنف أو تدعو إليه، وفي هذا المضمار يمكن الاستفادة من تجربة التصالح والتسامح التي شهدتها المحافظات الجنوبية في السنوات الأخيرة، كجزء من معالجة ومداواة جروح الماضي.