ربما كان أبرز مخرجات مؤتمر الحوار ودلالاته هو اقتناع الأغلبية السياسية والاجتماعية التي شاركت فيه (وتلك القوى الحراكية في الداخل والخارج التي التحقت بالمخرجات بعد ذلك) هو تكريس فكرة أن لا أحد بمفرده قادر على حكم اليمن وفرض أجندته السياسية والطائفية على اليمنيين: لا حزب، ولا طائفة، ولا قبيلة، ولا شمال ولا جنوب، ولا أنصار الله أو أنصار الشيطان، أو أنصار السلف أو التشيع، ولا الإسلاميون ولا العلمانيون ولا الليبراليون.. ولا الجن ولا الإنس! هذه المحصلة هي الأكثر أهمية في كل ما قيل وسيقال عن المؤتمر والحاضر والمستقبل.. وهي التي أنتجت وثيقة مخرجات الحوار، وبها قبلتها الأغلبية على ما لدى الجميع من تحفظات حول بعض بنودها.. وكان القبول رغم التحفظات هو أيضاً دليل على اقتناع الجميع أنه لا يمكن لطرف أن يفوز بكل شيء، أو أن تكون المخرجات موافقة كلياً لمواقفه! وقطعاً فإن ذلك القبول لا يعني أن بعض الأطراف التي وافقت مرغمة ستستلم وترفع الراية البيضاء، وتكف عن مؤامراتها والاستمرار في تنفيذ أجندتها الخاصة بوسيلة ما؛ في الوقت نفسه التي ترفع عقيرتها وتنفخ في أبواقها ترحيباً بمخرجات الحوار الوطني وإيمانها بضرورة تطبيقها غداً قبل اليوم! وبهذا يمكن أن نفهم أحداث الأربعاء الفوضوية، وجرائم تفجير أنابيب النفط وخطوط الكهرباء، وصولاً إلى نقل الحروب من صعدة إلى عمران وحجة وهمدان لتهيئة المسرح للهروب من تنفيذ المخرجات، وإعادة البلاد إلى نقطة الصفر! إحدى أبرز علامات الإيمان بمخرجات الحوار ؛ بعد الإيمان بها قولياً؛ هو الإيمان بها بالجوارح أي بالتنفيذ العملي لها، ودون مغمغة ولف ودوران، وافتعال الأعذار لعدم تنفيذها مثل القول إن تسليم السلاح الثقيل الموجود لدى الحوثة مرتبط بتوفير الأمن والأمان لهم.. وفي حوادث عمران الأخيرة تأكد أن الحوثة لن يسلموا سلاحهم ولو سار الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.. أو بمعنى آخر إذا عاد حكم المؤتمر والزعيم الذي حقق تلك الحالة النادرة من الأمن على رواية عبده الجندي عن هارش عن ناهش عن طاهش، وهي رواية صحيحة على شرط البركاني! أحداث عمران الأخيرة، والظهور العسكري الأشبه بالدولة (دولة حقيقية مش من زي حقنا!) يؤكد أن الحوثة يؤمنون بمخرجات الحوار على طريقة فرقة المرجئة القديمة الذين كانوا يؤمنون أن الإيمان لا يشترط العمل لأنه منفصل عنه، وهو اعتقاد بالقلب وإن أعلن الإنسان الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية والنصرانية، وعبد الصليب ومات على ذلك فهو مؤمن بمخرجات الحوار.. أقصد مؤمن بالله ومن أهل الجنة! هل عرفنا فائدة دراسة الفرق الإسلامية العقائدية القديمة.. ولماذا يكره الفكر الحوثي الاهتمام بعلم الكلام؟ الحوثة المرجئة على استعداد للصراخ: الجمهورية أو الموت (كمثل صرختهم الموت لليهود) في الوقت الذي يؤكدون أن الإمامة أي الحكم لهم وحدهم! وهم على استعداد للتهليل والتكبير والصلاة على محمد وآل محمد كلما ذكرت مخرجات الحوار؛ في الوقت الذي يمضون بقوة السلاح، وبدعم إقليمي ودعممة دولية في التوسع العسكري أينما استطاعوا، وخاصة في المناطق التي يؤمنون أنهم ورثوها عن الآباء والأجداد ميراثاً شرعياً خالصاً! وها هم على مشارف حدود العاصمة بعد أن تجاوزوا الخط الأحمر المأسوف عليه الذي كان اسمه: عمران! وهم على استعداد للحديث ليل نهار عن المشاركة السياسية وعدم هيمنة طرف على كل شيء بشرطين اثنين فقط: ألا يشمل ذلك صعدة وحرف سفيان وحوث.. وأن تقوم الدولة بإصدار قرارات تغيير كل من لا يرضون عنه من القيادات السياسية والمدنية في أي مكان يحددونه.. وإلا فإن النتيجة غزوات متواليات وحروب لا تتوقف.. أي إما التغيير وفق الأجندة الحوثية، وما يحبونه وما يكرهونه.. وإما الحرب.. يا كرار! من المفيد أن يفهم الجميع واليمن أمام منعطف حاسم أن اليمن لم ينجح أبداً في حكمها بهدوء وأمان حاكم ما خلال الماضي القريب والبعيد.. وها هم الأئمة خلال 1200 سنة لم ينعموا بهدوء ولا سلام لا من قبل معارضيهم ولا من قبل منافسيهم من داخل البيت المعني بالوصية نفسه! ولم يتحقق الأمن لأحد من الذين جاءوا من خارج اليمن ولا من أبناء اليمن أنفسهم في حكم البلاد حكماً منفرداً عن الآخرين.. وإذا لم يفهم الحوثة هذه الحقيقة.. وإذا صدقوا وساوس جماعة الصنو في صنعاء التي تنصحهم بأن اليمنيين شعب أحمد لا ينفع معهم إلا الصميل والدم.. حينها فلن يكون مصيرهم أفضل من آبائهم وأجدادهم.. ولا من الأحباش، ولا الفرس، ولا المماليك، والأيوبيين، والأتراك، والإنجليز.. ولا أفضل من آخر واحد من هؤلاء أي المخلوع علي صالح الذي ظن أنه تبّع اليمن حقيقة، ولم يعد هناك من يخاف منه على ملكه بعد أن سيطر على كل شيء، وملك الجيوش والحرس والقوات الخاصة وما لا يعلمه إلا الله، وأمّن حكمه: إقليمياً ودولياً.. فأتاه الله من حيث لا يحتسب، وانهزم أمام جحافل الشعب السلمية: شباباً ورجالاً ونساء عزلاً من السلاح.. وسلم السلطة مرغماً! التاريخ أيضاً يخبرنا أن حاكماً أو سلطة يمكن أن يفرض سيطرته على اليمن كاملاً أو جزء منه؛ لكنه لن يستطيع أن يستمر طويلاً أو يهنأ في حكمه.. وإذا أخذنا مثال الإمام الطائفي الجارودي المكفراتي المتوكل إسماعيل الذي تمدد حكمه إلى كل اليمن المعروف الآن.. فإن تلك السيطرة؛ على شكليتها؛ لم تستمر أكثر من 40 عاماً قبل أن يبدأ اليمنيون الرافضون لحكمه الطائفي في الانتفاض ضده وضد أقاربه وحكامه، واستقلوا بحكم مناطقهم قبل أن تدخل البلاد في مرحلة الفوضى التي مهدت لاحتلال بريطانيا لعدن وعودة الأتراك! خلاصة الكلام: لن ينجح أحد مهما كانت عدته العسكرية وقدراته المالية، والدعم الذي يلقاه من الخارج في السيطرة على اليمن، وانتصارات الوهم التي تحققت له بمجهوده أو بفعل الخيانات.. وكم من منتصر أصبح مغتراً بقوته وأمسى تحت التراب.. أما نحن اليمنيين فمع تجاربنا التاريخية القريبة مع الظلمة، والمتألهين، وحكام الجور، والتكفير الطائفي لأغلبية الشعب؛ فلا نملك إلا أن نقول كما قال الشاعر: فإما حياة تسرّ الصديق وإما ممات يسوء العدا!