نصدق ما تقوله وزارة النفط أن هناك ملايين اللترات من الوقود تم جلبها إلى محطات العاصمة لإنهاء أزمة البترول، ونصدق أن هناك من أصحاب المحطات من يخفي مخزونه ربما تآمراً وربما لبيعها في السوق السوداء.. نصدق كل ذلك؛ لكن ما لم نفهمه هو استمرار توريد البترول إلى المحطات دون اتخاذ أي وسيلة عملية لإنهاء الأزمة، والتعامل بحزم مع المتسببين فيها من أصحاب المحطات! وها هي الأزمة مستمرة، والمحطات مليئة بالبترول المخفي، ولا أحد يدري ماذا ستفعل الدولة لحل مشكلة تعرف أسبابها وتعرف المتسببين فيها! ربما لاحظتم أننا استخدمنا كلمة "الدولة" في تحديد الجهة المسؤولة عن حل أزمة المشتقات النفطية، ولم نستخدم ألفاظاً مثل: الحكومة وباسندوة، ووزارة المالية وصخر الوجيه.. وهي النمطية التي اعتاد عليها إعلام المخلوع والحوثيين عند الحديث عن الأزمة، ويستثنون منها حتى وزارة النفط المسؤولة الأولى عن شؤون النفط! وقريباً قد يدخلون وزارات التخطيط، والتربية والتعليم، والعدل، والإعلام ضمن المسؤولين عن الأزمة! وأحدهم قد يفكر أيضاً بضم المعاهد العلمية (سابقاً) إلى قائمة المتهمين بالمسؤولية عن الأزمة على أساس أن العرق دساس!
يغلب على ظننا أن المشكلة الأساسية أمام حل الأزمة ليس في المخربين ولا في المتآمرين فهؤلاء مقدور عليهم، ولن يكونوا أقوى من نظام المخلوع وجيشه ودولته.. ففي مثل ظروف بلادنا من المفهوم أن تحدث مشاكل وأزمات سواءً بسبب المؤامرات أو بسبب التركة الثقيلة للعهد السابق! وليست المشكلة -أيضاً- في كون الحكومة هي حكومة وفاق وطني ومحاصصة حزبية؛ ففي بلدان عديدة تقوم حكومات من هذا النوع ولا يكون الحال مثل حال بلادنا، وفي إسرائيل مثلاً تتشكل حكومات ائتلافية في حالات كثيرة، وفي العادة فإن من أولى علامات إقدام الصهاينة على تدبير عدوان كبير على العرب هو تشكيل حكومة ائتلافية يشارك فيها أكبر خصوم الحزب الحاصل على الأغلبية، وأكبر انتصار عسكري تاريخي حققه الصهاينة في تاريخهم كان في العام 1967 بقيادة حكومة ائتلافية تشكلت قبل أيام من الحرب!
المشكلة كما تبدو في إحدى مظاهرها أنه ليس هناك توجه جاد لمعالجة أسباب الأزمة بوصفها أزمة وطنية تهم الدولة بكافة مكوناتها القيادية العليا ووزاراتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وبوصف المسؤولية تضامنية بين الجميع، ولا يمكن للدولة أن تسمح بحدوثها فضلاً عن استمرارها إلى هذه الدرجة التي تسيء فيها لهيبتها وصورتها! ولذلك تتعامى جهات عليا عن مسؤوليتها أو الجزء الخاص بها من المسؤولية في حل الأزمة، وتبدو "مطنشة" عن الأزمة كلها وكأنها خاصة فقط بوزارة النفط (إن أحسنا الظن!).. أو برئيس الحكومة ووزارة المالية فقط: الأول لأنه مستقل ويمكن تحميله مسؤولية كل مشكلة في البلاد، ولن يجد من يدافع عنه أو يتفهم الظروف التي يعمل فيها.. والآخر لأنه محسوب على الإصلاح، ويريد -في رواية- رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وفي رواية أخرى لأنه غير مرن، ولوبيات المؤتمر في وزارة المالية متضررة منه، ولذلك يجب تغييره وتحميله مسؤولية كل ما يحدث في البلاد!
