في أمانة العاصمة تم تسريب كل امتحانات الشهادة الأساسية باستثناء الاجتماعيات ,بينما انشغل الإعلام والوزارة بأخبار تسريبات امتحانات الشهادة العامة , ولم يتم الحديث عن تسريب الامتحانات الأساسية إلا في اليوم الأخير المتعلق بالرياضيات ,وكان الرد أنه تم توزيع نموذج آخر للرياضيات وليس النموذج المسرب ,إلا أن النموذج المسرب هو ما تم امتحانه فعلا حسب المعلومات الميدانية المؤكدة التي حصلت عليها. لا بد إذا من البحث و بدقة لمعرفة خلفيات الحدث الأكثر أهمية على الصعيد الوطني ,وربما يتقدم على حروب عمران حسب اعتقادي , و وفقا لما تتبعته من خيوط وجمعته من معلومات من مصادر متعددة , يمكنني عرض بعض الخلفيات التي ساعدت على حدوث هذه الجريمة ,دون توجيه أي تهمة لأي طرف ,وبهدف محاولة فهم ما جرى لا أكثر ,وربما كانت المقابلات الإعلامية للدكتور الأشول قد ساعدت على تحديد بعض النقاط الهامة في الأمر , و تركت بعض الأسئلة مفتوحة فيما يشبه الاتهام الضمني لبعض القوى (قوى الشر والتخريب), أو لرئيس اللجنة العليا للامتحانات وهو نائبه الدكتور الحامدي , رغم أن الدكتور الأشول لم يقدم إجابات شافية للكثير من الأسئلة , بل تركها لشرح خطط ومواضيع أخرى ليست في صلب الموضوع.
على صعيد الإجراءات الخاصة بوضع نماذج امتحانات الشهادة العامة ,ففي كل عام يتم تقسيم الجمهورية إلى مناطق امتحانية تشمل كل منطقة عددا من المحافظات ,ولها نماذج مختلفة عن المناطق الأخرى , وبالتالي في حال حدوث تسريب في أي منطقة أو محافظة ,وهو أمر وارد في كل عام ,وليس فقط هذا العام يتم تلافي الأمر بطباعة نماذج أقرب منطقة إليها وتوزيعها فيها بسهولة , لكن في العام الحالي تم توحيد النماذج الامتحانية لكل محافظات الجمهورية ,وكان من الصعب في حال تسرب أي نموذج في أي محافظة استبداله بسلاسة , كما جرى فعلا ,إذ أن الأمر يستدعي تغيير كل النماذج الامتحانية في عموم الجمهورية ,باستثناء عمران للظروف الخاصة التي تمر بها والتي دفعت الوزارة إلى مراعاة وضعها بوضع نماذج خاصة مبسطة ,بدلا من تأجيل الامتحانات فيها كما طالب البعض , وهذا قرار حكيم يحسب لقيادة الوزارة.
في كل عام كان يتم نقل الامتحانات إلى المحافظات على أجزاء ,أي نقل نماذج مادة واحدة أو مادتين قبل يوم أو يومين من الامتحان ,وهذا الأمر كان يحد كثيرا من قدرة القيادات الامتحانية في المحافظات , أو اللجان الامتحانية على مستوى المراكز والمديريات من تسريب الامتحانات , لكن في هذا العام ,وبدافع توفير نفقات وأجور النقل تم نقل نماذج كل المواد إلى المحافظات دفعة واحدة , وهذا سهل كثيرا أمر التسريب لضعاف النفوس من المشرفين الميدانيين , بأي دافع كان.
يظل التسريب أمرا وارد الحدوث كل عام وفي كل مادة , لكن التعامل الإعلامي مع الأمر الذي حدث أوحى فعلا بأن هناك من اراد استغلاله لأغراض سياسية وهنا فقط استطيع فهم ما أشار إليه الوزير ب(قوى الشر والتخريب) ,لكن لا يوجد أي دليل مادي على أن جهة ما ,أو تيار سياسي ما وقف خلف ما حدث في كل المحافظات التي تم فيها التسريب كحجة ولحج وأبين مثلا , إلا إذا كان رؤساء اللجان الإشرافية في هذه المحافظات كلهم من تيار سياسي واحد ,فهنا يمكن فهم ما أشار إليه الوزير ,لكن لا أحد أشار إلى طبيعة الولاءات السياسية للمتهمين ليتضح الأمر بشكل أفضل, وبينما كان الوزير موفقا بالدعوة لانتظار نتائج التحقيق حتى يتم الحكم أو توجيه أصابع الاتهام لأي طرف أو مسؤول , لم يتبع هذا الإرشاد ووجه أصابع الاتهام بشكل لا يستند لأدلة كافية.
