قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر لندن بشأن اليمن أواخر الشهر الماضي، كتب المحلل السياسي المعروف عبده سالم، ل"المصدر أونلاين" مقالا تحليلياً، قدم فيه توقعات استبقاية مثيرة للجدل لنتائج المؤتمر. اليوم، وبعد مرور قرابة شهر من المؤتمر الدولي، وقبل أيام قليلة من مؤتمر الرياض (الذي جاء كأحد التوصيات الرئيسية والهامة لسابقه) يعود المحلل السياسي المعارض إلى "المصدر" للحديث عن المؤتمرين (السابق/لندن – واللاحق/الرياض) والعلاقة بينهما، وما يمكن أن يفضي إليه المؤتمر الأخير. لكن العودة هذه المرة جاءت بشكل لقاء، نعتقد أنه لم يخل من الإثارة. وهي سمة لطالما امتاز بها الرجل في تحليلاته السياسية المتفردة. في بداية اللقاء فضلنا التطرق إلى مؤتمر لندن الأخير، بتقديم قراءة تحليلية لنتائجه، ومن ثم ركزنا بصورة أكبر على ما يمكن أن يقدمه مؤتمر الرياض لليمن، والأقليم، والعالم. ولعل أهم ما قاله في إطار مؤتمر لندن، أن نتائجه جاءت متوازنة كخلاصة للخلط بين الشراكة والوصاية، وإن كانت الوصاية هي الغالب. ومن ناحية أخرى جمعت بين مطالب المعارضة اليمنية في مواجهة السلطة وبين عدم إضعاف السلطة و إغفال الجانب الرسمي لها. ومع أنه أكد فشل المعارضة في تقديم نفسها حتى الآن للمجتمع الدولي كبديل مناسب لوراثة سلطة فاشلة..إلا أنه لفت إلى قدرتها على الاستفادة من توصيات المؤتمر الدولي إذا ما أحدثت تغييراً ملموساً في موازين القوى الداخلية لصالحها..
أما عن مؤتمر الرياض، فقد استبعد أن يكون له أي علاقة بخلق وصاية جديدة للرياض على اليمن، مؤكداً أن تلك الوصاية هي أصلاً قائمة، وما زاد المؤتمر الدولي إلا أن أعاد بعثها من جديد. يعتقد الرجل –رغم على أهمية مؤتمر الرياض كون المجتمع الدولي أوكل إليه كافة الإجراءات التنفيذية لإصلاح الأوضاع في اليمن- إلا أن اليمن لن تحصل على مساعدات مالية إضافية غير ما حدد لها في مؤتمر لندن للمانحين (2006). ولن يكون هذا المؤتمر الأخير سوى إحياء لجدولة المشاريع اليمنية وتشكيل لجنة دولية – إقليمية للإشراف والمتابعة وفق آلية حديثة. وقال إنها (اللجنة) ستعمل على حل كافة الإشكالات والأزمات الداخلية لليمن، بما فيها الحرب في صعدة، والقضية الجنوبية، وإعادة الحوار بين السلطة والمعارضة. وأن ذلك سيكون بجهود من الاتحاد الأوروبي والمعهد الديمقراطي الأمريكي.. نترككم مع مجريات اللقاء ومزيد من التفاصيل.
- سبق أن كتبت في صحيفة المصدر مقالاً تحليلياً ضمَّنت فيه توقعاتك لبعض نتائج مؤتمر لندن حول اليمن، إلى أي مدى تطابقت توقعاتك مع ما خرج به هذا المؤتمر؟ =هي فعلاً كانت توقعات، ولكنها توقعات استندت إلى معلومات ومؤشرات مسبقة، ومشاعة ولم تكن خافية على الكثير من المتابعين، وسبق وأن تداولتها المراكز الإعلامية والمصادر المعلوماتية، أي إن هذه التوقعات ليست تخمينات ظنية بقدر ما هي توقعات تستند إلى أساس معلوماتي مشهود ومعلوم، وبالتالي فلا غرابة أن تتطابق قرارات لندن مع معظم ما جاء في تلك التوقعات.