قلنا إننا نصدق ما تقوله وارة النفط عن ضخ ملايين اللترات من البترول إلى العاصمة؛ لكننا لا نستطيع أن نفهم لماذا لا تفكر الدولة بكل مكوناتها عن إعداد الترتيبات الضرورية: قانونياً وأمنياً لضبط العمل في المحطات، وضمان عدم التلاعب وافتعال الأزمة ولو بوضع اليد مؤقتاً على مجموعة من المحطات في كل المناطق وإدارتها من قبل الوزارة محمية بقوات الأمن والجيش.. والطائرات بدون طيار، واستناداً للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة.. على أساس أن إخفاء البترول، وافتعال الأزمة هو من قبيل الأعمال الإرهابية المضرة بالبلاد والمعرقلة للتسوية السياسية؛ فأي تسوية سياسية ستتم إن كانت العاصمة مشلولة بأزمة مفتعلة والدولة تعلم كل شيء ولا تتحرك؟
هل تنتظر الدولة بكل مكوناتها أن يتقاتل الناس وتنهار الحياة في البلاد حتى يبدأوا في التحرك على غرار ما يحدث في مواجهة القاعدة؟ هل حل الأزمة مسؤولية حصرية فقط على وزارة النفط ورئيس الحكومة ووزير المالية، كما يصر إعلام المخلوع والحوثة على تقديمها للرأي العام؟ لماذا إذن لا تترك مسؤولية مواجهة القاعدة على وزارة الدفاع فقط ويتفرغ الآخرون كل لمشكلته؟
هذه الملاحظات تنسحب- أيضاً- على أزمة انقطاع الكهرباء بفعل الاعتداءات المتكررة على محطة كهرباء مأرب وخطوط النقل، وكذلك الاعتداءات على أنبوب النفط وهو أحد شرايين الاقتصاد اليمني المهمة؛ ورغم ذلك فالمسألة تبدو كما لو أن هناك في مكونات الدولة من يريد أن يجعلها "عصيدة" خاصة بوزير الكهرباء.. والآخرون ينامون ملء جفونهم عن شواغلها!
إذا صدقنا أن الدولة خسرت مليارات الدولارات بسبب تخريب الكهرباء وأنابيب النفط؛ فهل يكون تجاوزاً للمعقول أن نسأل: وماذا كان سيحدث أكثر من ذلك خسارة لو خصصت الدولة القوات الكافية لحماية أنابيب النفط ومحطة الكهرباء وخطوط نقلها، وجعلتها تتمركز على طريق النفط والكهرباء بصورة دائمة حتى يفرجها الله؟
ولو قيل إن هناك تخوفات من حدوث حروب أهلية وتمردات قبلية بسبب ذلك؛ فلماذا إذن لا يستخدم جزء من هذه الأموال التي تخسرها الدولة يومياً في شراء ولاء المخربين ولو من باب المزايدة على الجهات التي تحرضهم؟ وبذلك نقلل من حجم الخسائر المالية إلى حد كبير، وفي المقابل تسلم الكهرباء والنفط من الأذى، وتستفيد البلاد من استمرار تصدير النفط وخدمة الكهرباء في التنمية! ويمكن لتدوير جزء من هذه الأتاوات لخدمة المجتمع أن يكون هناك شرط أن يخصص المخربون جزءاً من الأموال التي يحصلون عليها في تنمية مجتمعاتهم المحلية كما تفعل شركات البترول؟
أكتب ذلك صباح الأحد بعد الاعتداءات الكبيرة على الكهرباء التي حدثت بعد ساعات قليلة على تهديدات عسكرية وأمنية بعدم السماح للمخربين والخارجين على القانون بأن يعيثوا بمقدرات البلاد.. وحيث إن العبث قد حدث فلم يبقَ أمام الدولة إلا حلان: إما الانقضاض.. وإما الانفضاض!
و"الانقضاض" يكون على شاكلة ما يحدث في أبين وشبوة.. و"الانفضاض" أي شراء الولاءات قد يكون هو الأسلم في الوقت الراهن للدولة وللناس.. ولمحطة الكهرباء وأنبوب النفط!
والضرورات تبيح المحظورات طالما أن البعض يريد أن يجعل من الأزمة وسيلة لتحقيق أجندة خاصة!