كتبت زميلتي ابتهال الصالحي في ذكرى حرب 94 عن مشاهد خوف ورعب عاشها أبناء عدن في تلك الفترة. قرأتها باهتمام رغم أنها كانت طويلة بعض الشيء واكتشفت ان هذه الحرب تحديداً لم يكن فيها مغلوب سوى الشعب (كل الشعب) في الشمال والجنوب. سأسرد بعض ما أتذكره من يوميات حرب 94 وستكون ذكريات طفل في الصف السادس الابتدائي لم يبلغ الحلم بعد.
كل ما أتذكره هو الاختبارات الوزارية للصف السادس، وقد كانت آخر سنة يكون فيها اختبار الصف السادس وزارياً مثل اختبارات الثانوية.
الاختبارات تم تأجيلها، وهذا كان أسعد خبر في صباح ممتلئ بأصوات مضاد الطيران الذي كان يملأ سماء صنعاء. لم أنتبه ان لمضاد الطيران ضوءاً جميلاً أشبه ما يكون بالألعاب النارية إلا في مساء ذلك اليوم.
قبل ان تنام زميلتي ابتهال مع اهلها وجيرانها في غرفة اربعة متر في اربعة متر في جو عدن الحار.. كنا نحن في صنعاء قد تجمعنا الاطفال والنساء في غرفة في بيتنا الارضي اربعة متر في ثلاثة متر في جو صنعاء المعتدل الاقرب للبرودة..
قبل ان تسمع ابتهال أصوات الرصاص في شوارع المنصورة، كنت انا وإخوتي وأبناء أقارب أبي نستيقظ من نومنا في منتصف الليل على صوت صاروخ سكود سقط بالقرب من منزلنا، تحديداً في الحصبة على منزل استقبل عريسين جديدين لم يكملا ليلة دخلتهما الا في ثلاجة المستشفى.. كلما مررت من الحصبة استغرب لماذا لم يسقط الصاروخ على بيت الأحمر، وأقول يبدو ان البيض يراعي العيش والملح الذي أكله في بيت "ام شيخ".
قبل ان تسمع ابتهال بموت والد أيمن كنت قد سمعت بموت هايل جارنا الشاب العشريني في عمران وعبدالله قريب جارنا في ذمار.. كل من مات في بداية الحرب كانوا في شمال الشمال عمرانوذمار .
عندما سمعت ابتهال صوت الرصاص سمعت صوت الصاروخ سكود رقم اثنين الذي حط رحاله بجوار المستشفى الجمهوري.. عرفت في ما بعد ان ما سقط على صنعاء من صواريخ سكود ولم تنفجر كان كافياً لتدمير ثلاث مدن بحجم صنعاء.. هذا ما سمعته ولا أحب ان أجري بحثاً حول حقيقة الموضوع.
عندما كانت ابتهال تعاني من انطفاء الكهرباء كانت أمي قد ابتكرت فوانيس قاز من زجاجات الدواء الفارغة وكنا قد نسينا فعلياً ماهي الكهرباء.
عندما بدأت جثث الموتى تدفن في عدن، كانت الأرامل في صنعاء تُطرق أبوابهن للخطوبة وقرب الزفاف وكان الأطفال اليتامى قد تعودوا على لقب "ابن الشهيد".
ابتهال شاهدت منظراً لجنود مضرجين بالدماء وظلت هذه الصورة لا تفارق خيالها وتطاردها في كوابيسها. أنا شاهدت أمي وهي تحتضنني أنا وإخوتي وهي مرعوبة بعد كل قصف بصواريخ الاسكود. لازالت تلك المشاهد لا تفارق خيالي ولا زالت تلاحقني حتى في يقظتي وليس في الكوابيس وحسب.
عزيزتي ابتهال: نحن متعادلون وربما أكثر من متعادلين، نحن جزء واحد عشنا المأساة نفسها، ولكن في فترات زمنية قريبة من بعضها.