- الآن ماهي قراءتك للقرارات الصادرة عن مؤتمر لندن؟ = أستطيع القول بشكل مجمل بأن قرارات مؤتمر لندن التي حملها البيان قد ارتكزت في الأساس على محورين رئيسيين: المحور الأول هو (محور الإصلاحات) كمحور وطني يمني، وهو يمثل عنواناً للشراكة اليمنية مع المجتمع الدولي ولو بصورة شكلية، وهذا المحور قد استند في الأساس على المذكرة التحليلية التي تقدمت بها الحكومة اليمنية للمؤتمر، وبالتالي فإن مسئولية تنفيذ هذا المحور تقع على الحكومة اليمنية.. والمحور الثاني هو (محورالحرب على الإرهاب) كمحور دولي، وهو يمثل عنواناً للوصاية الدولية على اليمن، وقد استند في الأساس على المعطيات الأمنية التي كشفتها العملية الفاشلة لتفجير الطائرة الأمريكية في ديترويت، وبالتالي فإن مسئولية تنفيذ هذا المحور تقع على الإدارة الأمريكية عبر الحكومة اليمنية وبمشاركة واسعة من المجتمع الدولي في إطار المسئولية الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1267 وتحت أحكام الفصل السابع.
المعلوم أيضاً أنه قد انبثق عن هذين المحورين التزامان أحدهما (وطني) بتنفيذ الإصلاحات في اليمن أمام المجتمع الدولي، والآخر (دولي) يقوم بموجبه المجتمع الدولي من خلال الحكومة اليمنية بحرب القاعدة وبقية أشكال الإرهاب في اليمن في إطار مسئوليته الدولية. وقد تضمن كل التزام على محدداته الإجرائية الضامنة لتنفيذه وفق مشروعية واضحة وضاغطة أيضاً، إضافة إلى آليات تنفيذية محددة كل ذلك في نطاق خمس قضايا تفصيلية للمحورين الرئيسيين حددها البيان بالتفصيل.
- كيف جاءت تلك القرارات والتوصيات من وجهة نظركم و تقييمكم الشخصي بالنظر إلى ما تضمنته من توخي المصلحة اليمنية والدولية على السواء؟ = أعتقد أن تلك القرارات كانت متوازنة. فهي من ناحية خلاصة للخلط بين الشراكة والوصاية، وإن كانت الوصاية هي الغالب، ومن ناحية أخرى، فهي جمعت بين مطالب المعارضة اليمنية في مواجهة السلطة، وبين عدم إضعاف السلطة و إغفال الجانب الرسمي لها، خاصة وأن المعارضة لا يمكن أن تسد هذا الجانب طالما وهي لم تقدم نفسها حتى الآن للمجتمع الدولي باعتبارها البديل الموضوعي والمناسب لوراثة سلطة فاشلة.
- تحدثت عن السلطة والمعارضة.. كيف تقيّم موقف كل منهما من تلك النتائج؟ = رغم المواقف المتباينة حول قرارات مؤتمر لندن لإنقاذ اليمن، المشوب بالتفاؤل المدلس للسلطة، والحذر المحبط للمعارضة، إلا أن من الواضح عدم وجود خلاف بين أطراف المعادلة السياسية اليمنية والإقليمية على أن قرارات المؤتمر من حيث المبدأ وبشكلها الظاهري الذي تبدت به لم تكن مخيبة للآمال على اعتبار أنها تناولت قضايا بديهية ليست محل خلاف باستثناء بعض الخلافات الناشئة عن المخاوف من الوقائع الإجرائية المتصلة بهذه القضايا. إضافة إلى الشكوك في ترتيب الأولويات أثناء المعالجة لها وتنفيذها على الواقع.
- بالنسبة للمعارضة.. وصفتها بالحذرة، والمحبطة..من أي ناحية طالما وأن القرارات كما تفضلت لم تكن مخيبة للآمال؟ = من الواضح أن هناك قلق لدى المعارضة ناتج من مخاوفها من تضخم شراكة السلطة مع المجتمع الدولي، ومن ثم استغلال هذه الشراكة من قبل السلطة للاستقواء على المعارضة، ناهيك عن المخاوف من تدويل القضايا اليمنية.
