النزاهة صارت منقَصَة في المرحلة الانتقالية. والاستقلالية غدت سُبة في زمن تغول السلطة والجماعات وزحفها على الحيز العام والمجالين الإعلامي والمدني حتى لا يشوش صوت على الانسجام التام، ولكن السام، بين فرق الجماعات والتكتلات التي صنعت الإجماع الأجوف في موفنبيك، إجماعاً ما لبث ان استحال فظاعات ينقشها صناع الإجماع بما هم مؤرخو اللحظة اليمنية الراهنة، على أجساد اليمنيين. النزاهة والاستقلالية ليستا اختياراً في هذا الزمن الدميم بل قدر البقية الباقية من اليمنيين الذين لم يلتحقوا بفرق الإجماع الغارقة في التبشير والتحشيد والتجييش لصالح مشاريع تسلطية وأخرى كليانية أخروية لا تقيم وزناً للفرد المسخر لها، وان صادف ان وجد خطأ في طريقها دهسته من دون أن يرف لقادتها جفن.
كذلك تصير النزاهة والاستقلالية طريدتين لقناصي السلطة والأحزاب والجماعات. ويصير النيل من الأصوات المستقلة حرفة الجميع، يمارسونها جماعياً او بالتناوب.
هذه الأيام جاء الدور على جماعة الحوثيين للنيل من الصوتين المستقلين والنزيهين رضية المتوكل وعبدالرشيد الفقيه.
أتابع الحملات الضارية من كتاب وناشطي جماعة فتية جامحة نَضَت عن نفسها ثوب الضحية، الضحية التي كانتها في سنوات الحروب الظالمة في صعدة، وما عادت لتتقبل أي تنبيه الى احتمال وجود ضحايا جدد، وعلى أيدي مقاتليها بالذات.
يصير التنبيه هنا عدواناً مبيناً على الجماعة وتشكيكاً بتعريفاتها الحصرية لجماعة المؤمنين الأطهار الذين يخوضون حروباً مقدسة ضد الطغاة والغزاة تأخذ أحياناً طابع الحرب الاستردادية التي تهون في سبيل غاياتها كل قيمة ويبهت في سيرورتها المقدسة كل حق.
أتابع منذ يومين حملة تحريض متصاعدة ضد العزيزين رضية المتوكل وعبدالرشيد الفقيه اللذين كانا على الدوام واقفين حيث يجب ان يقف الحقوقي النزيه؛ في صف الضحية متشككاً في الروايات المعممة من الجماعات التي تملك القدرة على إنزال العقاب والتعمية عنه في آن.
ما كنت لأكتب محذراً من خطورة ما ينشره متحمسون للجماعة ضد رضية ورشيد لولا انخراط قيادات معروفة للجماعة في حملة التحريض والكراهية ضد صوتين مدنيين مستقلين ما من سلاح بحوزتهما سوى نزاهتهما واستقلاليتهما اللتين لم تبقيا لهما نصيراً بين صناع الإجماع بدءاً من الرئيس هادي نزولاً الی أصغر مندوب تسويق لمنتجات صناعة الإجماع في العاصمة.
ليس من الإنصاف تنميط جماعة الحوثيين انطلاقاً من سلسلة تجاوزات ناجمة عن حركية في واقع محفوف بالأخطار ومحكوم بحالة "لا يقين" تطبع سلوك الأطراف كافة بالتوتر، وبالعمى أحياناً.
كثيراً ما تناقشت وصديقاي رضية ورشيد في التفوق الأخلاقي للضحية. ومن سوء الحظ فإن نقاشنا في قادم الأيام سيأخذ منحى تجريبياً صرفاً حيث يصير نصير الضحية ضحية عنفها اللفظي وربما عنفها المادي في حال التزم قائد هذه الجماعة وذوو البصيرة فيها الصمت حيال حماسات وحماقات الطيبين الذين يظنون انهم يحسنون صنعاً بالنيل من النزاهة والاستقلالية اللتين تزهوان اذ تتجسدان في اثنين من أنبل اليمنيين وأشجعهم وأكرمهم.