حسب إشارة معالي الوزير (في مقابلة صحفية) إلى أنه ليس رئيس اللجنة العليا للامتحانات وإنما نائبه , ثم بطريقة إيحائية ترك الإجابة للقراء عن سبب اتهامه شخصيا وعدم اتهام نائبه رئيس اللجنة ,كان الأمر مغريا للبحث ,فنائبه محسوب على المؤتمر الشعبي العام ,والوزير ينتمي إلى حزب الإصلاح ,وقد يكون الخلاف السياسي بين الحزبين مدعاة لاستغلال هكذا أمر ,رغم اعتباره جريمة ,واستغلاله السياسي جريمة أكبر ,إلا أنه وفقا للبلاغات الصحفية ,ومحاضر الاجتماعات ,فإن الدكتور الأشول هو من رأس كل اجتماعات اللجنة العليا للامتحانات , و حتى جداول الامتحانات كانت بتوقيع الوزير وليس النائب بصفته رئيسا للجنة , وبالتالي فالقرارات المتخذة من قبل اللجنة كانت كلها بحضور الوزير شخصيا بما فيها تعيين رؤساء وأعضاء اللجان الإشرافية في المحافظات,فأين كان دور النائب / رئيس اللجنة الذي لم يعلمه الوزير ؟
هناك إذا إجراءات تمت كما يبدو دون دراسة كافية بما فيها إلغاء تقسيم الجمهورية إلى مناطق امتحانية تتكون من عدة محافظات ,ولكل منها نماذج مختلفة, ومنها أيضا نقل كل النماذج دفعة واحدة إلى المحافظات ,دون تقسيمها على دفع.
الأمر الآخر أن اللجان التي نزلت إلى المحافظات لفحص المظاريف المحتوية على نماذج الامتحانات بعد تسرب امتحانات الرياضيات للشهادة الثانوية , لم تقم بفحص المظاريف الأخرى المحتوية على امتحانات المواد المتبقية , وهذا أمر غير منطقي ,حيث أن القيام به سهل وبنفس النفقات والزمن , وكان يمكن أن يكشف أمورا أخرى حدثت ,كما كشف عن فتح مظاريف هذه المواد في بعض المحافظات كحجة وأبين ولحج !!
أما الصمت الذي لم تتحدث عنه وسائل الإعلام من تسريب امتحانات الشهادة الأساسية ,من قبل الوزارة فلا يعكس الشفافية التي تتمتع بها الوزارة و أشار إليها معالي الوزير.
ما روجت له بعض وسائل الإعلام عن طباعة الامتحانات في مطابع الجيل الجديد , أمر غير صحيح ,فكل النماذج طبعت في المطبعة السرية للوزارة كما هو متبع في كل عام – وهذا لا يعني استحالة تسريب نماذج امتحانية من المطبعة السرية - , وهذا الاتهام للوزارة في غير محله ,ويعزز نظرية استغلال الحدث للإساءة للوزارة بأكثر مما تقدمه معطيات الواقع , لكنه أيضا لا يعني أن من يستغل خطأ ما هو من ارتكب الخطأ.
أخيرا , مع كل ما سبق أين دور الأمن القومي في حدث بهذا الحجم ,وهل من المنطق ترك هذا الحدث لاجتهاد وزارة التربية وحدها , وكيف يمكن لقيادة الوزارة وهي المسؤول الأول عن الأمر – مع استبعادي كليا أي تورط لها في الأمر – أن تقوم برفع مذكرة للنائب العام للتحقيق مع 6 متهمين دون استيفاء التحقيق بشكل شامل , ومن قبل الجهة المختصة التي يجب أن تستجوب كل من له صله بالأمر سواء الوزير أو رئيس اللجنة العليا للامتحانات , أو رؤساء اللجان الإشرافية ,ومسئولو قطاع التوجيه والمطبعة السرية والإدارة العامة للامتحانات , حتى لو كان كل منهم , من حيث المنطق لا يمكن تورطه في أمر كهذا , ولكن الإجراءات القانونية يجب أن تتم.
لا يمكن لعاقل أن يتعامل مع حدث كهذا بشكل عابر , ولا أن يستغله سياسيا وإعلاميا كما حدث ,لأنه حدث يتعلق بكل أبنائنا حاضراً ومستقبلا , ومن المعيب أيضا تحميل الوزير أو وكيل التوجيه مسؤولية ما جرى لأنهما ينتميان لحزب سياسي معين , لكن بالمقابل على معالي الوزير توضيح (قوى الشر والتخريب) إن كان لديه ما يستند إليه , حينها لن يتم التعامل مع حديثه كونه تهربا من المسؤولية أو إلقاء التهم جزافا ,بل سيكون علينا الوقوف إلى جانبه بكل قوة لحماية أبنائنا ومستقبلهم وليس دفاعا عنه بالطبع.