- إذن فأنت تريد القول أن السلطة هي المستفيد الأكبر من المؤتمر، على الأقل فيما يتعلق بجانب المخاوف التي تسيطر على المعارضة من تضخم شراكتها مع المجتمع الدولي. هل خرجت المعارضة من معادلة الاستفادة نهائياً؟ = على المدى القريب جداً ستستفيد السلطة من هذه القرارات، ربما قبل أن تتحول إلى عبء عليها..ولكن في اعتقادي أنه -على المدى البعيد- ستستفيد المعارضة بشكل أكبر. بل إنه بإمكان المعارضة الاستفادة من هذه القرارات حتى على المدى القريب إن استطاعت إحداث تغيير مادي حقيقي ملموس في موازين القوى الداخلية لصالحها، وبالتالي سينفتح لها الباب على مصراعيه نحو المشروعية الدولية، خاصة وأن هذه المقررات قد أكدت على بعض أهم مطالبها فيما يتعلق بمشروعيتها أمام المجتمع الدولي، وذلك من خلال الاعتراف بمركزها وتأثيرها وأحقيتها بالتمتع بتلك المشروعية الدولية كشريكة رئيسية في الإصلاحات السياسية.
أما بالنسبة للسلطة فلا أستطيع أن أتوقع حتى الآن كيف ستتمكن من تنفيذ التزاماتها في إطار المحددات الاستراتيجية للمجتمع الدولي التي أوردها البيان، وخاصة استحقاقات قرار مجلس الأمن رقم 1267. وعلينا أن نتسائل هنا: ماذا بمقدور السلطة أن تفعله تجاه المحددات الإجرائية لقواعد صندوق النقد الدولي طالما وقد فشلت في هذا الاختبار من قبل، حينما كانت لا تزال في وضع أفضل!
- انبثق عن مؤتمر لندن، توصية بضرورة عقد مؤتمر آخر في الرياض، حول اليمن، ربما سيعقد بعد أسبوع أو أكثر من الآن..البعض يفسر اختيار الرياض على أنه تكريم دولي للدور السعودي في المنطقة. بينما يتحدث آخرون عن تعزيز وصاية السعودية على اليمن. بالنسبة لكم: هل هناك ما يمكن الحديث عنه في هذا الاتجاه؟ = لاشك بأن مؤتمر لندن قد أفضى إلى دور محوري وضاغط للمملكة العربية السعودية على اليمن، على أنه - وفي اعتقادي – أن هذا الدور لم يكن جديداً، ولم يوجده مؤتمر لندن من العدم، فهو دور قديم منذ مؤتمر لندن2006م، وعليه يمكن القول أن مؤتمر لندن الأخير إنما عمل على إحيائه من جديد. وفي كل الأحوال، لا أعتقد أن هذا الدور هو منحة دولية للمملكة، ولا هو وسام تكريمي لها، ولكن هذا الدور هو نتاج طبيعي لمركز المملكة القيادي الإقليمي في المنطقة، بثقلها المالي وتأثيرها الدولي، وبالتالي فلا أعتقد أنه جاء بقصد منح السعودية دور الوصاية على اليمن، كما يرى البعض، ولا أعتقد أيضاً، أن المملكة لديها الرغبة في ممارسة دور الوصي بحكم ثقل التركة اليمنية وتعقيدات الأوضاع الداخلية التي لا تغري أحداً من الجيران؛ ومع هذا لا أحد ينكر بأن المملكة في نظر المجتمع الدولي تظل في الأخير هي الضامن الحقيقي للوضع الداخلي اليمني بحكم خبرتها التاريخية. هذا جانب. الجانب الآخر، أن اليمن، وبحدودها الشاسعة معها، تمثل أهمية قصوى للمملكة، كونها الأكثر تأثراً بكل ما يحدث داخل اليمن.
- قياساً على آخر ما تفضلت به..هناك أخبار تتداولها بعض الأوساط السياسية اليمنية بأن اختيار العاصمة السعودية مكاناً لانعقاد هذا المؤتمر يأتي بهدف منح الرياض الدور الأكبر في تحديد مصالحها فيما يتعلق بالتحديات الأمنية التي تواجهها اليمن، كونها – في حقيقة الأمر – تشكل خطراً كبيراً على السعودية بدرجة رئيسية.. وبالتالي فإن إعطاءها مثل هذا الدور يقصد به حرص المجتمع الدولي على أمن السعودية، والذي يعني - في نهاية الأمر - الحفاظ على المصالح الدولية في الرياض. ما هو تعليقكم في هذا الجانب؟ = لاشك بأن المشكلة الأمنية الوطنية عندما تتجاوز مفهوم الأمن الوطني الداخلي وتنتقل إلى الإطار المجاور تكون هذه المشكلة قد اندرجت ضمن مفهوم الأمن الإقليمي كمنظومة أمنية إقليمية متكاملة لا يمكن تجزئتها، وبالتالي فإن السعودية تتضرر بشكل أو بآخر من اختلال منظومة الأمن الإقليمي الشامل. غير أن تصوير الأمر بتلك الكيفية التي ذهبت إليها فأعتقد -فيما إذا كان هذا التصوير من قبل أوساط يمنية – أنه بقصد التقليل من أهمية الدور السعودي قبل انعقاد مؤتمر الرياض، ومن ثم ممارسة هواية البطولة اليمنية المعتادة التي تبرز فيها عادة شخصية البطل أمام الشارع اليمني بغرض الاستهلاك الآني، أما إن كان هذا التصوير من قبل أوساط دولية، فربما قصد به التبرير الدولي لتحميل السعودية تكاليف الجهود الدولية للحرب على الإرهاب في المنطقة، إضافة إلى تحميلها مزيداً من الأعباء في دعم الإصلاحات الاقتصادية اليمنية.
- وماذا بشأن التفسير القائل بحرص المجتمع الدولي على أمن حليفتهم السعودية، وبالتالي مصالحهم الاقتصادية معها فيما يتعلق بأكبر احتياطي نفطي في العالم؟ = يا أخي كل الدول التي حضرت مؤتمر لندن تعلم علم اليقين أن هذه التحديات الأمنية اليمنية ليست وليدة اليوم..فهناك أزمةٌ معلومة وواضحة تتنامى يوماً بعد آخر في جنوب البلد، وهناك حرب مشهودة ومسموعة في شماله، كما أن هناك تداعيات أمنية وصلت تداعياتها إلى حد تهديد أمن المملكة العربية السعودية، بل والمحيط الإقليمي برمته، لكن مع ذلك نجد أن هذه الدول (التي تداعت إلى مؤتمر لندن) لم تلتفت كثيراً إلى هذه المشاكل الأمنية رغم تداعياتها الإقليمية، ومع ذلك ظلت صامتة ومتفرجة إلى أن برز أخيراً شبح القاعدة يلوح من خلال عملية ديترويت الفاشلة، حينها أيقنت هذه الدول أن ما يحدث في اليمن فعلاً أصبح لا يهدد أمنها ووحدتها واستقرارها فحسب، بل إنه يهدد السلم والمصالح الدولية والإقليمية، وتحديداً أمن المملكة العربية السعودية. وكان الأحرى بهذه الدول ألا تتعامل مع شبح القاعدة كمعطى في حد ذاته بل باعتباره نتاج لعوامل أوجدته وعززته، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن التعامل الأمني مع تنظيم القاعدة فقط لن يحل المشكلة، إذ إن هناك عوامل ساعدت على تقوية القاعدة في اليمن، ويجب بدرجة أولى وأساسية التعامل مع هذه العوامل قبل كل شيء . الأمر الآخر الذي ينبغي التأكيد عليه أن هذا الوضع الأمني بتداخلاته الوطنية والإقليمية والدولية يفرض على المجتمع الدولي التعامل مع مشاكل اليمن والمنطقة كحزمة واحدة لا ينتقي منها ما يهدد أمنه فقط لأن مثل هذا التعامل الانتهازي ستكون له انعكاسات خطيرة على الوضع بكل تداخلاته الوطنية والإقليمية والدولية.
- هناك من يقول بأن مؤتمر الرياض قد يشهد تنافساً سعودياً- قطرياً للإمساك بالملف اليمني، ويقال أن الحكومة اليمنية سيسعدها أن تعزز هذا التنافس لخلط الأوراق بهدف الاستفادة القصوى من المؤتمر، وربما أيضاً للتخلص من الوصاية السعودية، بعد أن تمكنت مؤخراً من إيقاف الحرب مع الحوثيين في صعدة؟ = لا أعتقد حصول ذلك، لأن الواقع اليمني كما قلت سابقاً لا يغري أحداً من الجيران، ناهيك أن الموقف الخليجي تجاه اليمن يكاد يكون موقفاً موحداً على مستوى كل دول مجلس التعاون، وليس على مستوى قطر والسعودية، وهذا الأمر قد حسم في قمة مجلس التعاون الأخيرة، حيث ظهر فيه الموقف القطري كموقف متضامن كلياً مع السعودية. الأمر المهم الذي لم نتنبه إليه، أن الدور السعودي في المؤتمر بحسب قرارات مؤتمر لندن دور جماعي ضمن دور مجلس التعاون ودور أصدقاء اليمن، ولن ينحصر هذا الدور على المملكة فقط. ثم إن هذا الدور لم يأت بطلب من السعودية، ولكن بموجب إعلان صادر عن الأمين العام لمجلس التعاون أثناء مؤتمر لندن، وهذا الإعلان بحسب اعتقادي، وكما يفهم من البيان- هو أن مجلس التعاون الخليجي هو الآلية الإقليمية لتنفيذ التزام الحكومة اليمنية أمام المجتمع الدولي بتحقيق الإصلاحات وفق المحددات الإجرائية الدولية التي يفرضها صندوق النقد الدولي. أضف إلى ذلك، أن دول مجلس التعاون الخليجي مستاءة بشكل جماعي من تخلف اليمن في تنفيذ وجدولة المشاريع المنبثقة عن مؤتمر لندن 2006، وبالتالي يلاحظ أنها أوقفت بشكل جماعي تسليم ما تبقى من تعهداتها المالية المنبثقة عن ذلك المؤتمر السابق. ويتوقع أن يشهد مؤتمر الرياض القادم تحريك هذا الملف من جديد، ومطالبة اليمن بتجديد التزاماتها وتقديم مخطط تفصيلي لجدولة المشاريع التي على أساسها ستتسلم تلك الأموال. كما يتوقع الخلوص إلى آلية جديدة لتنفيذ تلك المشاريع وتسليم تلك التعهدات، ربما بتكوين لجنة مشتركة من دول الخليج واليمن، وبعض الدول الغربية المانحة للإشراف على هذا الأمر بشكل مباشر.
- في اعتقادك..هل ستحصل اليمن على دعم مالي إضافي من هذا المؤتمر إلى جانب جدولة وتسليم التعهدات السابقة؟ = لن يحصل اليمن على أي دعم مادي جديد، ولا على أي تسهيلات أخرى، وسيقتصر الأمر فقط على إحياء المبالغ القديمة التي أقرها مؤتمر المانحين في لندن عام 2006 م، وبالتالي بحث العوائق التي حالت دون استفادة اليمن من أكثر من خمسة مليار دولار سبق وأن أقرت في مؤتمر عام 2006م، والتي لم يستغل منها - كما يقال - سوى 7% طيلة الخمس السنوات الماضية.
- إذاً ما هي المهام العملية لهذا المؤتمر؟ = البيان الصادر عن مؤتمر لندن أوضح بأن أعضاء مجلس التعاون سيبحثون في هذا اللقاء، ليس سبل دعم اليمن كما يفهم البعض، ولكن تحليل العوائق التي تحول دون تقديم دعم فعال لليمن، وعن الأسباب التي أدت إلى عدم استفادة اليمن من المبالغ المالية السابقة التي أشرنا إليها، وهو ما يؤدي على حد قول البيان إلى حوار مع الحكومة اليمنية لتحديد هذه العوائق وضرورة الالتزام بأولويات الإصلاحات.
- تحدثنا عن مؤتمر الرياض بقصر الموضوع على دول الخليج فقط، مع أن المؤتمر سيشمل ما يسمى ب"أصدقاء اليمن" الدوليين أيضاً..فهل سيكون لهؤلاء الأصدقاء دور آخر على غير ما سبق الإشارة إليه؟ = دور أصدقاء اليمن كما أعتقد هو دور تكميلي للدور الإقليمي، وأعتقد أن مؤتمر الرياض سيحدد هذه العلاقة بوضوح، وهذا الدور للأصدقاء الدوليين لا يعني سوى أن آلية التنفيذ لأجهزة الإصلاحات التي التزمت بها الحكومة اليمنية لن تقتصر على الآلية الإقليمية الممثلة بدول مجلس التعاون الخليجي بل هناك آليتين لتنفيذ التزامات الحكومة اليمنية بتحقيق الإصلاحات، الأولى دولية ويمثلها (مؤتمر المانحين)، تحت مجموعة أصدقاء اليمن، والثانية إقليمية من خلال دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية.
الخلاصة في هذا الوضع بأن الشراكة اليمنية مع المجتمع الدولي في مؤتمر لندن هي في حقيقة الأمر شراكة شكلية فارغة من المحتوى كونها محكومة بمحددات إجرائية دولية تفرضها قواعد صندوق النقد الدولي، وآلية دولية لتنفيذ إجراءات الإصلاحات يفرضها مؤتمر المانحين، وآلية تنفيذية إقليمية أخرى لمجلس التعاون الخليجي وهي آلية ضاغطة ومؤثرة كونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمركز الإقليمي (الرياض).
- ومذا بشأن الدور السياسي لمؤتمر الرياض؟ = أعتقد أن الدور السياسي فيما يخص أجندة الإصلاحات السياسية، ستندرج ضمن مهام أصدقاء اليمن، بمعنى أنه سيكون دوراً دولياً ذا طبيعة وأجندة سياسية في إطار أجندة ما يسمى ب(منظومة تجسيد العدالة، والحوكمة، وتنفيذ القانون)، وأعتقد بأنه ستتشكل لاحقاً لجنة مشتركة من مؤتمر الرياض ومؤتمر الأصدقاء الدوليين للإشراف على تنفيذ أجندة الإصلاحات السياسية في اليمن بالتزامن مع تنفيذ إصلاحات مالية في إطار المحددات الإجرائية لصندوق النقد الدولي وبسقف مالي ربما لن يتجاوز مخصصات مؤتمر لندن لعام 2006م.
- هل يفهم من خلال كلامك أن دور هذه اللجنة المشتركة -بشقيها الدولي والإقليمي- سيقتصر فقط على الإشراف على الإصلاحات السياسية والمالية على أرض الواقع، بعيداً عما يشكك فيه من أن هناك دوراً أمنياً في الحرب والصراعات الداخلية، وربما أدوار أخرى تتعلق بالسيادة اليمنية وغيرها..؟ = أعتقد أن هذه اللجنة ستتناول مجموعة من التحديات التي يواجهها اليمن، وسيعقد لها أول لقاء في المنطقة في أواخر شهر مارس. وأعتقد أنه سيكون في الرياض. وهذه المجموعة كما أشرنا سابقاً هي الآلية الدولية بجانب الآلية الإقليمية التي ستناط بهما عملية تنفيذ أجندة الإصلاحات بشقيها السياسي والمالي.
أما المهمة الثانية فهي مرتبطة كما أعتقد بالمشهد السياسي المتأزم في اليمن، والذي بدأ التنفيذ له عبر وقف الحرب في صعدة في الشمال، وعدم التعامل مع القضية الجنوبية بالمواجهات المسلحة، إضافة إلى الترتيب إلى إعادة أطراف المعادلة السياسة في الداخل إلى طاولة الحوار بجهود تكفل ببذلها الاتحاد الأوروبي والمعهد الديمقراطي الأمريكي بحيث يتم عرض نتائج عملهما في اجتماع لاحق في غضون الأيام الأخيرة من شهر فبراير الحالي ضمن شراكة دولية إقليمية مع دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية.
- ما مدى الصلاحيات التي يمكن أن تتمتع بها هذه اللجنة المشتركة للقيام بكل ذلك، لاسيما وأن اليمن أعلنت أكثر من مرة تأكيدها على رفض أي تدخل خارجي مباشر؟ = مادمت تسأل بإلحاح عن مسألة الوصاية على اليمن؛ أستطيع الآن أن أقول لك بوضوح أن هذه الوصاية ليست وصاية سعودية على اليمن كما كنت تعتقد أنت أو يعتقد البعض وإن كانت المملكة هي الضامن الحقيقي للوضع الداخلي في اليمن...ولكن الوصاية في حقيقة الأمر ستكون من خلال هذه اللجنة المشتركة باعتبارها وصاية إقليمية- دولية مشتركة. وبالتالي.. فإن هذه اللجنة – في اعتقادي – ستكون بمثابة مجلس أمناء دولي- إقليمي للوصاية على السلطة الفاشلة في اليمن، حكمها حكم أي وصاية تصدر عن محكمة شرعية لرعاية وصون حقوق القصر والسفهاء والمجانين من البشر.